"السلطة منشغلة ببناء الفنادق وليس بترسيخ الحريات"

+ -

 انتقد وزير الاتصال والثقافة سابقا، عبد العزيز رحابي، طريقة تعامل السلطة مع قضية صفقة “الخبر - سيفيتال”، موضحا في مقابلة مع “الخبر” أن السلطة ترفض تطبيق القوانين ونصبت نفسها قاضيا وطرفا في النزاع في نفس الوقت. ويرى رحابي أن إحالة هذه القضية على العدالة تؤكد وجود توظيف لهذه الأخيرة.لماذا تخاف السلطة من تحويل جزء من أسهم جريدة “الخبر” إلى طرف آخر؟ أعتقد أن الإشكال أو المعادلة الأساسية في الظرف الحالي، بغض النظر عن المحيط السياسي ونهاية عهد وبداية عهد جديد، الإشكال يبقى إقحام الإعلام كسلطة حقيقية مع السلطات التقليدية في الجزائر. هذا هو الشيء الذي يخيف السلطة السياسية المنبثقة عن الشرعية الثورية وليست مستعدة للقبول بوجود سلطة مضادة تحد من طغيانها وتنشر الفضائح وتفتح الباب والفضاءات للضعفاء. الجانب الثاني يتمثل في قطاع السمعي البصري، حيث أن تخوف السلطة من منافسة القنوات التلفزيونية الخاصة لسببين أساسيين، الأول هو أن الإعلام العمومي وبخاصة مؤسسة التلفزيون الوطنية، مع أنه يضم كفاءات، يفتقد إلى الإمكانيات لكي ينافس الإعلام الجديد في البلاد، والدليل على ذلك، أن مؤسسة التلفزيون الجزائري ما تزال تعمل باستوديوهات تعود إلى العهد الاستعماري، في الوقت الذي تنشغل الدولة بإنجاز فنادق فئة خمس نجوم. هذا دليل قاطع على انعدام أي إرادة سياسية لجعل الإعلام العمومي إعلاما فعالا وقاطرة للإعلام السمعي البصري الخاص، كما هو الشأن في الدول المتقدمة مثل ألمانيا وإسبانيا وبريطانيا وحتى فرنسا. هل ينطبق هذا على التلفزيون العمومي؟ ضعف التلفزيون الجزائري ليس بسبب رجاله ونسائه، وإنما يكمن في الإرادة السياسية التي أعطته مهمة القيام بعمل أداة للدعاية للسلطة. فهذا الذي جعله يفتقد للمصداقية، وجعل الجزائريين يفرون إلى القنوات الخاصة والأجنبية، مع أنه كان من المفروض أن يصبح هو القاطرة في مشهد السمعي البصري. يؤسفني أن بلدنا الجزائر هي البلد الوحيد في العالم العربي الذي لا قنوات موضوعاتية لديه، لا في المجال الرياضي ولا في العلوم ولا في التعليم والتربية، وبالتالي تكون مساهمته ضئيلة في تكوين المواطن الجزائري الذي يفر إلى القنوات الخاصة والأجنبية، وهذا يساهم في إضعاف الشعور بالانتماء للوطن والأمة، أضف إلى ذلك التسييس المفرط للإعلام العمومي والخاص الذي يقتصر على الأخبار والرياضة بسبب استغراقه في المنطق التجاري. وماذا عن القنوات الخاصة؟ نقطة ضعفها هي أنها لا تستطيع أن تستجيب لتطلعات واحتياجات المجتمع، لأنها ليست من مهمتها ما دام أنها ليست ممولة بالمال العام. الإعلام العمومي ضعيف هو الآخر؟ في زمن الرئيس زروال، رفع الاحتكار عن الإشهار وفتح الباب أمام اعتماد 34 جريدة، ودخلت الصحافة الأجنبية مجددا إلى السوق الجزائري، وصودق على قانون الإشهار، فضلا عن مشروع قانون سبر الآراء، لكن، لم تكن هناك إرادة سياسية للسير بعيدا في هذا المنوال بعد زروال، فالمشكلة ليست في الشخصيات وإنما في الإرادة السياسية. أتذكر أن زروال قال لي: لا أريد في الإعلام أن يمجدني بقدر ما يمجد قوة وعظمة الجزائر والجزائريين. إنها إشارة كافية وخريطة طريق من أجل تحقيق الانفتاح في قطاع الإعلام، وهو ما عملت لتجسيده في الميدان، وتسبب في خروجي من الحكومة بعد أشهر من ذلك. ما الذي يبرر للسلطة ضغوطها الممارسة على الصحافة؟ من دون شك، لأنه تم توظيف وكالة “لاناب” (وكالة النشر والإشهار) والمطابع العمومية كآليات مفضلة لممارسة الضغوط على الخط الافتتاحي للجرائد. وأتحدى أي جهة في الجزائر أن تنشر قائمة آلاف المليارات سنويا، وعوض أن يكون الإشهار داعما وراعيا لحرية الإعلام والديمقراطية، فقد أصبح وسيلة ثراء للأشخاص الذين يستفيدون منه بقرار من السلطة دون خدمة، لأن رواجها وانتشارها في السوق ضعيف والأكثر من ذلك هي فاقدة للمصداقية.من وظف قضية تجارية بحتة، سياسيا ؟ الإعلام في طبيعته سياسي، ولكن العمل الإعلامي تؤطره قوانين تخص الصحفي وتنظم الإشهار وسبر الآراء وقانون الإعلام. وبخصوص الصفقات التجارية، فإنها تخضع للقوانين ذات الصلة. أما في حالة “الخبر”، هناك توظيف سياسي ليس في الدعوى فقط، بل كذلك إخضاع العدالة لسلطة السياسي في ظروف خاصة، عندما نرى الامتياز الذي منح لشكيب خليل المتابع قضائيا، أو قضايا فساد مجمدة في المحاكم. في رأيي، الإرادة السياسية أو السلطة السياسية لا تقبل الشفافية، لأنها تفضح سوء تسيير الدولة، وتجعل المواطن على دراية بأمور أسقط الإعلام عنها طابع السرية. هل أخطأ مساهمو “الخبر” لما تنازلوا عن أسهم لربراب؟ طبيعة ملكية “الخبر” تعاونية، وهذه لا تؤهل “الخبر” للاستمرار طويلا بنفس التركيبة التساهمية. بعبارة أخرى، ليس بمقدور ملاك “الخبر” الدوام أكثر مما داموا. ثانيا، “الخبر” ولدت في ظروف خاصة وكانت شبه مغامرة سياسية، ساهمت بقدر معتبر في صمود الجزائر ضد التطرف والعنف المسلح وتعسف السلطة، فمن حق مالكيها فتح رأسمالها، مثلما هو معمول به في العالم بأسره. في تقديري الشخصي، بغض النظر عن مشتري الجريدة ومن حيث المبدأ، كل إنسان من حقه بيع ملكيته القانونية وأن يتصرف فيها كما يشاء. من جهة ثانية، إثارة هذه القضية الآن تدخل في سياق إلهاء الرأي العام، تارة بتغريدة الوزير الأول الفرنسي مانويل فالس، وتارة أخرى بعودة شكيب خليل. إنها قضايا مفتعلة للتغطية على ما يدور في هرم السلطة بسبب شبه شغور منصب رئيس الجمهورية. نأتي للعدالة، هل تم توظيفها هي الأخرى؟ عندما ترفع السلطة السياسية الدعوى فهذا كاف لوحده لتأكيد توظيف العدالة في هذه القضية، لأن مهمة السلطة السياسية ليست القمع بل تشجيع منابر وفضاءات الحريات في البلاد، التي افتكت الاستقلال دون أن تضمن الحريات الفردية والجماعية، لأنه عندما يفتقد البلد للقوانين أو لا يطبقها، فإن السلطة السياسية تفرض نفسها كقاض وطرف في النزاع في نفس الوقت. طبيعة نظام الحكم عندنا أنه لا يواكب حركية التغيير في العالم، بقدر ما يخضع للضغوطات الداخلية والأجنبية. فلولا ما سمي بالربيع العربي والنفوذ المتنامي لقناة “المغاربية” في 2012، لما سمحت السلطة بظهور قنوات خاصة أغلبيتها تخضع للقانون الأجنبي وتبث من الخارج. لماذا تسمح السلطة بذلك؟السلطة تترك هذه القنوات بسبب الضغط الدولي، خاصة أن تعددية السمعي البصري موجودة في بلدان مثل تشاد والنيجر وموريتانيا ! ثانيا، للسلطة نية في أن تساهم هذه القنوات، كما قلت سلفا، في مواجهة المخاض الذي عرفه العالم العربي قبل سنوات. بالموازاة، استطاعت هذه القنوات بكفاءاتها ورواجها فرض نفسها في مشهد السمعي البصري. أكيد أن عيون العالم موجهة إلى ما يجري في الجزائر لغايات عدة، هل لقضية “الخبر” نصيب من هذا الاهتمام؟ بكل تأكيد، ما يحدث لا يؤثر فقط على صورة بلدنا لأن العالم بأسره ارتقى إلى درجة أن يقدس حرية الرأي ويعتبرها أساسية في إدارة شؤون الدولة والشعب، إلى جانب الاهتمام بمكانة المرأة والطفل.

مقال مؤرشف


هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.

تسجيل الدخول باقة الاشتراكات
كلمات دلالية: