"الخبر" تقص حكاية اللجوء الفلسطيني في ذكرى النكبة

+ -

 68 عامًا والجرح لا يزال ينزف، سلبت فلسطين فكانت جريمة العصر، امتدت زمانيا منذ أن أنشئت أول مستوطنة صهيونية على الأرض الفلسطينية، ولم تنته الجريمة.. تتمادى وتتطور وتعم الوجود الإنساني برمته، هي الشكل الأكثر قباحة للطغيان والتوحش في تحالف قوى العالم مع احتلال يمارس أبشع أشكال القتل والعنصرية، جريمة لا يزاليرتقي ضحاياها في ميادين المواجهة وفي أقصى أشكال الاستهداف لشعب عار إلا من الكرامة. جريمة العصر يقاسي ضحاياها الحرمان والقهر في مخيمات اللجوء، أيتام لا بواكي لهم في شتاتهم المر، نكبة تلد نكبات في نكبات متوالية لا تنتهي ولن تنتهي حتى يعود الحق الأول إلى أصحابه، وهو حق لم ينس حتى بعد ثلاثة أجيال.لم ينس الشعب الفلسطيني فصول النكبة، رغم مرور 24823 يوم عليه، ففي هذه الأيام يستحضر المواطن الفلسطيني مشاهد الحادثة التي باتت تُطارده في مختلف نواحي حياته، بعد أن عاث الصهاينة بالفلسطينيين ذبحا وقتلا وتشريدا وتهجيرا. “الخبر” تقص حكاية اللجوء.. حكاية اللحظات الأخيرة للنزوح عن القرى والبلدات المهجرة، بالتزامن مع السنوية الـ68 للنكبة.“وكأنها أمامي الآن ولا زلت أسكنها”، يتخيل اللاجئ الحاج أحمد عبد الله دغمان، نفسه وكأنه في قريته “الكفرين” قضاء حيفا. عشقه لبلده، دفعه لرسم “خارطة” لها، يقول: “أوصيت بأن تكون ذكرى لأولادي وأحفادي، وفيها تضاريس الكفرين وأهل بلدي ومنازل عائلات فلسطينية”. ويضيف “عندما هجرونا من قريتنا، ذهبنا إلى أم الفحم، وأقمنا في بيوت شعر، ولجأنا إلى قرية معاوية، ولما وصلناها صار اليهود يهدمون ببيوتها فخرجنا نحن وأهل معاوية معًا، واليوم نحن هنا في الفارعة ننتظر العودة”.لحظات عصيبة في مسير اللجوءويتنهد العجوز الفلسطيني خليل هاشم وهو يستذكر ما أسماه بـ”أوقات يشيب لها الرأس”، ويقول: “جمعت العصابات اليهودية مئات الناس في مسجد دهمش في اللد وأعدمتهم رميًا بالرصاص، منهم من أُصيب وفر من الموقع، وكان منهم ناس أصدقائي، قالوا لي إن اليهود أسرونا، ومن ثم أعدموا جزءا كبيرا، قرابة 100 نفر”. ويضيف: “طلبوا منا الخروج من البلدة والرحيل نحو الشرق، خفنا أن يصير فينا مثل ما صار في مسجد دهمش، حملنا بضعة أغطية، والقليل من الدقيق، تركنا دجاجاتنا، وتركنا الكواشين (أوراق الملكية)، وخبأ والدي ما نملك من فلوس، وخرجنا، قلنا: يومين أو ثلاثة ونعود”. يصمت الرجل ويتابع: “اليومان صاروا 68 عاما”. ويستطرد بقوله: “إلا أن طريق الهجرة من بيت دراس إلى مخيم البريج وسط غزة، كانت في معظمها مشيا على الأقدام، وخرجنا بأثوابنا التي علينا ولم نصحب معنا شيئا، على أمل العودة”.مفاتيح العودةوفي مدينة القدس المحتلة ما إن تقع عيناك على سقف المحل، الذي امتلأت جنباته بالمفاتيح العتيقة، إلا ويرجع بك شريط الذكريات إلى نقطة احتلال الوطن فلسطين، قبل ثمانية وستين عامًا، وكأن قصص النكبة التي توارثها الفلسطينيون جيلاً وراء جيل، شاخصة أمام عينك بمرّها وآلامها. وسط سوق حارة النصارى، التي تُعد واحدة من أحياء القدس الأربع الكبرى التي تقع داخل أسوار المدينة القديمة، يروي لنا صاحب محلّ للحليّ، قصص تلك المفاتيح التي يرتبها الواحد تلو الآخر ليرسم لوحةً فنية توحي لك بالمهجّرين الذين خرجوا قسْراً من قراهم عام 1948.يقول صاحب المحل التجاري “هذه المفاتيح الحقيقية غير المقلّدة للمنازل والمحال التجارية والمخازن ما قبل احتلال فلسطين”.اليهود كانوا يرفعون رؤوس الفلسطينيين المقطوعةويسرد محمد سعيد الخطيب بكوفية حمراء ووجه تكسوه لحية بيضاء، قصته، فيقول “أنا من سكان يافا، وولدت فيها عام 1936، وكان جدي يعمل في المحكمة الشرعية، ووالدي معلمًا في مدرسة النهضة. وكان الإنجليز يحضرون الشاحنات لتشجيعنا على ترك مدينتنا، ويقفون في صفين من “بيت شجان” إلى تل أبيب إلى صرفند، لكننا رفضنا الخروج”.كان الخطيب شاهدًا على معارك يافا، ونفاد ذخيرة مقاتليها، وانضمام عدد من المتطوعين المسلمين من يوغسلافيا للقتال فيها إلى جانب المدافعين عنها. ومما لا ينساه الهجمات على ثكنات أبو كبير وتل الريش وسقوط العديد من الشهداء. ويضيف: شاهدت اليهود وهم يحملون رؤوس مناضلين مقطوعة، ويمشون في شوارع يافا والمنشية لتخويف الناس وإجبارهم على الرحيل.وفي غزة يجد سعيد العلمي منتصف الثمانينيات نفسه حبيسا في خيمة صغيرة يقطنها مع عائلته مند سنتين على أطراف جنوب قطاع غزة، وذلك بالتزامن مع مرور 68 سنة على تهجيره مع عائلته قسرا في النكبة الفلسطينية بقيام إسرائيل. وبدا أن الصورة تعود مجددا بمحمود أحد المهجرين الفلسطينيين في العام 48 من قريته الأصلية، وهو يستتر بخيمته وزعتها وكالة غوث وتشغيلاللاجئين الفلسطينيين على آلاف المشردين الفلسطينيين ممن دمرت إسرائيل منازلهم خلال حربها الدموية على القطاع في 2014يبوح الحاج سعيد بلحية بيضاء وتجاعيد عميقة، وهو على مدخل خيمته وثلاثة من أحفاده الذين افترشوا التراب للنوم قائلا: “إنها نفس الصورة والأيام. والتاريخ يعيد نفسه ونحن لا نعاني نكبة واحدة بل أصبحنا نعاني نكبات دائمة”. وبينما نتذكر آلام وجراحات نكبة فلسطين، يتراقص الصهاينة فرحا وطربا على هذه الذكريات ويرفعون أعلام الكيان احتفاءً بذكرى النكبة، بل ويطلق الصهاينة عليها (حرب الاستقلال)، هذه الحرب الصهيونية التي استشهد خلالها آلاف الفلسطينيين، وتم تشريد أكثر من 860 ألف دمرت أكثر من 500 قرية ومدينة فلسطينية من أجل إقامة الكيان الصهيوني بالدماء والمجازر على أرض فلسطين.  

مقال مؤرشف


هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.

تسجيل الدخول باقة الاشتراكات