38serv

+ -

 صحيح لم يخرج الفيلم الجزائري القصير “قنديل البحر” للمخرج داميان أونوري بجائزة في مهرجان كان ومسابقة “لاكنزان” التي مر إليها من بين 5 آلاف اختيار، لكنه صنع الحدث خلال عرضه رفقة 9 أفلام متنافسة في هذه المسابقة، وأخذ حيزا كبير من النقاش الذي دار بين مخرجي الأفلام والصحافة، فالتجربة السينمائية الجزائرية كانت مفاجئة لكل من تابعها، وكانت مختلفة في تناولها لموضوع قريب من الواقع ولكن بنكهة خيالية، هذا التمازج الفريد من نوعه مرره الفيلم برسائل خاصة وبلوحات فنية ومؤثرات بصرية صنعت الجزء الخيالي، ليقص حكاية العنف ضد المرأة والتحرش، ويلفت الأنصار بقوة إلى الحزن في غرائز الانتقام التي قد يحملها أي ضحية في مجتمع لا يرحم.تشد حكاياتُ التحرش والاعتداءات على النساء المخرجَ داميان أونوري في تجربته الإخراجية الروائية الطويلة الأولى، وقد جاءت فكرة الفيلم مميزة من ناحية الأداء والإخراج، تحمل معها لمسات خيالية لم تعتد عليها السينما الجزائرية، فقد رسم داميان أونوري خطا فلسفيا لأبطال الفيلم الذين جسد أدوارَهم كلٌّ من الممثلة عديلة بن ديمراد، والممثل نبيل عسلي، والممثل عزيز بوكروني، وفق سيناريو يحاور الواقع والخيال، استلزم تجسيده السفر بالفيلم إلى الصين من أجل ضبط المؤثرات البصرية.التميزشيء كبير يحسب للفيلم، من خلال وصوله إلى مسابقة “لاكنزان” بمهرجان “كان”، هذه الخطوات السريعة لفيلم جزائري أنتج بعزيمة الممثلين الجزائريين الأقرب في روحهم إلى السينما المستقلة عن سينما الدولة، ليس وحده الأهم في مسار إنجازات الفيلم، فبالإضافة إلى ذلك هناك نجاح الفيلم في خطف الأنظار واستقطابه لنقاشات كل من تابعوا عروض أفلام “لاكنزان” القصيرة، والتي شملت 9 أفلام من عدة دول، وهناك أيضا لحظات خاصة قدمها الفيلم تجعل من السينما الجزائرية تعلو في سماء غير الأفلام الثورية والرسمية التي تنتج في الجزائر بدعم كبير من الدولة.الغضبهكذا يريد المخرج داميان أن يرهن مشاعرنا طيلة مدة الفيلم (39 دقيقة) من خلال شخصية نفيسة (جسدت دورها عديلة بن ديمراد)، في قالب من القلق والخوف والحسرة والحزن والكثير من المشاعر القادمة من مصير البطلة التي راحت ضحية العنف المتفشي في المجتمع ونظرة الرجل للمرأة، قبل أن يستقر في عالم الخيال، بعد أن تحولت نفيسة إلى وحش مائي ناقم وغاضب وساخط من كل شيء. ويعتمد الفيلم على الحوار بدرجة كبيرة، حيث يجعل من الحكاية رهن النص الطويل الذي يأتي بشكل مباشر، أحيانا على لسان البطلة وأحيانا أخرى يمنحها دور الراوي، ليفسر ملامح التفكك في المجتمع والغضب والظلم.في هذا الفيلم نكتشف الكثير من مواهب الممثلين الجزائريين الشباب، أولا في أداء الممثلة عديلة بن ديمراد التي سبحت تحت الماء وفي ظروف صعبة لزمن طويل، دون أن يبدو عليها الإرهاق، بل كانت تخرج في كل مرة من تحت الماء بقوة أكبر في الأداء، وهو ما جعل الفيلم يقدم فلسفته الحقيقية حول ثورة المرأة ضد الظلم.كما أعطانا الفيلم فرصة لاكتشاف جوانب جديدة من موهبة الممثل نبيل عسلي الذي تقمص شخصية الزوج، وارتدى عباءة القلق والحزن على زوجته التي كانت تغرق في مشاهد الظلم والحقرة والاعتداء دون حول ولا قوة له، كان الممثل نبيل عسلي قد نزع مجددا عباءة الكوميديا ورجع إلى التراجيديا في الأداء.التحديهو عدسة مدير التصوير الجزائري محمد العقون الذي لم يدخر جهدا في منح الحرية للكاميرا كي تغوص عميقا في البحر، من أجل الخروج بصور لم تعرفها السينما الجزائرية من قبل، فتقنية التصوير تحت البحر لم يعتمد عليها أي فيلم جزائري من قبل، على الأقل في السنوات الأخيرة حين كانت جميع كاميرات الأفلام الجزائرية تصل إلى الغابات بحثا عن معارك تعود إلى سنوات الاستعمار الفرنسي للجزائر أو في أحياء وشوارع المدن وداخل المنازل.الخوص لعدة دقائق تحت الماء في تجربة سينمائية فريدة من نوعها لكاميرا السينما الجزائرية، منحت الفيلم عمرا تجاوز حدود 37 دقيقة بلا مبرر في بعض مشاهده، ولكن الفيلم كان عطوفا على المتفرج، لا يشعرك بالملل رغم ترهُّل بعض المَشاهد، إلا أن المخرج داميان أونوري يجعل الفرجة تنصهر مع المتعة والقلق على مستقبل الضحية، بينما يتلاشى أي إحساس بالملل أمام عامل الإثارة التي جاءت هي الأخيرة مخيفة ومقلقة ومحزنة، تسحب الفيلم إلى نهاية مفتوحة تقترب بخطوات إلى عالم الخيال، ولكن قدميها لا تفارقان الأرض.يبدو الفيلم غاضبا وساخطا من واقع الإعلام، وتحديدا من ممارسات بعض القنوات الخاصة التي وُلدت لتسحب العقلية الجزائرية إلى وراء وتكرس الشعبوية، وهو ما أعلنه المخرجُ صراحة عقب عرض الفيلم في نقاش حاد، ويتصالح مع التاريخ والطبيعية الجزائرية، وخصوصا الشواطئ والسواحل التي يمنحها بريقا خاصا ومميزا، تخلب أعين المتابع نحو جولة سياحية جزائرية في شواطئ مدينة تيبازة.

مقال مؤرشف


هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.

تسجيل الدخول باقة الاشتراكات