+ -

لم تقدم حكومات الرئيس بوتفليقة في تاريخها المثال على الشفافية في التسيير أو الحكم، كما أنها كانت دائما مقصرة في فرض هذه القاعدة الذهبية في أنظمة الحكم الراشد على المتعاملين الاقتصاديين المقربين منها، وحتى عندما تحاول اليوم إعادة التشديد على الشفافية، فإنها تتحدث عنها بانتقائية تستهدف البعض دون الآخر، بما يناقض معايير الشفافية نفسها ! شدد الوزير الأول، عبد المالك سلال، خلال زيارته الأخيرة لولاية تيزي وزو، على موضوع الشفافية في نشاطات المتعاملين الاقتصاديين بالجزائر، نافيا أن تكون حكومته تعمل على إعاقة استثمارات رجال أعمال بعينهم، وهي إشارة لا يمكن قراءتها بعيدا عن السياق والمكان الذي قيلت فيهما، ما قد يجعلها فاقدة للمصداقية إذا كان المعني بها رجال أعمال بعينهم، في حين يترك الآخرون أحرارا فقط لقربهم من أصحاب القرار، مع أن أصل الشفافية أن تكون مفروضة على الجميع دون الاستثناءات التي تفقدها معناها.ومعروف أن الجزائر تتخبط في مراتب متدنية من حيث قواعد الشفافية في التصنيفات الدولية، بسبب طغيان الفساد على الصفقات العمومية وغياب قواعد المنافسة العادلة، وعدم احترام دفاتر الشروط في المشاريع التي يتم إنجازها، إضافة إلى تضخيم قيمة المشاريع، وهو ما كشفته الفضائح المتتالية التي عرفتها قطاعات استراتيجية مثل الطاقة والأشغال العمومية، فضلا عن التقارير التي تصدرها جمعيات مكافحة الفساد، والتي ترسم فيها واقعا أسود عن الوضع العام للبلاد. ومما يضعف أكثر من مصداقية الحكومة، تلك التحقيقات التي قام بها صحفيون محايدون عبر العالم، وأثبتوا من خلالها شبهات فساد على عدد من المسؤولين الجزائريين، دون أن يجد هؤلاء أدنى حرج في الخروج وتقديم التوضيحات للرأي العام، هذا دون الحديث عن الاستقالة المفترضة في من يرد اسمه في هذه الفضائح، والأدهى من ذلك أن القضاء لم يتحرك أصلا للتحقيق في قضية “أوراق بنما” مثلما حدث في كل دول العالم التي تتمتع باستقلالية حقيقية للقضاء.ولا يزال الغموض أيضا يلف ملف الوزير السابق شكيب خليل، إذ رغم النداءات الموجهة من قانونيين وحقوقيين وسياسيين، بعضهم من الموالاة، بضرورة مخاطبة الجزائريين حول حقيقة التهم التي وجهها له القضاء الجزائري سنة 2013، ومآلات التحقيقات التي فتحت ضده، إلا أن الصمت المطبق يظل جواب الحكومة، بينما يستمر الوزير السابق في جولاته عبر الزوايا، فيما يراه كثير من الجزائريين استفزازا صارخا لهم وانتهاكا لدولة القانون.وبعيدا عن مسائل الفساد، يبرز إشكال آخر يتعلق بالضبابية والعشوائية في اتخاذ القرارات، التي تميز عمل الحكومة، فقد ترك قطاع الإعلام على سبيل المثال يسبح في فوضى عارمة، مع وجود القانون العضوي للإعلام الذي يفترض تطبيقه بعد اعتماده سنة 2012، ودفع هذا الوضع المختل بالعديد من القنوات إلى التكيف معه، لحقها في الممارسة الإعلامية، من خلال فتح قنوات في الخارج وطلب اعتماد مكاتب لها في الداخل، ليصبح المكتب هو القناة!وعلى الصعيد السياسي، تضرب على “الشفافية” ستائر من الغموض، في مسائل عدتها الحكومة من الطابوهات، مثل صحة الرئيس بوتفليقة الذي بالكاد يظهر خلال ثوان معدودة على التلفزيون، دون أن يتم الرد على التساؤلات الملحة التي تطرحها المعارضة حول شغور الحكم، أو التي نبهت إليها شخصيات وطنية فيما يتعلق بآلية اتخاذ القرار، خاصة في ظل التوجهات التي كرسها قانون المالية لسنة 2016 المثير للجدل سياسيا واقتصاديا.وفي مجال التسيير، ترفض الحكومة في كل مرة تقديم بيان السياسة العامة إلى البرلمان، وتتم عرقلة كل سؤال شفوي أو كتابي يسبب لها الإحراج، أو منع لجان التحقيق التي يطالب بها عدد من نواب المعارضة، أو كشف تقارير الهيئات الرسمية المكلفة بمكافحة الفساد، وهي كلها عوامل تجعل من الحكومة آخر من يمكنه تقديم دروس في “الشفافية”!

مقال مؤرشف


هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.

تسجيل الدخول باقة الاشتراكات