+ -

 بات واضحا أن الفساد والاستبداد، بعد أن استولى على مفاصل الدولة، يريد أن يركّز نفسه بشرعنة القوانين والاتفاقيات الدولية، بما يضمن عدم متابعة المفسدين في الداخل والخارج.^ هل من الصدفة أن الحكومة الجزائرية توقّع على أهم اتفاقية قضائية مع فرنسا محتواها عدم متابعة المسؤولين الجزائريين في القضاء الفرنسي بناء على دعاوى يرفعها جزائريون يعيشون في فرنسا ضد هؤلاء؟ أليس هذا عملية تصديراً للحصانة التي يتمتع بها المسئولون الجزائريون هنا في الداخل إلى بلدان أخرى؟ هل القضاء الفرنسي، المعروف عنه أنه قضاء عادل ومستقل، يمكن أن يظلم المسئولين الجزائريين، ولهذا وجب أن تتحرك الحكومة الجزائرية لحماية هؤلاء باتفاقية فرنسا؟في الجزائر هناك قضاء للعامة وهو الموجه لعامة الشعب، وآخر موجه للخاصة من المسؤولين والوزراء، فلا يتابع أي مسؤول عن فعل حتى تُرفع عنه الحصانة من السلطة، وفي هذا مسحة تمييز بين المواطنين، فهل تريد الجزائر أن تفعل ذلك بالقضاء الفرنسي؟ وهل يقبل الفرنسيون بذلك؟^ النية الجزائرية في حماية الاستبداد والفساد وحزب الفساد بدت واضحة وتزامنت هذه الاتفاقية مع فرنسا في مجال القضاء، مع ما تجرأ فاروق قسنطيني على إعلانه بدعوته الرئيس إلى إصدار عفو عام على كل السرّاق، وتحقيق مصالحة وطنية في مجال الاختلاس تشبه المصالحة الوطنية التي حدثت في مجال الإرهاب. وسمة هذه الاتفاقية تكريس حكاية الإفلات من العقاب في مجال الفساد، تماما مثلما تحققت في مجال سفك دماء الجزائريين.. صحيح أن من يستبيح الدماء لا يخاف من استباحة المال، لكن الغريب في هذا الأمر أن تصبح علاقات الجزائر مع الدول مشروطة بحماية السرّاق من المتابعة؟ كنا نتمنى أن تصبح علاقات الجزائر مع الخارج مرهونة بالمساعدة على متابعة المفسدين.. فإذا بنا نرى العكس هو الذي يحصل مع فرنسا.لعل الأمر يتعلق بتحضير مرحلة ما بعد بوتفليقة، حيث يحصن الفساد والاستبداد نفسه من احتمال المتابعات، ومعنى هذا الكلام أن السلطة تريد تحقيق فكرة الانتقال الاستبدادي والآمن عوض تحقيق الانتقال الديمقراطي الذي تطالب به المعارضة ويطالب به الشعب، بمعنى آخر فإن السلطة تريد تسليم الحكم إلى فساد آخر، وأن باب الأمل في بناء دولة الحق والقانون هو مجرد حلم حالم.

مقال مؤرشف


هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.

تسجيل الدخول باقة الاشتراكات