+ -

 أظهر محامي وزارة الاتصال، إبراهيم بن حديد، قدرة فائقة في الالتفاف على القانون العضوي للإعلام، في الخلاف الجاري حول صفقة التنازل عن جزء من أسهم “الخبر” لفائدة “ناس برود”. فسلطة ضبط الصحافة المكتوبة، التي أنشأها المشرع، لا حاجة لوجودها، حسبه، بذريعة أن الحكومة عن طريق وزارة الاتصال يمكن أن تحل محلها، فتسحب الاعتماد من جريدة “الخبر”، بل يحق لها أن تغلقها.- قد تشطب وزارة الاتصال بمناسبة تعديل حكومي، لكن سلطة الضبط تبقى قائمة لأن مصدرها المشرع- في كل الأحوال الجهة التي يخولها القانون محاسبة “الخبر” هي سلطة الضبط وليس وزير الاتصال- إذا كانت الدولة حريصة على أن يأخذ القانون مجراه كان على الحكومة أن تنصب سلطة الضبط  - يحق لنواب البرلمان مساءلة السلطة التنفيذية بشأن عدم تنصيب سلطة الضبط  يتضح من الحوار الذي أجراه المحامي، للصحيفة الإلكترونية الفرانكفونية “كل شيء عن الجزائر”، أول أمس، أنه لم يقرأ تماما القانون العضوي رقم 12-05 المؤرخ في 12 جانفي 2012 المتعلق بالإعلام. فالنص التشريعي الذي اقترحته الحكومة وصادق عليه البرلمان، لا يذكر ولا مرة واحدة وزارة الاتصال على سبيل أنها مسؤولة عن أي شيء يخص الصحافة المكتوبة أو الإعلام السمعي البصري.لا أثر لشيء اسمه “وزارة الاتصال” في قانون الإعلاميقول المحامي، في المقابلة، إنه يحق للدولة أن تغلق صحيفة “الخبر”، بحجة أنها لا تملك اعتمادا جديدا، بعدما تغير، حسبه، المالك. والدولة، في هذه الحالة، هي وزارة الاتصال، حسب المحامي. أما القانون العضوي الذي يضبط قطاع الإعلام فلا يشير أبدا لأي أثر لـ”الدولة” في أي شيء يخص الصحافة المكتوبة. وإنما الجهة المسؤولة عن اعتماد الصحف (المادة 13 من القانون)، هي سلطة ضبط الصحافة المكتوبة، وهي كيان قانوني مستقل عن الحكومة، يتمتع بالشخصية المعنوية والاستقلال المالي. وإذا طرح سحب الاعتماد، في سياق أي نزاع، فيستوجب اللجوء إلى القضاء ولا يجوز للحكومة قانونا أن تتدخل لإلغاء اعتماد أي جريدة.وفي كل الأحوال، إذا أخلت صحيفة “الخبر” بالالتزامات التي يتضمنها القانون، كما يزعم وزير الاتصال، بخصوص المادة 25 (لا يمكن لشخص أن يملك أكثر من نشرية واحدة)، فالجهة التي يجوز له توجيه ملاحظات لـ”الخبر”، هي سلطة الضبط (المادة 42) وليس وزير الاتصال. إذن حجج الأستاذ بن حديد باطلة.المغالطة الكبيرة التي “سربها” بن حديد، عبر ردوده على أسئلة صحفية “كل شيء عن الجزائر”، هي أن الدولة لا ينبغي أن تبقى تتفرج على القانون وهو يتعرض للخرق! المحامي هنا يحاول تبرير ما لا يقبل التبرير، لأن السلطة التنفيذية ترفض تطبيق القانون العضوي للإعلام، لعدم سعيها لإقامة أهم آلية فيه هي سلطة ضبط الصحافة المكتوبة، فكيف تسهر على حماية القانون من الخرق، وهي لا تفعل شيئا لتطبيقه؟.! وبحكم الدستور، يعتبر تطبيق القوانين مسؤولية تقع على الحكومة، وإذا قصرت في واجباتها بخصوص تطبيق القانون العضوي للإعلام، فهذا لا يعني أن وزير الاتصال يحق له أن يعطي لنفسه صلاحية أن يحل محل سلطة الضبط. بمعنى آخر، إذا كانت الدولة حريصة على أن يأخذ القانون مجراه، كما يزعم محامي وزير الاتصال، كان على الحكومة أن تنصب سلطة الضبط. الحكومة تسير الإعلام السمعي البصري بناء على اعتبارات سياسيةأما بخصوص حديث المحامي عن غلق قناة “كا بي سي”، بحجة أنها خارج القانون، فوزير الاتصال الذي يرافع بن حديد لصالحه، يعلم أن 45 قناة خاضعة للقانون الأجنبي، وبالتالي ما يسري على قناة “الخبر” يسري على بقية القنوات. ثم لماذا المعاملة بمقاييس تمييزية، بمنح الاعتماد (كمكاتب أجنبية) لقنوات دون أخرى؟ أليست الحكومة بهذا هي من تسير الإعلام السمعي البصري وفق اعتبارات سياسية، وليس مجمع “الخبر” الذي يطالب بالتقيد بالقانون في الدعوى المرفوعة ضده؟إذن، الحقيقة التي ينبغي أن يستوعبها المحامي إبراهيم بن حديد، هي أن اعتماد الصحف أو إلغاءها لا يجوز الحديث عنه في غياب سلطة الضبط. وبما أنها لم تنصب، فوضعية كل الصحف سليمة، بمعنى أن التراخيص بصدورها صحيحة ولا غبار عليها، وتبقى خاضعة لقانون الإعلام 1990. وتبرز أهمية سلطة الضبط في كونها مصدر المشرع الذي أنشأها، بينما وزارة الاتصال التي يعطيها المحامي أهمية أكبر من سلطة الضبط، قد تلغى في أي تعديل حكومي. وقد تعود الرئيس بوتفليقة على شطب وزارة الإعلام، وإعادتها إلى الحكومة. وأحيانا نزل بها إلى درجة كتابة دولة لدى الوزير الأول. بن حديد يحاول إخفاء الحقيقة عن مضمون الدعوى في بدايتهاوأخطر كذبة وردت في أجوبة المحامي عن الأسئلة، أنه ذكر أن الوزارة طلبت في العريضتين، الاستعجالية وفي الموضوع، تجميد صفة التنازل عن الأسهم. فالحقيقة هي أن الطلب كان في البداية إبطال عقد البيع، ولكن بن حديد الذي وقع على العريضتين وتورط في ارتكاب خطيئة قانونية، صحح الطلب وأصدر عريضة ثانية تتحدث عن تجميد العقد. وفي كلتا الحالتين، سواء بالإبطال أو التجميد، يستحيل على القضاء الاستعجالي أن يفصل في قضية بيع وشراء. فكيف يجهل محام يمارس مهنته منذ سنوات طويلة، هذا الأمر؟وفي الحوار، يبدي بن حديد عدم اعتراف واضح بمبدأ الفصل بين السلطات. فهو يقول إن “سلطة الدولة تشمل بقية السلطات”، ويفهم منه أن الجهات التنفيذية تهيمن على بقية المؤسسات، في حين أن الدستور المنبثق عن التعديل الذي صادق عليه البرلمان في 7 فيفري 2016، يكرس الفصل بين السلطات.وبحكم الأمر الواقع الذي تحاول وزارة الاتصال فرضه، يفترض على نواب البرلمان مساءلة الحكومة عن سبب عدم تنصيب سلطة ضبط الصحافة المكتوبة بعد 4 سنوات ونصف من صدور القانون. هذا هو أصل المشكلة وليست صفقة بيع أسهم “الخبر” لربراب. على أعضاء المجلس الشعبي الوطني أن يحاسبوا رئيس السلطة التنفيذية، عبد العزيز بوتفليقة، على عدم اتخاذه التدابير القانونية والمادية لإقامة سلطة الضبط.

مقال مؤرشف


هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.

تسجيل الدخول باقة الاشتراكات
كلمات دلالية: