+ -

يضرب صحفيو وعمال “الخبر”، والمتضامنون معهم، من القراء والنخب والطبقة السياسية والحزبية، موعدا جديدا لوقفة جديدة أمام المحكمة الإدارية ببئر مراد رايس بالجزائر العاصمة، غدا الأربعاء، وسط تعدٍ صارخ على أخلاقيات المهنة من جانب سياسيين وإعلاميين محسوبين على وزارة الاتصال التي كانت السبّاقة لتسييس قضية تجارية بحتة. لأن التاريخ سيكتب أسماء الذين وقفوا ويقفون وسيقفون في أي وقت وتحت أي ظرف، دفاعا عن الحق في الكلام والتعبير عن الرأي الآخر، وطلبا لإحقاق الحق، فإن من المنتظر أن تشهد وقفة غد مزيدا من الحضور والزخم التضامني من مختلف مناطق الوطن، مثلما دلت على ذلك التوقيعات، التي تنشرها “الخبر” يوميا، وسيل الرسائل البريدية والإلكترونية المتهاطلة على الجريدة ومكاتبها الجهوية، دعما للكلمة الحرة. وكانت قضية “الخبر” بمثابة ورقة التوت التي سقطت معرية “العورات” الباحثة عن مخرج من حفرة حفرها وزير الاتصال لنفسه ولمن يقف خلفه، وحسب محمد حديبي، القيادي في حركة النهضة، فإن السلطة “أماطت اللثام عن وجهها المخفي لتؤكد للرأي العام أنها تخاف من الحريات والديمقراطية التي افتكها الشعب في انتفاضة 5 أكتوبر 1988”.ودعا حديبي، في تصريح لـ”الخبر”، “القوى الحية المؤمنة بالحريات إلى توحيد الصفوف، لأن الجزائر تقف في منعرج خطير بعد فشل السلطة في إدارة الشأن العام وتعيد الجزائر إلى المربع الصفر، أي إلى زمن الحزب الواحد وسبعينيات القرن الماضي”.وفي السياق ذاته، شدد محدثنا على الدعوة إلى الالتفاف حول الخيار الوطني وترسيخ الحريات وجعلهما من أولويات العمل السياسي، مرجعا ما تشهده الساحة من انسداد سياسي واحتقان اجتماعي وتضييق على الحريات، إلى أن “السلطة تريد المرور إلى مرحلة انتقالية عن طريق مصادرة الحريات، والصراع الذي اختلقته السلطة عن طريق وزارة الاتصال مع “الخبر”، إلا دليل قوي على هذا التوجه، وأخشى ما نخشاه استمرار تعفين الوضع الداخلي خدمة لأجندات خارجية لن تكون في مصلحة الجزائر”.بدوره، المتحدث باسم “جيل جديد”، يونس صابر شريف، وصف تصريحات سلال، أمس، حول مسألة غلق 55 قناة بـ”التطور الخطير جدا ومساس غير مقبول بحرية التعبير”. وقال “هذه القنوات، وإن كانت غير معتمدة في الجزائر، فهي تقنيا خارج نطاق الترسانة القانونية الجزائرية، وكان بالأحرى لهذه السلطة أن تؤسس لانفتاح إعلامي حقيقي بدل التحرش بهذه التجارب الإعلامية الناشئة، ووأد المجال السمعي البصري في المهد”.وأضاف أن جيل جديد “يعتبر القضية سياسية، حيث إن السلطة تريد بكل الوسائل خنق الحريات وحجب الحقيقة عن الجزائريين، فأصبحت لا تعبأ بشيء اسمه ديمقراطية أو حرية تعبير، بل همها الوحيد تكريس استمرارية الرداءة ومنطق الفساد”.قضية “الخبر” دليل على أن “السلطة ماضية في جنونها، ورأينا كيف أن أحزاب الموالاة أصبحت تستعمل العنف اللفظي وتخوّن كل رأي معارض”. برأي جيل جديد، لرئيسه سفيان جيلالي، فإن “ارتباك النظام مرده للفوضى العارمة التي يعيش فيها وتخوفه من الانتقال الديمقراطي الذي لا مناص منه”.وينسحب هذا الرأي على جبهة العدالة والتنمية لرئيسها عبد الله جاب الله، حيث يؤكد نائبها لخضر بن خلاف، رئيس المجموعة البرلمانية للجبهة في المجلس الشعبي الوطني، أن قضية “الخبر” مع وزارة الاتصال، امتدت شظاياها إلى مكونات المشهد السمعي البصري، ما يطرح السؤال عن سر غض السلطة الطرف عن القنوات غير المعتمدة وتركها تعمل بحرية طيلة الفترة الماضية؟ قبل أن تعلن غلقها بداعي أن هناك دفتر شروط يجب عليها التطابق معه.وبرأي بن خلاف، فإنه كان من الأولى للحكومة وضع المراسيم التطبيقية المنظمة للقطاعين السمعي البصري والصحافة المكتوبة بتنصيب سلطة الضبط. وبرأيه أيضا، فإنه لا يستبعد أن يكون الأمر مرتبطا بالمواعيد السياسية القادمة وبتطهير الإعلام مما يؤرق السلطة في المستقبل، وعلى الخصوص الرئاسيات القادمة.وردا على سؤال بشأن تطورات قضية “الخبر” مع وزارة الاتصال، أكد النائب بن خلاف أنه “كان من الأجدر بالسلطة مطابقة قراراتها مع القوانين، وليس توظيف القوانين والعدالة لصالحها ضد غيرها ومن يخالفها في المواقف والآراء”.بدوره، قال جلول جودي، القيادي في حزب العمال، إن قضية “الخبر” مع وزارة الاتصال، “أكدت الحاجة إلى تنظيم القطاع، بغية أن يؤدي دوره في التنوير وتكريس الديمقراطية في البلد”. وأوضح أن حزبه مع تنظيم قطاع الإعلام بشقيه السمعي البصري والصحافة المكتوبة، لكن من دون سياسة الكيل بمكيالين واستهداف أي جهة أو اعتماد التمييز بين وسائل الإعلام. وأضاف جودي لـ”الخبر”: “لن نقبل الكيل بمكيالين والتمييز بين الإعلام، يجب تطبيق القانون على الجميع، وعلى الجميع الامتثال للقانون ودفتر الأعباء الخاصة بالسمعي البصري، بالابتعاد عن الشتم والسب والتآمر والابتزاز”. وفي نفس السياق، يرى حزب العمال أن إعادة الاعتبار لقطاع الإعلام لن يتأتى من دون تنصيب هيئات الضبط في السمعي البصري وفي الصحافة المكتوبة.من جانبها، حركة مجتمع السلم، “حمس”، لا تخفي قلقها من التطورات الحاصلة في الساحة الإعلامية، مصنفة ما يجري في خانة “المأساة”. وفي هذا السياق، قال النائب والقيادي في “حمس”، ناصر حمدادوش، في تصريح لـ”الخبر”، إن الجزائريين “يعيشون مأساة حقيقية في بلدهم، نتيجة الاعتداء على الحريات وحقوق الإنسان، وعلى رأسها حرية التعبير والحق في الإعلام”. وأضاف حمدادوش أن “السلطة هي عدوة الديمقراطية والتعددية الحقيقية ومنها التعددية الإعلامية”.ولا يستبعد ذات المسؤول الحزبي، أن يؤدي ما تسميه السلطة “تطهيرا إعلاميا”، على حساب الهوية السياسية والإيديولوجية، و”هو ما سيزيد في حالة الاحتقان الذي ينذر بالانفجار، وفي هذه الحالة فإن السلطة هي التي تتحمّل مسؤولية المساس بالمكتسبات، التي هي ثمرة نضالات سنوات مريرة”.وفي نفس الإطار، يعتقد وزير الاتصال والثقافة السابق، عبد العزيز رحابي، أن الإشكال الأساسي في الظرف الحالي، بغض النظر عن المحيط السياسي ونهاية عهد وبداية عهد جديد، الإشكال يبقى إقحام الإعلام كسلطة حقيقية مع السلطات التقليدية في الجزائر. وبرأي رحابي، هذا هو الشيء الذي يخيف السلطة التي ليست مستعدة للقبول بوجود سلطة مضادة تنشر فضائحها وتفتح الباب والفضاءات للضعفاء للتعبير.    

مقال مؤرشف


هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.

تسجيل الدخول باقة الاشتراكات
كلمات دلالية: