الحمد لله أنه لا يزال ثمة أولو بقية من أهل الشرف، تلاميذ وطلبة يأبون أن يحققوا نجاحًا بالغش والطرق المحرمة والوسائل الوضيعة، ومعلمون وأساتذة يخافون الله ويحرصون على القيام بواجبهم كاملاً غير منقوص، مخلصًا غير مدخول. ولكن لا يخفى على أحد تفاقم ظاهرة الغش في مؤسساتنا التعليمية، وخيانة الأمانة العظيمة من بعض المعلمين والأساتذة، والتي استحفظوا بها على تربية أجيال الأمة وصنع عقولهم وبناء المستقبل! إن الغش رذيلة ومعصية كبيرة، وإن الخيانة رذيلة ومعصية كبيرة، يقول الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم: “من غشنا فليس منا”، ويقول: “من غش فليس مني” رواهما مسلم وغيره. وهذا لا يقوله إلا لمن ترك ما أوجب الله عليه أو فعل ما حرمه الله عليه. ويقول الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم: “لاَ يَجْتَمِعُ الإِيمَانُ وَالْكُفْرُ فِي قَلْبِ امْرِئٍ وَلاَ يَجْتَمِعُ الصِدْقُ وَالْكَذِبُ جَمِيعًا وَلاَ تَجْتَمِعُ الْخِيَانَةُ وَالأَمَانَةُ جَمِيعًا”، ويقول: “يُطْبَعُ الْمُؤْمِنُ عَلَى الْخِلاَلِ كُلهَا إِلا الْخِيَانَةَ وَالْكَذِبَ” رواهما أحمد. ويقول: “اللهم إني أعوذ بك من الجوع فإنه بئس الضجيع، وأعوذ بك من الخيانة فإنها بئست البطانة” رواه أبو داود. فلا خفاء ولا خلاف في تحريم الغش والخيانة، بل هما من كبائر الذنوب التي لا تكفر لصاحبها إلا بالتوبة النصوح منهما. ومع ذلك ومع أن كل تلميذ وكل طالب يعرف تحريم الغش بلا امتراء، وربما يحفظ الأحاديث الشريفة الواردة في تحريمه!، إلا أن ظاهرة الغش تزداد تفاقمًا وسوءًا يوما بعد يوم، وما عاد الغش يستحى منه ولا يخجل به، وحتى إدارات المؤسسات التربوية والجامعية صارت تتساهل مع الغشاشين، لعموم البلوى واشتداد العدوى! وأي مستقبل ننتظره مع إطارات حازت الشهادات وبلغت المناصب بالغش؟!أما خيانة الأساتذة فهي أنواع شتى وصور عدة! فالأستاذ الذي لا يتقن التعليم في المؤسسة الحكومية؛ ليدفع التلاميذ إلى التسجيل في المدارس الخاصة حيث يدرسهم خائن! والأستاذ الذي يعطي التلاميذ الذين يدرسون عنده في المدرسة الخاصة امتحانًا تجريبيًا مطابقًا للامتحان الرسمي حتى يظهر انتفاعهم بدروسه الخصوصية خائن! والأستاذ الذي لا يجتهد في تقديم دروسه ولا يتقنها ولا يحرص على تعليم طلابه خائن! والأستاذ -وبخاصة الجامعيين- الذي لا يصحح امتحان الطلبة ويعطيهم نقاطًا لا تثمن جهدهم الحقيقي خائن! وهو ظالم والظلم ظلمات يوم القيامة! ولا توجد جامعة من جامعاتنا إلا ويوجد زمرة من هؤلاء الأساتذة الذين يستخفون بجهود الطلبة وطموحاتهم ومستقبلهم، والطلبة يشتكون بصوت مكظوم: أن النقاط التي حصلوا عليها لا يمكن أن تكون نتيجة تصحيح أبدًا!، ومع ذلك لا إجراءات ولا ردع ولا زجر.. هذه أمثلة فقط، وصورٌ من واقع معيش، وليست بنت الخيال، ولو أطلقت العنان للقلم لحدثكم عن الدواهي والمخازي!إن الفساد بلاء، وإن الغش بلاء، وإن الخيانة بلاء، إذا حل شيء منها في بلد أهلكه، وإذا اتصف شخص بشيء منه فلا يرتجى منه خير، وإذا تغلغل في قطاع من قطاعات الحياة هد أركانه وهدم بنيانه. ولكن إذا انتشر الفساد في المنظومة التربوية وشاع في المدارس والجامعات، وإذا راج الغش بين التلاميذ والطلبة، وإذا ظهرت الخيانة على المعلم والأستاذ؛ فقد أزِفَتِ الآزِفَة ووقعت الواقعة ليس لوقعتها كاذبة، خافضة خافضة، وليست خافضة رافعة، اللهم إلا إذا رفعت المفسدين فوق الرؤوس، وأغمت بهم منا النفوس!نعم إن فساد المدرسة والجامعة والتلميذ والطالب والمعلم والأستاذ هو فساد الحياة كلها، فساد المجتمع بكل مكوناته، وفساد الدولة بكل مستوياتها؛ لأن كل أفراد الأمة يمرون بسبيل المدرسة والجامعة، من الرئيس إلى الوزير إلى القاضي إلى الطبيب إلى الإمام إلى الإعلامي إلى الموظف إلى التاجر إلى عامل النظافة.. إلى.. إلى.. فإن كانوا غشاشين أو تعلموا على أيدي خائنين، فماذا ننتظر منهم بعد ذلك إلا أن يكونوا فاسدين مفسدين مختلسين..!لذا لا يمكن أن نتكلم عن إصلاح المجتمع من غير إصلاح حقيقي في المنظومة التربوية، ولا يمكن أن نتحدث عن إصلاح المنظومة التربوية بعيدًا عن الكلام عن قيمنا ومبادئنا وديننا وهويتنا، فالإصلاح النفسي هو أساس كل إصلاح {إِن اللهَ لَا يُغَيرُ مَا بِقَوْمٍ حَتى يُغَيرُوا مَا بِأَنْفُسِهِم}.وإصلاح الإنسان في روحه وأخلاقه وقيمه ومبادئه ودينه هو مبدأ الإصلاح ومنطلقه! أما الطالب الذي لا فرق عنده بين الحلال والحرام، ولا يهمه إلا الظفر بنقاط ولو من سحت نجس غشا! والأستاذ الذي لا يفكر في الحلال والحرام أصلاً، ولا يهمه إلا المرتب ومن بعده العطلة، ولو كان غير مستحق لفلس واحد!، فلا ننتظر منهم خيرًا، ولا نستبشر بهم أملاً! ولا ينفع الناس ولا يبني الدول ولا يرفع قدر الأمم إلا الطلاب الصالحون والأساتذة الناصحون.*إمام وأستاذ الشريعة بالمدرسة العليا للأساتذة
مقال مؤرشف
هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.
تسجيل الدخول باقة الاشتراكات