+ -

لم يكن يوم أمس “الأربعاء” يوما عاديا.. فقد عاشت العاصمة يوما من أجمل أيامها بمناسبة هبة أحرار جاءوا من كل مناطق الوطن، كبارا وصغارا، ورجالا ونساء، بل حتى أبطال الحرب على الإرهاب الذين صاروا من ذوي الاحتياجات الخاصة، كانوا واقفين رغم العجز الظاهر.. لقد كانوا على موعد مرة أخرى مع قدرهم الذي أراد أن يكونوا بجانب العشرات من الصحافيين والعمال المنتسبين إلى مجمع “الخبر”، والمتعاطفين معهم من زملائهم في العناوين الأخرى، ومن عالم السياسة والقانون والحقوقيين، قبالة المحكمة الإدارية ببئر مراد رايس، رافعين شعارهم الخالد “الصّمود.. ربع قرن من الوجود”. من الساعة التاسعة صباحا وإلى غاية منتصف النهار، اصطف الجميع خلف جوق الوقفة المكونة من شباب وشابات “الخبر”. وعلى وقع ترانيم “الخبر لن تموت”، و”كلنا الخبر”، و”صامدون للحڤرة رافضون”، مدوية “بمعانيها القوية” ازدحام شارع عودية، مستقطبة إليها العشرات من المارة ومستعملي الطريق من سائقي السيارات الملوحين بإشارة “النصر” للواقفات والواقفين.وعلى شاكلة الوقفتين السابقتين، لم تسكت حناجر هؤلاء لحظة، إلى أن خرج المحامون بقرار القاضي الجديد، البديل للقاضي دحمان الذي ترددت أخبار عن إصابته بوعكة صحية أدخلته المستشفى وحرمته من مواصلة ترؤس الجلسات، فخلفه زميله القاضي قوشيح مهدي!كانت عيون الواقفين شاخصة تترقب آذانهم ما سيصرح به المحامون، قبل أن يبدأ الجمع في التفرق بهدوء مثلما جاءوا، ضاربين موعدا آخر يوم الثامن جوان المقبل. فبالنسبة إلى هؤلاء، اليأس لا يوجد في القاموس.. “فلو يتم تأجيل الفصل في قضية حساسة مثل قضيتنا، فإننا سنأتي ونقف وندعم ونتضامن مع “الخبر” حتى النهاية”.مرة أخرى، ضربت قضية “الخبر” أروع الأمثلة في مستوى الحضور السياسي والنخبوي، من قادة أحزاب ونشطاء سياسيين وحقوقيين.. جميعهم كانوا ملتفين حول صحفيي الجريدة التي كانت على الدوام منبرهم الذي يوصل أصواتهم للرأي العام، في وقت امتنعت باقي المنابر والعناوين.ما ميز موعد الأربعاء، هو التحاق وزير الاتصال السابق محمد السعيد بالمتعاطفين مع “الخبر”، وعلى الرصيف، حيث تبادل الرأي مع الأمينة العامة لحزب العمال، لويزة حنون، ونوابه في البرلمان، فضلا عن صديقتها وزيرة الثقافة السابقة، خليدة تومي.كما حضر فيلالي غويني، أمين عام حركة الإصلاح الوطني، ورئيس مجلسها الشوري، حملاوي عكوشي. وفي قلب الوقفة، شوهد محمد ذويبي، أمين عام حركة النهضة، إلى جانب معطوبي الجيش الوطني الشعبي إبان الحرب على الإرهاب، والذين جاءوا على كراس متحركة و”عكّازات”، تحكي ما عاشوه طيلة سنوات المواجهة مع صنّاع الموت. وما ميز لقاء الأحرار، تغيب نواب بالمجلس الوطني الشعبي، ببرمجة تدخلاتهم في مناقشة مشروع قانون تسوية الميزانية، والتي لا تنتهي إلا بعد الظهر، ومع ذلك، فقد استطاع بعضهم الالتحاق ببئر مراد رايس قبل أن “ترفع” الجلسة وتنتهي الوقفة.نكاز فاكهة الوقفةأما فاكهة الوقفة فكان رشيد نكاز، الذي استقطب كاميرات وعدسات المصورين، وميكروفونات القنوات الخاصة التي تستعد هي الأخرى لخوض امتحان صعب مع وزارة الاتصال، في الأيام القليلة القادمة، إذا ما صدق وعيد الوزير الأول، عبد المالك سلال، في خطابه بقصر الثقافة.وقبل الجلسة الرابعة في مسلسل “إسكات الخبر”، والتي لم تدم هي أيضا إلا دقائق معدودة، لم تخمد الحناجر، ولم يسكت السياسيون. فهذه لويزة حنون (حزب العمال) تدافع عن “الخبر”، وذاك محسن بلعباس (الأرسيدي) يدعو للصمود، وذلك محمد ذويبي (النهضة) يطمئن بأن “الجميع مع الحق وهذا الأخير لن يخطئ طريقه وسيكون من نصيب “الخبر” مهما بلغ مكر المتآمرين عليها”.رائحة المؤامرة لم تختفرائحة المؤامرة السياسية “النتنة” لم تختف رغم خطاب سلال، وهو ما دفع بالسيدة خليدة تومي لتؤكد “مؤازرتها للجريدة إلى غاية انتصار الحق على الباطل، نتضامن معكم بلا حدود، وسنظل إلى جانبكم بلا أي قيد أو شرط”.وفي نفس الاتجاه، جاءت مكالمة النائب لخضر بن خلاف، الذي لم يحضر بسبب ارتباطات برلمانية: “أغيب عنكم جسدا لكن عقولنا في جبهة العدالة والتنمية حاضرة معكم في وقفتكم ضد تكميم الأفواه، ندعم “الخبر” قبل كل شيء، وحرية التعبير بصفة عامة”، يختم بن خلاف تصريحه الهاتفي أثناء الوقفة، التي جرت أمام مرأى ومسمع رئيسة مكتب شمال إفريقيا لمنظمة “مراسلون بلا حدود”، ياسمين كاشة.مسلسل صيفي ماكروبذات المناسبة، شكل هذا الحدث فرصة للسياسيين لاستنكار إطالة السلطة عمر هذا النزاع الذي اكتسى طابعا استعجاليا في البداية، لكن أن يتحول إلى “مسلسل صيفي” قد لا تنتهي “جلساته” قبل ثلاثة أشهر، بغرض “تبريد” و”تقزيم” القضية بمرور الأيام، وطمعا أيضا في إخماد فتيل وعي أبناء وبنات الصحافة بضرورة الوقوف كرجل واحد في وجه محاولات اغتيال الصوت والصورة والكلمة الحرة بأسلوب ماكر.كلام محامي “الخبر” الصادق شايب، انتشر بسرعة البرق بين الواقفين الأحرار، فجاء رد فعلهم بنكهة التحدي.. “لن نركع، ولن يثبطوا من عزيمتنا شيئا ولن يثني مكرهم إرادتنا في مواصلة الدفاع عن حقنا وعن العدالة في وطننا.. رغم كيد الكائدين الساعين إلى تشويه صورتنا بأباطيل لا يصدقها عاقل”.بالنسبة إلى هؤلاء الصامدين، فإن قرار تأجيل القضية لأسبوعين آخرين لن يزيد الجريدة وفروعها إلا قوة وانتشارا وتأثيرا وتعاطفا، وثباتا على المطالبة بالحق الذي لن يضيع، مثلما أكد ذلك الزميل رئيس التحري، محمد بغالي، لمن كان يسأله من الصحفيين، مجمعين على أن العدالة تقف أمام امتحان حقيقي لتأكيد استقلاليتها، رغم تسرب أول ملامح القرار من قاعة الجلسة، مفاده أن أمورا كثيرة تم التدبير لها وإخاطتها في صالونات لا في دار العدالة التي هي أساس الحكم.مرة أخرى.. ارحل يا ڤرينوما زاد الوقفة زخما هو ذلك الشعار الذي هز شارع عودية المؤدي إلى وزارة الاتصال، واخترق جدران المحكمة، بتوجيه أصابع الاتهام إلى وزير الاتصال، حميد ڤرين، وليس جريدة “الخبر”، مطالبين من يهمهم أمر هذا البلد بترحيله أو نفيه من الحكومة في أقرب وقت، لأنه لم يعد رجل اتصال، بل تحول إلى عامل انفصال وعدم استقرار قطاع الإعلام والاتصال، الذي نادى الوزير الأول سلال بتنظيمه وتطهيره من النجاسة التي علقت به بسبب فشل برامج تحسينه وتطويره بنية مبيتة.وازداد نجاح هبة صحافيي وعمال فروع مجمع “الخبر” (جريدة، مطابع، التوزيع، قناة كا بي سي) إبهارا، بعدما التحق زملاء قدامى جاءوا من قنوات وجرائد زميلة، كانوا في يوم ما أفرادا في طواقمها المختلفة.. فضلا عن إطارات في مؤسسات عمومية وخاصة، بالواقفين، رافعين عاليا لافتة كتب عليها شعارات المساندة والتضامن، لسان حالهم “إن الله لا يقبل الظلم”. 

مقال مؤرشف


هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.

تسجيل الدخول باقة الاشتراكات
كلمات دلالية: