يعمل وزير الاتصال، حميد ڤرين، مثل باقي الوزراء، نظريا، تحت إشراف الوزير الأول، في إطار السياسة العامة للحكومة ومخطط عملها المصادق عليه طبقا للدستور، فهو يمارس صلاحياته على نشاطاته المرتبطة بشكل أساسي بـ”تطوير ودعم الديمقراطية وحرية التعبير وكذا تطوير الاتصال المؤسساتي”، لكن معاينة أدائه منذ تعيينه في 2013، تظهر خرقا لمرسوم المهام والصلاحيات.بالتدقيق في محتوى المرسوم المحدد لمهام وزير الاتصال، نقرأ ما لا يمكن لأحد إنكاره، فهو مطالب بالدرجة الأولى بـ”ترقية الديمقراطية وحرية التعبير ودعمهما”، شيء لا نجد له أي أثر في أنشطة الوزارة. كما نقرأ في الجريدة الرسمية للجمهورية الجزائرية أن على رأس مهام الوزير المساهمة في “تحسيس الهيئات والمواطنين باحترام الحريات الأساسية وحريتي الصحافة والتعبير، والعمل على ترقية نشر إعلام تعددي ومسؤول وموضوعي”، وهذا ما لم نلمسه من الوزير على مدى السنوات الثلاث الماضية، وكل ما صدر منه يندرج في نطاق التهديد والوعيد وإلزامية “الدخول في الصف”.مضمون المرسوم، الذي يحمل رقم 11 - 216، ظل محترما منذ صدوره في 2011 وظل محل احترام من كل الوزراء الذين تعاقبوا على المنصب، يحدد المهام التي تجنب الإساءة لمؤسسات الدولة وصورة رموزها، في حين لا يمر يوم من دون أن يسجل الصحفيون وأصحاب المهنة مضايقات، تارة بتعليق الإشهار العمومي عن جرائد، وتارة أخرى بدفع عناوين صحفية إلى الغلق وتشريد عمالها، مثلما حصل مع “الأحداث” و”اليوم”.وبالتمعن في قراءة ما بين سطور هذا المرسوم، والذي تضاف إليه مئات المراسيم الرئاسية والتنفيذية، التي تداس بالأقدام كل يوم من طرف مسؤولين يفتقدون لثقافة الدولة، نجد أن “من أولويات وزير هذا القطاع الحساس هو العمل على ترقية نشر تعددي ومسؤول وموضوعي، وذلك بتطوير ثقافة صحفية مؤسسة على آداب وأخلاقيات المهنة”، التي لا نرى أي أثر لها على الأرض، فلا مجلس لأخلاقيات المهنة ولا سلطة ضبط للسمعي والبصري كما للصحافة المكتوبة، إذ كان حري به العمل على استحداثهما تماشيا مع القانون العضوي المتعلق بالإعلام، بدل مركزة صلاحياتهما في يده، وهو ما يضعف هيئة الدولة ويصورها في صورة خارق للقوانين.إن تجاوز الوزير ڤرين مهامه لا يتوقف عند هذا الحد، حيث أن من واجباته ضبط نشاطات الاتصال بما فيها تلك المتعلقة بوسائل الإعلام الإلكترونية التي تشمل الصحف والإذاعات والتلفزة عبر الأنترنت، وذلك بالتنسيق مع هيئات الضبط الغائبة.وخلافا لما قد يثير الجدل، فإن ذات المرسوم، الذي يحمل توقيع أحمد أويحيى أثناء توليه الوزارة الأولى، لم يهمل العلاقة بين مهام الوزير وهيئات الضبط، إذ ينص “على العمل على تفادي تمركز العناوين وأجهزة الصحافة من التأثير المالي والسياسي أو الإيديولوجي باقتراح النصوص التشريعية والتنظيمية الملائمة”، الأمر الذي دفع بوزير الاتصال إلى استعجال الحكومة بتعديل قانون الإعلام لإسقاط المادة المتعلقة بسلطة الضبط للصحافة المكتوبة، لتبرير “استحواذه” على مهامها دون وجه حق.وأمام هذه الوضعية المزرية التي يعاني منها القطاع، فإن محاولة الوزير ڤرين تبرير استحواذه على صلاحيات غيره، يؤشر على وجود نوايا غير بريئة تنم عن أيام أكثر سوادا على الصحافة وينذرها بمزيد من التضييق، بدل ترقيتها ودعمها مثلما يؤكد على ذلك هذا النص، الذي يعد تجاوزه انتهاكا صارخا لقوانين الدولة التي تقاس قوتها باحترام ما تسنه من قوانين أولا، وبالسهر على تنفيذها من طرف أعوانها على الوجه الأكمل ثانيا، وباحترامها من طرف جميع المعنيين بها ثالثا.والأخطر في كل هذا، فإن مرسوم أويحيى، الذي جاء في عشر مواد، لا يخول إطلاقا الوزير إقحام الوزارة ومن ورائها الحكومة في أروقة العدالة، لأن الحكومة وطاقمها الوزاري وجدت لتعمل من أجل إيجاد الحلول وتحسين أداء قطاع الاتصال، وهو ما يطرح العديد من التساؤلات حول موقف الوزير الأول، عبد المالك سلال - وقبله رئيس الجمهورية - من هذه الخطوة القضائية، وعما إن كان على دراية بهذا المسعى المعاكس لمضمون رسالة رئيس الجمهورية بمناسبة اليوم العالمي لحرية الصحافة !وما يزيد من ضبابية موقف سلال، الذي بحكم مهامه، يستشار ويستأذن - من طرف وزرائه - وإليه يرجع الرأي الأخير في مثل هذه القضايا، لاسيما وأن وزيرة الثقافة السابقة، نادية لعبيدي، دفعت ثمن دعواها القضائية ضد زعيمة حزب العمال لويزة حنون، التي اتهمتها بالوقوع في تضارب مصالح بمنحها صفقات في تظاهرة قسنطينة عاصمة الثقافة العربية 2015، لشركات مملوكة لأقاربها ومقربين منها، حيث يقول مقربون من سلال إن لعبيدي تجاوزته ورفعت الدعوى ضد حنون دون إبلاغه أو استئذانه، وهو ما دفع به إلى التخلي عن خدماتها !
مقال مؤرشف
هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.
تسجيل الدخول باقة الاشتراكات