"السينما في العالم العربي لا تعكس آراء المجتمع ككل"

+ -

عرف المخرج التونسي، لطفي عاشور، كيف يمنح العالم العربي بريق الأمل ويرسم ابتسامة جميلة على وجه كل عربي، رغم الألم والتعب الذي خلّفته مشاكل الدول العربية وصراعاتهم وانقساماتهم، إلا أن المخرج التونسي الذي دخل المسابقة الرسمية بفيلمه القصير “علوش”، لا يخف قلقه من واقع حرية التعبير في العالم العربي، يمنح المخرج الخجول والمتواضع، محاوره مساحة كبيرة للتحاور، يجيب عن كل سؤال بعمق، لا يؤكد المخرج التونسي وممثل العرب الوحيد في المسابقة الرسمية لمهرجان كان ضمن فئة الأفلام القصيرة، في هذا الحوار مع “الخبر”، أنه اليوم أكثر حرصا على المستقبل، ويأمل في نجاح تجربته السينمائية الطويلة الأولى التي انتهى من تصويرها مؤخرا، ويمكن مواصلة وفائه للأفلام القصيرة، فإمكانية الفوز بالسعفة الذهبية تبقى بالنسبة إليه “مهمة ورائعة ونقلة نوعية، ولكن الأهم هو مواصلة العمل وتقديم المزيد من الأفلام الجيدة”.أولا كيف تلقيت خبر اختيار فيلم “علوش” ضمن المسابقة الرسمية للأفلام القصيرة لمهرجان “كان”؟ طبعا بكل فرح وغبطة، فالمنافسة لم تكن سهلة، بل قوية جدا، تم إعلامي أولا بأن الفيلم اختير ضمن التصفيات الأولية من بين 5 آلاف فيلم، وهو ما شكّل بالنسبة لي دفعة قوية وأملا كبيرا، إلى أن جاء موعد الإعلان الرسمي عن القائمة النهائية، ولكم أن تتخيلوا كيف سيكون هذا الخبر سعيدا ومهما في حياة أي مخرج. الوصول إلى مهرجان صعب جدا، ليس فقط بالنسبة للأفلام الطويلة بل القصيرة أيضا، ولكن ما نلاحظه مؤخرا أن السينما التونسية تعرف تحركا وتجديدا يظهر جليا من خلال مشاركتها في مهرجانات كبيرة مثل برلين وغيرها، عندما يصل الفيلم إلى أي مهرجان كبير، يسلّط الضوء عليه وعلى سينما بلده، حتى لو لم نصل إلى مهرجان “كان”، هناك حالة من التغيير والتجديد في السينما التونسية.تعتبر الأفلام القصيرة في السنوات الأخيرة الأكثر تشريفا للسينما العربية، شاهدنا كيف فازت لبنان السنة الماضية بالسعفة الذهبية عن هذه الفئة؟نلاحظ ذلك فعلا، وهو أمر يحتاج المتابعة والاهتمام، لا أعتقد أن المسألة مرتبطة بطبيعة الأفلام ونوعيتها فقط بقدر ارتباطها بالمهرجانات، خصوصا الكبيرة التي لها سياسة خاصة في اختيار الأفلام، ولكن يمكن القول إن ما يميّز الأفلام القصيرة كونها أفلام أكثر ديناميكية، أعتقد أن هناك تنوع كبير وثراء في الأفكار وطريقة الطرح الذي تقدّمها الأفلام القصيرة العربية من خلال رؤية الشباب الجديدة.لماذا اخترت موضوعا اجتماعيا- سياسيا في فيلم “علوش”؟لا يحكي الفيلم بالنسبة لي قصة اجتماعية بصفة خاصة، ولكن يحكي عن الغرور الذي يمكن أن تشكّله السلطة لدى المسؤولين. في الفيلم هناك ممارسة للسلطة على المواطن العادي، فهو فيلم يحكي كيف يمكن أن تتحول السلطة إلى آلة للظلم، وكيف يتحول أصحاب النفوذ إلى أداة للمراوغة والتلاعب بالناس، ومن خلال العبارة الشهيرة التي نقولها في تونس “السلطة تخديم المخ”، وهي ميزة من ميزات تونس وليس التونسي، ولكن أيضا الدول العربية وحتى الجزائر عندما تشاهد من يمارس السلطة في العالم العربي، لا يكون مباشرا في قراراته، ولكن يصنع السيناريوهات على عكس من يمارسها في أوروبا، حيث يكون مباشرا في قراراته ويتحمّل مسؤوليته.إلى أي مدى تعتبر الثورة التونسية وسقوط نظام بن علي عامل مساهم في التغيير والتجدد في السينما التونسية؟