+ -

تجدد “الخبر” العهد مع وقفة أخرى اليوم، قبالة المحكمة الإدارية ببئر مراد رايس بالعاصمة، دفاعا عن حقها المشروع في البقاء حرة مستقلة غير خاضعة للضغوط، وسيقف معها كل الأحرار الذين تبنوا قضيتها وجعلوا منها رمزا للنضال من أجل حرية التعبير، وهم أكثر حماسا هذه المرة، بعد “التكالب” السياسي الأخير على الجريدة وأهلها. وقفة اليوم ستكون الثالثة، بعد وقفتين سابقتين، تزامنت كلها مع جلسات المحكمة الإدارية ببئر مراد رايس حول قضية “الخبر” مع وزارة الاتصال، وجمعت عددا غفيرا من الصحفيين والسياسيين والحقوقيين والقراء والمواطنين، صنعوا كلهم باتحادهم حول القضية، مشهدا نادرا من مشاهد الدفاع عن حرية التعبير في مرحلة ما بعد التعددية السياسية والإعلامية بالجزائر. وعلى هذا الأساس، ينتظر أن لا تشذ وقفة اليوم عن القاعدة، في استقطاب عدد كبير من المتعاطفين مع الجريدة، خاصة في ظل الزخم المتنامي الذي أخذته القضية، بعد أن جرى إقحامها عنوة في صراعات سياسية لا تعنيها.وقد أخذت قضية “الخبر”، منذ ظهورها قبل بداية الشهر الجاري، أبعادا إعلامية وسياسية كبيرة، جعلتها الأكثر تفاعلا في الجزائر، حيث يتم تداول جديد القضية يوميا على المواقع والجرائد والقنوات، ووجدت “الخبر” نفسها، رغما عنها، مركز اهتمام وطني في الجزائر وحتى في الخارج، بعد أن كانت تصنع الحدث عبر الأخبار والتحليلات التي تقدمها على صفحاتها. وبلغ التفاعل أوجه في مواقع التواصل الاجتماعي مع قضية “الخبر”، من خلال المنشورات والصور والتعليقات التي تتهاطل مع كل جديد يطرأ في القضية، كما ارتفعت وتيرة الزيارات التي يقوم بها مواطنون وسياسيون وجمعويون إلى مقر الجريدة، بشكل لافت خلال الفترة الأخيرة، حتى أصبحت قاعة الاستقبال غير قادرة على استيعاب الكم الكبير من الزوار، ناهيك عن هاتف الجريدة الذي لا يكف عن الرنين.هذا التعاطف الهائل مع “الخبر” خلال أيام معدودات فقط، أثبت بشكل واضح المكانة التي تحظى بها الجريدة لدى الجزائريين، وجعل منها “بارومتر” حقيقيا لقياس حالة الوعي بالتحديات التي تواجه البلاد على كل المستويات، وهو ما ينافي النظرة النمطية التي ارتسمت على الجزائريين، باعتبارهم شعبا استقال من الشأن العام وأصبح غارقا في مشكلات الحياة، ويعيد الأمل مرة أخرى في استفاقتهم للعودة بقوة إلى التأثير في مجريات الأحداث بالبلاد.مكانة “الخبر” ظهرت أيضا من خلال محاولة إقحامها عنوة في صراع سياسي لا علاقة لها به، وذلك بعد أن تدخل أمين عام الأفالان، عمار سعداني، وأعطى لصفقة تحويل أسهم مجمع “الخبر” بعدا سياسيا أراد به الانحراف بالقضية عن طبيعتها وتوظيفها لخدمة الأطروحة التي يريد إقناع الجزائريين بها، فما كان من هذا السياسي البارع في “شيطنة” خصومه إلا أن اخترع سيناريو لا يوجد إلا في ذهنه، بالقول إن تحويل أسهم مجمع “الخبر” إلى شركة ناس برود، يقف وراءه قائد المخابرات السابق، الجنرال توفيق، محاولا بشكل عبثي تصنيف “الخبر” ضمن جناح في السلطة يحاول العودة إلى الواجهة، غير أن “إخراجه” كان سيئا للغاية، لأن “الخبر” كما يردد مسؤولوها كانت أول ضحايا الدياراس، بحرمانها مدة 20 سنة من الإشهار الذي كان يشرف على توزيعه هذا الجهاز، فكيف لها التحالف معه اليوم !كما أدت قضية “الخبر” إلى تفاعلات هامة على صعيد الحكومة التي أعلن وزيرها الأول، عبد المالك سلال، أمس الأول، في خطاب “حرب” موجه للصحفيين، عزمه على القضاء على ما يعتبره فوضى تسود قطاع الإعلام السمعي البصري تحديدا، متناسيا أن وزيره للاتصال حميد ڤرين هو المتسبب الأول في هذه الوضعية التي دفعت بقنوات جزائرية إلى طلب اللجوء في الخارج، لضمان حقها الطبيعي في النشاط وممارسة الإعلام في بلادها. وجاء خطاب سلال مليئا بالإشارات التي تثبت عزم الحكومة على محاربة “خطاب الكراهية” والقذف والشتم والابتزاز وكافة المظاهر التي تتقاطع مع أخلاقيات المهنة، وهو واقع يعترف به جل المنتسبين إلى القطاع، غير أن أخطر ما في المسألة أن القنوات المعنية بالتطهير حقا، هي التي يتم تشجيعها من السلطة وإظهارها كمثال للعمل الصحفي الأخلاقي !قضية “الخبر” قد يفصل فيها القضاء اليوم، وقد تؤجل إلى تاريخ لاحق، لكن الأكيد أنها حركت المياه الراكدة سياسيا وإعلاميا، وأعادت للصحافة مكانتها المستحقة في الجزائر شعبيا، في انتظار أن يصلح الواقع عمليا باستكمال النضال الذي يعيد تسيير المهنة إلى أهلها ويقطع بينها وبين عهد الوصاية.

مقال مؤرشف


هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.

تسجيل الدخول باقة الاشتراكات