حضرت منذ 45 سنة المؤتمر الثامن للحزب الدستوري التونسي الذي انعقد في المنستير.. كان وقتها يجري صراع صامت بين جناحي البورڤيبية المتأرجحة بين الاشتراكية العلمية، والاشتراكية الدستورية المؤسلمة والمرسملة.. كان بورڤيبة يمثل التيار الثاني، وأحمد المستيري يمثل التيار الأول.. والتاريخ قد يعيد نفسه اليوم مع النهضة.أحمد المستيري الذي هوالأب الروحي للباجي قايد السبسي بعد بورڤيبة، لاشك أنه اليوم سعيد وهويرى أول رئيس عربي يحضر مؤتمرا إسلاميا. كانت صورة رائعة فعلا حين وقف رئيس تونس الباجي بين مورو والغنوشي.. وهو يردد: قلت للغرب إسلام النهضة لا يشكّل خطرا على تونس وعلى الديمقراطية. كان مورو يرتدي لباس تونس الأصيلة، وكان الغنوشي يرتدي لباس تونس الحديثة.. بذلة زرقاء تتماشى مع أحدث الموضة الرجالية في عاصمة الضباب! التاريخ يعيد نفسه، الغنوشي هو بورڤيبة.. ومورو هو المستيري في مؤتمر النهضة اليوم.في تونس اليوم وعلى يد الغنوشي، يولد إسلام جديد لم يألفه العالم العربي، إسلام مخاتير أوأربكان.. وليس إسلام بن لادن والدواعش.. أوإسلام السيد قطب والسعودية. النهضة في مؤتمرها العاشر تعيش لحظة تحوّلها من حزب مشيخة إسلامية، إلى حزب سياسي علماني ممختر أومؤردغ لا يهم.. لكن المهم أن ما تقوله النهضة اليوم للتوانسة لا يختلف في شيء عما يقوله أرسيدي تونس وأرسيدي الجزائر عندما يتعلّق الأمر بأمور الحياة.النهضة في تونس هي التي تدعوإلى تحييد المسجد، وليس الأرسيدي.. والنهضة هي التي ترفع شعار لا حصانة لمفسد من القانون، وهي التي تدعوإلى عدم توريث الأحقاد السياسية.. وهي التي تقول: المواطن ملّ من الصراعات السياسية في الإعلام، وهي التي تدعومناضليها إلى ضبط ساعاتهم على اهتمامات الشعب.. وليس على مواعيد الصلاة فقط!وهي التي تقول للتوانسة: الدولة العصرية لا تدار بالشعارات والتفقه في مبطلات الوضوء.. بل تدار بالبرامج والخطط التنموية. النهضة حزب مقاول وليس حزب قول.. والنقد الذاتي للحزب هوشرط الحداثة والعصرنة السياسية.لاشك أن المراجعات الجريئة والحديثة التي تقوم بها النهضة في تونس، سترعب المتحجرين في الجزائر وسيعتبر أشباه الإسلاميين في الجزائر أن ما يقوم به الغنوشي في تونس خيانة للمشروع الإسلامي، وسيفعل الإسلاميون بالغنوشي ما فعل القوميون العرب ببورڤيبة قبل نصف قرن!الغنوشي الذي وصل به اليأس وهو في منفاه في لندن إلى حد التفكير في شراء قطعة أرض ليقبر فيها بعد ما يموت؛ لأنه يئس من حلم العودة إلى بلاده.. هذا الغنوشي اليوم لا يريد لأي تونسي أن يهرب من بلده بسبب الفقر أو الظلم أو الاستبداد، حتى ولو كان هذا بن علي الهارب!نعم.. النهضة خسرت الكثير شعبيا منذ أن احتكت بالحكم، لكنها كانت أقل الذين خسروا قياسا بما خسره غيرها.. ولهذا لابد من البحث عن أسلوب جديد ينهي ظاهرة العزوف الشعبي والشباني عن السياسة، وأول إصلاح في هذا المجال هو القطيعة مع أسلوب المشيخة في إدارة الحزب العصري.إنه المؤتمر العاشر للنهضة، ولكنه التأسيسي الأول لحزب إسلامي جديد في العالم العربي.. ليس ككل الأحزاب الإسلامية التي كنا نعرفها، وأدت بطريقة أو بأخرى إلى إغراق العالم العربي في الدماء والدموع.
مقال مؤرشف
هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.
تسجيل الدخول باقة الاشتراكات