بالنسبة لي الذي تغيّر هو علاقة السينمائيين التونسيين بأنفسهم، حتى خلال فترة الرئيس المخلوع بن علي كانت مسألة الرقابة مسألة غير مباشرة، لم تكن هناك رقابة مباشرة على السينمائيين، ولكن كانت هناك رقابة اقتصادية، المشكلة أن لجنة السينمائيين أنفسهم لا يدعمون السينمائيين الأحرار في وقت زين العابدين بن علي، استعملت السلطة السينمائيين لممارسة الرقابة على السينمائيين التونسيين، ولكن بعد الثورة تغيرت علاقة المخرجين مع أنفسهم، ولكن لا تزال هناك الكثير من القيود في تونس، والسينمائيون خائفون منها، مثلا علاقة السينما بالدين، بالجنس وعلاقة السينما بالسلطة، سلطة الإدارة والبوليس ومواضيع ربما أهم من البوليس لم نتحرر بعد منها، السينما في العالم العربي لا تعكس آراء المجتمع ككل، وبعضها منحصر فقط للنقاش عند المثقفين كموضوع الدين، ولكن أعتقد أن تناول هذه المواضيع سينمائيا سيكون قريبا.ماذا تمثل لك الأفلام القصيرة؟أحب الفيلم القصير، أولا لأن الفيلم الطويل يتطلب وقتا وفترة طويلة من العمل والتعب، وأنا إنسان بحاجة إلى العمل، ولا يمكنني أن أنتظر مدة سنوات من أجل تصوير فيلم طويل، أما الفيلم القصير هو مرحلة من التمرين والتكوين المتواصل، وهو فرصة للتجريب، تجريب الحرية، وله انعكاسات أقل ضررا في حال ما لم ينجح الفيلم من ناحية الإنتاج، باختصار يمكنني القول أن الفيلم القصير هو فضاء للحرية وللتجريب.ماذا جسّدت في الفيلم الطويل ولم تجسّده في الفيلم القصير؟الفيلم الطويل الذي انتهيت من تصويره هو حكاية ثلاثة شبان تونسيين تعرّفوا على بعض خلال الثورة التونسية وعاشوا تجربة مأساوية، ولكنهم التقوا مجددا بعد ثلاث سنوات من الثورة التونسية، وتجددت حكاياتهم القديمة، وأحاول أن أكون مختلفا في الفيلم الطويل.ماذا تقول لأي مخرج عربي يحلم بالوصول إلى كان؟عندما أنجزت الفيلم، لم أكن أفكر في الذهاب إلى مهرجان “كان”، بل كنت أفكر في نجاح العمل، فالسينما لا ترحم، لأنه في حال ما تم تسجيل العمل وعرضه، تكون بذلك قد دخلت التاريخ، لهذا أنصح دائما بالاهتمام بكل تفاصيل تصوير الفيلم، يجب توزيع السيناريو على الأصدقاء والخبراء للاستشارة، يجب أن لا أقلق من إعادة تصوير المشاهد، ولا الخوف من الوقت الذي يذهب في إعادة تصوير المشاهد من أجل إتمام العمل. تحدث الكثير من الخلافات بيني وبين التقنيين والممثلين خلال تصوير العمل، نغضب ونقلق من بعض، ولكن بمجرد إتمام العمل ونجاحه، يتحول كل ذلك إلى فرح، على السينمائيين أن يواصلوا العمل على هذا النهج من أجل الإبداع المتواصل.ماذا يمكن أن يقول لطفي عاشور لو فاز بالسعفة الذهبية وماذا يمكن أن يقول لو لم يفز بها؟“يضحك”.. أتصور أن أهم شيء تحققه لي “السعفة الذهبية” هو فتح الأبواب التي يمكن أن تدعم مساري وحضوري العالمي وتروّج لأفلامي القادمة، فأكثر شيء يسعدني بتواجدي في مهرجان “كان” هو أنني أفكر في الفيلم القادم، وخلال هذا المهرجان أتلقى طلبات واتصالات من عدة منتجين ومهتمين بأعمالي، هذا هو المهم بالنسبة لي، وليس الصور في الفايس بوك، طبعا الصور في الفايس بوك تضيف البهجة والفرجة،  لكن العمل والمستقبل يتحقق من خلال المزيد من الإنجازات، أما عدم الفوز بالسعفة الذهبية فهو يعني باختصار، يجب أن أواصل العمل بقوة وبنظرة جديدة من أجل العودة إلى مهرجان “كان” مرة أخرى.

مقال مؤرشف


هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.

تسجيل الدخول باقة الاشتراكات