في رحلة من باريس إلى الجزائر.نسير بخطوات ثابتة نحو المجهول. فمؤسسات الدولة تتحاور بصراع مكشوف، يحمل الكثير من صور الاستفزاز المتبادل. وكأن معارك سعداني لاحتواء طموح أويحيى صارت من الزمن البعيد، أو لا حدث، مقارنة مع ما يحدث الآن. مع أنه هو واحد من صور التحضير لما بعد حكم الرئيس بوتفليقة.والنزاع حول الحكم وصل اليوم إلى درجة من الخطورة، لا نستبعد فيها توقع المر.فلماذا إعادة صياغة سؤال “من يقتل من؟” بلهجة جزائرية، وعلى قناة تلفزيونية؟ لماذا توجيه تهمة الإرهاب لمؤسسة أمنية، والادعاء بتوقف الإرهاب بمجرد تغيير اسم مصلحة أمنية؟ فهل معنىذلك أن بيانات وزارة الدفاع عن الاشتباكات والقضاء على إرهابيين، وهدم كازمات واسترجاع أسلحة منها ما هو خطير بشكل يفزع، هو مجرد أكاذيب ؟إننا أمام حالة جزائرية خاصة واستثنائية، خاصة لأن القضاء مغيب عن دوره ليحكم بالنص القانوني، بعيدا عن الضغوط. واستثنائية، لأن وسائل المواجهة تستخدم الصوت والصورة. والذي يتحكم في الصورة والصوت، سيتحكم في المشهد السياسي. وهو ما يفسر جزئيا انفجار السلطة ضد دخول رجل الأعمال إسعد رباب في مجمع “الخبر”. أقول جزئيا، لأنها، أي السلطة، أو جزءا منها، ليست لها مشكلة مع المال، فـ”علي حداد” رئيس “نقابة” الباترونا، يتحكم في أكثر من وسيلة إعلامية، والقانون الحالي لا يمنعه. ولكن مشكلة السلطة هي مع من؟ أي “هل هو معي وتحت سيطرتي وتوجيهي أم لا”.فقضية “الخبر” يتم استغلالها لجلب الانتباه، فالتمكين من تمرير ورقة طريق خلافة الرئيس. واختيار توقيت “من يقتل من؟” بالصيغة الجديدة يراد له تهييج أطراف السلطة الفعلية والسياسية، فيما بينهم وضد بعضهم. أما رجال المال، فهم تحت الخدمة.ومن التطورات الأخيرة، يمكن الوقوف على تفسير لانتقال لهجة الوزير ڤرين في قضية “الخبر” من مستوى مجرد رغبة في “التأكد ما إذا كانت العملية التجارية قانونية” إلى الحكم عليها بعد أيام قليلة “هي غير قانونية مائة بالمائة”، ليضيف بما يوحي إلى رفضه تطبيق ما جاء به القانون العضوي من ترتيبات. فما جدوى وعود الرئيس إذا رفضها وزراؤه؟!فرضية أن الرئيس غير مطلع على كل ما يجري داخل الوطن، هي القريبة لتفسير التهييج المبرمج. وهنا أيضا، إبعاد التلفزيون الرسمي عن الحملة الشرسة، ربما تفسيره هو “حتى لا يطلع الرئيس على ما يجري حوله”. وهو يعزز مخاوف رسالة مجموعة الـ19. فالرئيس يستقبل من يحدثه عن العالم وليس عن داره.وبشكل عملي، يستخدم أحد أطراف الحكم حملته بـ”من يقتل من؟” ليستخدمها كورقة للدعاية تمكنه فيما بعد من تنظيم انتخابات رئاسية على المقاس. وقد يستدعى إليها شكيب خليل ليكون رئيسا، ولن يسأله أحد عن القانون أو عن العدالة. فالقوة تبرر الوسيلة.كنت كتبت عن ضرورة إنشاء لجنة برلمانية للتحقيق في مال الإشهار العمومي والخاص. أصدقاء أكاديميون وإعلاميون سألوني عن أهمية لجنة سيتم قبر تقريرها. جوابي، أن التحقيق في مال الإشهار، وتوسيع التحقيق في المساعدات التي قدمت لوسائل الإعلام ضرورة وطنية، وواجب البرلمانيين قبل انتهاء عهدتهم حتى يرفعوا الحقيقة. وستكون الصورة كاملة بحقائقها، عند نشرهم ما قدمته كل وسيلة إعلامية للضرائب وللمطابع (هنا أيضا الملايير). الوزير ڤرين لا يقدر على تحضير هذا الجدول لمشاغله الكثيرة. لكن لجنة برلمانية يمكنها التفرغ لذلك خدمة للحقيقة، وللإعلام وللمواطن، وخدمة للوطن. فهل هناك أربعون نائبا مستعدون لتقديم مشروع إنشاء لجنة لتقصي حقيقة الموضوع؟[email protected]
مقال مؤرشف
هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.
تسجيل الدخول باقة الاشتراكات