هذا ما قاله نواب الأغلبية عن الهيئة التي لا يحبذها ڤرين

+ -

قبل أربع سنوات، كان نواب المجلس الشعبي الوطني يناقشون، تحت قبة البرلمان، مشروع القانون العضوي للإعلام. بالعودة إلى مداخلاتهم وملاحظاتهم، يظهر مدى الحرص والإصرار على التمسك بسلطتي ضبط الصحافة المكتوبة والإعلام المرئي والمسموع، واعتبارهما خطوة متقدمة جدا على صعيد تحرير قطاع الإعلام من الوصاية. اليوم، يصرح وزير الاتصال، حميد ڤرين، بأنه ليس بحاجة إلى سلطة ضبط الصحافة المكتوبة، ويواجه بصمت تام من نواب أحزاب الأغلبية، الذين لم يتجرأوا على مواجهته على الرغم من أن ما يطرحه يناقض تماما ما كانوا يدعون إليه.مداخلة محمد قيجي، رئيس كتلة التجمع الوطني الديمقراطي حاليا، كانت الأقوى من حيث المضمون، حيث لم يكتف المتحدث بمباركة إنشاء سلطة ضبط الصحافة المكتوبة، بل طالب بإزالة تخوفات أسرة الإعلام، بإعادة النظر في تركيبتها التي كان ينتقد وقتها هيمنة المؤسسات الرسمية في تعيين أعضائها.وقال قيجي، في الجلسة العلنية المنعقدة يوم الاثنين 28 نوفمبر 2011، كما هو مدون في الجريدة الرسمية للمناقشات، “إننا في التجمع الوطني الديمقراطي نتفهم كثيرا تخوفات الأسرة الإعلامية من بعض مواد مشروع هذا القانون، خاصة تلك التي يلمسون فيها تضييقا على حرياتهم، أو حدا لمبادراتهم أو تقويضا لنشاطاتهم، فنحن نتفهم هذه التخوفات، ونسعى إلى تبديدها، ولذلك لا نرى مانعا في توسيع تركيبة سلطة الضبط وفتحها لتضم في عضويتها حتى ممثلين عن القراء، على غرار ما هو معمول به في بعض الدول”.وعلى نفس المنوال، نسج زميله في الأرندي، النائب أحمد قطيش، الذي اعتبر إنشاء سلطة ضبط الصحافة المكتوبة إنجازا تاريخيا، يمهد لظهور صحفيين كبار في الجزائر. ولخص فكرته في مداخلته قائلا: “ما جاء به مشروع القانون من سلطة ضبط خاصة بالإعلام المكتوب وسلطة ضبط السمعي البصري ومجلس أعلى لأخلاقيات المهنة، إضافة إلى حماية مهنية واجتماعية، ولأول مرة في تاريخ الجزائر تكوين الصحفيين سواء في القطاع العام أو الخاص، وبتوفير كل هذه الآليات والإمكانيات، سيمكن لا محالة من بروز صحافيين بمستوى أقوى الصحافيين في العالم، أو ما يعرف بكبار المحققين والمكلفين بالدراسات، فيسهمون في استقرار البلاد بالتوجيه والتوعية والتحسيس، فنقضي على جميع الآفات الاجتماعية التي من شأنها الإضرار بالمصلحة العليا للبلاد والأمة والشعب”.أما مسعود شيهوب، النائب عن جبهة التحرير الوطني، وأستاذ القانون الدستوري، فذهب بعيدا في مدحه إنشاء سلطة ضبط الصحافة المكتوبة، وتمهيدا لإزاحة وزارة الاتصال من تسيير شؤون القطاع الذي ينبغي أن يعهد لأهله.وقال شيهوب في مداخلته بالحرف: “نحن اليوم، من خلال مناقشة هذا القانون، نأتي إلى آخر مشروع قانون من مشاريع قوانين الديمقراطية”.وأضاف: “لقد كرس دستورنا بكل وضوح مبدأ حرية الإعلام واستقلال الصحافة، ولذلك جاء مشروع القانون متشبعا بهذا المبدأ، محاولا تجسيده من خلال تأسيس الآليات التي تعكس هذا الاستقلال وهذه الحرية وهذه الآليات المعروفة أيضا دوليا. هذه الآلية التي أعلن عنها في عرض الأسباب ثم في متن المشروع، هي إنشاء هيئتين مستقلتين للضبط، إحداهما للصحافة المكتوبة والثانية للسمعي البصري”.وعن الهيئة التي يحاربها ڤرين اليوم، صرح شيهوب في مداخلته: “حقيقة فإن هيئة الضبط هذه هي حجر الأساس في استقلالية القطاع والصحافة وتجسيد المبدأ، لأننا نلاحظ أن صلاحيات ضبط قطاع الإعلام، صلاحيات السهر وضمان استقلالية الخدمة العمومية، صلاحيات تطبيق بعدل وبمساواة مبدأ حرية التعبير، تعود إلى هذه السلطة وليس إلى الوزارة المعنية وليس إلى الجهاز التنفيذي”.واعتبر المتحدث، قبل أربع سنوات، أن مشروع القانون العضوي للإعلام، الذي كان يناقشه، سيؤدي إلى “تقليص لدور الجهاز التنفيذي ممثلا في وزارة الاتصال لصالح هيئة ضبط مستقلة، وهذه الآلية هي التي نعرفها دوليا، ومن هذه الزاوية يظهر أن القانون منسجم حقيقة مع المعايير الدولية، أضف إلى ذلك دائما في مظاهر الاستقلالية، تمتع هذه الهيئة بالشخصية المعنوية والاستقلال المالي. كذلك جميع قرارات هيئة الضبط خاضعة لرقابة القضاء وإلى الطعن بالإلغاء، ويجوز للمتعاملين أن يطلبوا إلغاءها أمام القضاء، وهذه ضمانة أخرى من ضمانات استقلال القضاء”.هذا المشروع الذي كان يناقش على ألسن النواب، تحول إلى قانون عضوي للإعلام، يأتي في القيمة والأهمية بعد الدستور مباشرة، وثبتت فيه سلطة ضبط الصحافة المكتوبة، وهو ساري المفعول منذ أربع سنوات، لكن وزير الاتصال فجأة أراد أن يلغي هذه الهيئة التي يقوم عليها ثلث القانون العضوي للإعلام، ويحل محلها، مكرسا أكبر تراجع في مكاسب قطاع الصحافة التي لم يكتب لها أن تر النور أصلا. فهل سينتفض نواب الأغلبية ليدافعوا عما كانوا يرونه حقا؟ أم أنهم سيكرسون الانطباع السائد عنهم بأنهم يميلون دائما حيث تميل ريح السلطة!

مقال مؤرشف


هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.

تسجيل الدخول باقة الاشتراكات