38serv
صنعت “الخبر” نموذج تضامن جديدا كان نتاجا لقضية نبيلة تتعلق بواحدة من مقدسات الحرية، وهي حرية التعبير، النموذج كرسته الوقفة الثالثة قبالة محكمة بئر مراد رايس الأربعاء الماضي، عندما جمعت “الخبر” المتضادات السياسية، كما جمعت الأحباب الذين فرقتهم مشاغل الحياة والإرهاب أيضا، هناك من لم يلتق أصدقاءه طيلة عشرتين من الزمن، منذ بدايات النضال الأولى، عقب انهيار معالم التعددية أوائل التسعينات، لذلك صارت وقفات الأربعاء مواعيد تلاقٍ على نبع قضية فريدة من نوعها، قضية بين وزير ناطق باسم سلطة وحكومة، وبين جريد، ناطقة باسم الجزائر العميقة.. ومواطن. الوقفة أظهرت أيضا أنه لم تعد التأجيلات المتكررة مثبطا لعزيمة الخروج من المحكمة بقرار منصف يعيد للعدالة قدسيتها، مثلما لم تعد تلك الهجمات الإعلامية الشرسة، التي يشنها من تفرض علينا مهنة المتاعب أن نُسميهم “زملاء”، تخدش إرادة الاستمرار في الصمود والبقاء، لكن الفرق بيينا وبينهم صار جليا لمن لم يكن يفرق بين الصالح والطالح. أول رد فعل بعد منطوق القاضي بتأجيل القضية إلى يوم 8 جوان، كان من طرف مواطن على حافة الطريق قبالة المحكمة “سيكون في رمضان.. لكن سنأتي”. رد ليس غريبا بالنسبة لصاحب محل بعنابة زيَّن محله بلافتات التضامن مع “الخبر”، وسار بموكب سيارات نصرة للقضية، مثلما ليس غريبا عن معطوبين في خدمة الجيش الجليلة، قرروا اللارجوع عن الدفاع عن نبل قضية.. سنستمر. “الخبر” بنت “الجزائر العميقة”.. قصة حب أبدي قد يتساءل البعض عن دواعي إقبال أبناء “الجزائر العميقة” على مساندة “الخبر” في أكبر في امتحان تواجهه منذ نشأتها. لماذا كل هذا الهول من أجل جريدة تكتب باللغة العربية؟ البحث عن الجواب لا يتطلب جهدا كبيرا، فالوفاء أحد سمات الرجال الذين يعمرون أرض “الجزائر العميقة”، ما زالوا يتشبثون بالمبادئ والقناعات، وأن النفاق بمختلف أشكاله لم يطأ أرضهم الطاهرة.العلاقة بين “الخبر” و “الجزائر العميقة” هي قصة حب بدأت منذ زمن بعيد، يوم لم تجد “الجزائر العميقة” من يعبر عن همومها وانشغالاتها. يوم هجرت الأقلام المأجورة والمنافقة، لأن الشجاعة كانت تنقصها والجرأة لم تعرف إليها سبيلا. يوم استصرخت “الجزائر العميقة” بصوت عالٍ دوى سماء القبائل بأكملها “وا خبراه”، فتحركت “الخبر” لترد عليها “ها أنا ذا” ليحدث بذلك التعانق الأبدي وتبدأ قصة العشق الذي لا ينتهي. “الجزائر العميقة” لم تنس فضل “الخبر” في فك العزلة عن الكثير من أمصارها، فالمئات وربما آلاف الروبورتاجات والتغطيات المنجزة طيلة 25 سنة تشهد بأن “الخبر” هي صوت الشعب حقا، هي لسان المعذبين، قلعة الأحرار وصدى أنين جبال الصومام والقبائل عامة، فأسماء قرى ومداشر بجاية بسهولها وسواحلها ذُكرت يوما في صفحات “الخبر” لسبب أو لآخر. “الخبر” بجرأتها وموضوعيتها ومهنيتها واحترافيتها هي التي عبدت الطريق للكثير من الجرائد من أجل التوغل في قلب الجزائر العميقة، واستطاعت أن تستولي على القلوب والعقول لتتجذر في ربوعها، عكس تلك الجرائد التي لم تصمد طويلا، لتفضل بذلك الطلاق القسري، شبابٌ يقطعون مسافات بعشرات الكيلومترات لبلوغ عواصم المدن الكبرى لاقتناء نسخ من “الخبر” وإعادة بيعها بأسعار مضاعفة للقراء المتواجدين في الأمصار الجبلية، ويشترونها والفرحة تغمر قلوبهم، لأنهم مدركون ومقتنعون أن “الخبر” هي الوحيدة التي تحمل همومهم وتنقلها بصدق إلى من يقصدونه من أجل أن يغير أحوالهم، لأنها تتعامل معهم بصدق فأطلقوا عليها اسم “الصدق والمصداقية”.