38serv

+ -

كان العرب يُعظمون البيت الحرام في جاهليتهم، ويعدونه عنوان مجدهم القومي، ولما كان الإسلام يُريد استخلاص القلوب لله وتجريدها من التعلق بغيره، وتخليصها من كل نعرة وكل عصبية لغير المنهج الإسلامي المرتبط بالله مباشرة، المجرد من كل ملابسة تاريخية أو عنصرية أو أرضية على العموم، فقد نزعهم نزعًا من الاتجاه إلى البيت الحرام، واختار لهم الاتجاه فترة إلى المسجد الأقصى، ليخلص نفوسهم من رواسب الجاهلية، ومن كل ما كانت تتعلق به في الجاهلية.حتى إذا استسلم المسلمون واتجهوا إلى القبلة التي وجههم إليها الرسول صلى الله عليه وسلم وفي الوقت ذاته بدأ اليهود يتخذون من هذا الوضع حجة لهم، صدر الأمر الإلهي الكريم بالاتجاه إلى المسجد الحرام. ولكنه ربط قلوب المسلمين بحقيقة الإسلام: حقيقة أن هذا البيت بناه إبراهيم وإسماعيل ليكون خالصًا لله، وليكون تُراثًا للأمة الإسلامية التي نشأت تلبية لدعوة إبراهيم ربه أن يبعث في بنيه رسولاً منهم بالإسلام الذي كان عليه هو وأبناؤه من بعده.فإذا اتجه المسلمون فترة من الزمان إلى المسجد الأقصى الذي يتجه إليه اليهود والنصارى فقد كان ذلك لحكمة بينها في ما سبق، فالآن وقد شاء الله أن يعهد بالوراثة إلى الأمة المسلمة وقد أبى أهل الكتاب أن يفيئوا إلى دين أبيهم إبراهيم عليه السلام لتحظى الأمة الإسلامية بكل خصائص الوراثة حسا ومعنى، وراثة الدين، وراثة القبلة، وراثة الفضل من الله جميع. (راجع ظلال القرآن لسيد قطب رحمه الله، سورة البقرة). واعلم أن اليهود يستقبلون بيت المقدس وليس هذا الاستقبال من أصل دينهم لأن بيت المقدس إنما بني بعد موسى عليه السلام. بناه سليمان عليه السلام، فلا تجد في أسفار التوراة الخمسة ذكر الاستقبال جهة معينة في عبادة الله تعالى والصلاة والدعاء، ولكن سليمان عليه السلام هو الذي سن استقبال بيت المقدس.وأما النصارى، فإنهم لم يقع في إنجيلهم تغير لما كان عليه اليهود في أمر الاستقبال في الصلاة ولا تعيين جهة معينة، ولكن لما وجدوا الروم يجعلون أبواب هياكلهم مستقبلة لمشرق الشمس بحيث تدخل أشعة الشمس عند طلوعها من باب الهيكل وتقع على الصنم صاحب الهيكل الموضوع في منتهى الهيكل، عكسوا ذلك فجعلوا أبواب الكنائس إلى الغرب وبذلك يكون المذبح إلى الغرب والمُصلون يستقبلون الشرق.. فهذه حالة النصارى في وقت نزول الآية. ثم إن النصارى من العصور الوسطى إلى الآن توسعوا فتركوا استقبال جهة معينة، فلذلك تكون كنائسهم مختلفة الاتجاه وكذلك المذابح المتعددة في الكنيسة الواحدة. (انظر تفسير القرآن “التحرير والتنوير” للإمام محمد الطاهر بن عاشور رحمه الله).

مقال مؤرشف


هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.

تسجيل الدخول باقة الاشتراكات