ونحن في سنة 2016 تبقى “الخبر” الوحيدة دون منازع التي تباع في المقاهي والمحلات التجارية ويجهد الناس من أجل اقتنائها. “الجزائر العميقة” تدرك تمام الإدراك أن لسانها الوحيد هي صوت وقلم “الخبر”، وهو ما يشهد عليه رئيس جمعية عقلاء بجاية الذي قال إن “الخبر” استطاعت بصدقها وطهارة حبرها أن تبيض الكثير من الوسخ الذي عمر لسنين كثيرة، وعرفت كيف تنقل بصدق هموم الجزائر العميقة إلى المسؤولين في مختلف مستوياتهم، ويعترف أنه بفضل مقالات ومواضيع نشرت في صفحات الجريدة أقبل الفرج على الجزائر العميقة، الكثير من الطرقات المعبدة وتنصيب الإنارة العمومية وفتح مدارس وثانويات جديدة وتوفير الماء الصالح للشرب.. فرج تحقق بفضل “الخبر”، فكيف لـ “الجزائر العميقة” أن تنسى هذا الفضل؟ يضيف ممثل عقلاء بجاية، يوم استنجدت “الجزائر العميقة” بكل المنابر فلم تجد إلا منبر “الخبر” يلبي النداء. “الجزائر العميقة” تتذكر أيام الدم والرعب لما كانت “الخبر” رفقة ناشطين في الجمعيات الثقافية الوحيدة التي تتوغل في قرى توجة وتازمالت ودرقينة وتمريجت وأدكار وتوريرت إغيل لتشارك الناس أفراحهم وأقراحهم، رغم تصنيف ذات المناطق كمعاقل للجماعات الإرهابية. “الجزائر العميقة” تتذكر لما كانت أغلب القرى والمداشر تئن تحت وطأة الإرهاب التنموي الذي فتك بها، فوجدت صوت “الخبر” إلى جانبها ليحدث التغيير الذي كانت الناس تنشده منذ سنين، وكم من قرية دعت “الخبر” لتشاركها وليمة بمناسبة إنجاز مشروع ما. “الجزائر العميقة” تتذكر يوم شُلت المدارس والثانويات لعام دراسي كامل بمناسبة “إضراب المحفظة” الذي دعت إليه الحركة الثقافية البربرية بجناحيها، الموالي أحدهما للأرسيدي والآخر للأفافاس، دون أن تجنح لأحدهما، فالتزمت بالموضوعية والحيادية وراحت تنقل الأخبار يوميا عن المنطقة دون أن تجلب غضب هذا أو ذاك، مسيرات واحتجاجات وتضاربات وتصادمات بين الجناحين، وعكس أقلام أخرى فضلت الانحياز، وظلت “الخبر” صاحبة الحياد الإيجابي، ويشهد قادة الحركة الثقافية البربرية كم من مرة كان تدخُّل “الخبر” سببا في عودة اللحمة إلى المتخاصمين. “الجزائر العميقة” تتذكر يوم 25 جوان 1998 لما اغتيل المطرب معطوب الوناس على يد ألوية الموت، لتحل المصائب والنكسات على سكان المنطقة، يومها وجدت بعض المنابر فرصة للتشفي، بينما شاركت “الخبر” عائلةَ المرحوم أحزانها ووقفت إلى جانب المشاركين في بيوت التعازي التي فتحت في كثير من القرى والمداشر. “الجزائر العميقة” تتذكر يوم انطلاق شرارة الربيع الأسود، يوم كتب البعض في صدر صفحات جرائدهم “النار والدم والدعوة والانتقام واجب”، يومها كتبت “الخبر” في صفحتها الأخيرة “ما كان أن يحدث هذا لو تحلى رجال الدرك بالحكمة والبصيرة ،«وتوجهت الرسالة إلى القلوب لتتواصل القصة. “الجزائر العميقة” تتذكر سنوات الجمر مع حركة العروش، حيث لم يحدث أن عقد اجتماع لمندوبي الحركة غابت عنه “الخبر”، وبلغ الأمر بالكثير من هؤلاء أن انتظروا وصول ممثل “الخبر” حتى يبدءوا أشغالهم، وأغلب المندوبين لا يزالون أحياء، حدث هذا رغم أن جميع الاجتماعات تجرى في الليل وما يحمله الليل من مخاطر.تتجدد الأيام وتبقى “الخبر” خير رفيق “للجزائر العميقة” التي في ربوعها وُلدت، وفي أحضانها ترعرعت، ومن ثديها رضعت حليب الوفاء والالتزام والشجاعة والجرأة والصمود والمقاومة، ومن عرينها اليوم تستأسد على خصومها وتتوعدهم بالانكسار وتعد أصدقائها بالانتصار.ولأن “الجزائر العميقة” مثل “الخبر”، عن الوفاء والالتزام لا تحيد، ستبقى قصة الحب الجميل مستمرة، والحبيب لا يدرك قيمة الحب الذي يربطه بالحبيب الآخر إلا وقت الضيق، ولمن يهمه الأمر هذا هو السر الذي جعل كل الأطياف السياسية والثقافية والنقابية تتدفق من قمم الجبال لتشارك في الوقفات التضامنية التي تنظم لنصرة صوت كل الجزائريين، وخير دليل على ذلك نزول الناشطين السابقين في الحركة الثقافية البربرية للمشاركة في الوقفة، وكذلك الجمعيات القروية والمطربين الملتزمين أمثال بوجمعة أقراو، بوعلام بر، عمور عبد النور وغيرهم.. هي قضية مبادئ، و “الخبر” تدرك جيدا معنى المبادئ.
مقال مؤرشف
هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.
تسجيل الدخول باقة الاشتراكات