+ -

نهاية الأسبوع، كانت وقفة “الخبر” مع الذات أمس الخميس، يوما بعد ثاني وقفة، انزوى صحفيو “الخبر” إلى ديارهم تاركين قضية في قاعة التحرير، لكنها أيضا في عقولهم وفي أبدانهم التي تصببت عرقا من الوقوف قبالة محكمة بئر مراد رايس، هؤلاء الصحفيون وعمال الجريدة وتقنيوها ومسئولوها وسائقوها وموظفو إدارتها.. عرق قضية لا تموت بالتقادم كما يراد لها، لأن التقادم لا يصلح بالنسبة لقضية وطن ودولة ومجتمع. لا يمكن بعد الآن الإمعان في نقل تضامن الناس مع قضية الحرية التي لا تقبل التفاوض، أو كما قال هؤلاء الأحرار الذين نزلوا إلى المحكمة، وهم لا يشتهون سماع عبارة “يعطيكم الصحة” من المعنيين المباشرين بالقضية، أو كل من ينتسب إلى هذا الصرح الذي يقاوم الحطام في وزارة الاتصال، ذلك أن هذه العبارة لم يقبلها هؤلاء الذين جاءوا من كل مكان لنصرة قضية ينظرون إليها من كل الزوايا في بيوتهم، وهذه العبارة لا تنطلي عليهم لأنها الحرية التي ضحى من أجلها شهداء الثورة، ثم وهب صحفيون أرواحهم لنصرتها والحفاظ على استمراريتها لما كان الدم “إلى الركبة”.سينتظر منتسبو “الخبر” الذين ألقت ظلالهم في ربوع الوطن أسبوعين أو أقل بقليل، والزمن وإن كان متعبا فهو ليس مقياس تعب لهؤلاء الذين يناضلون من أجل الحريات والديمقراطية، ولا يمكنه امتصاص حرارة النضال، ولكن الزمن، بالنسبة لقضية 2016، مقياس استمرار مهما طال الانتظار. “الخبر” من مُدافِع إلى مُتَّهم حوّلت وزارة الاتصال، من خلال القضية التي رفعتها ضد عملية التنازل عن حصة من أسهم شركة “الخبر”، وضعَ الجريدة من مدافع إلى متَّهم، ووجدت الجريدة نفسها في ظرف أسبوعين من الزمن، وهي التي عُرفت لأكثر من 25 سنة بمصداقيتها واحترافيتها، متهمة بعقد صفقة غير قانونية.كانت “الخبر” المنبر الإعلامي الذي يتنفس منه أبناء الجزائر العميقة، وطالما كانت المدافع عن حق الشعب في العيش الكريم، وانتقدت كل ما يخالف القانون، فهل يُعقل أن تتحول الجريدة الرائدة على المستوى الوطني بعد ربع قرن من العطاء وفي ظرف قياسي كهذا من موضع المدافع إلى المتهم؟أثبتت وزارة الاتصال من خلال هذا التصرف أن “الخبر” تمثل شوكة في عنقها، كانت تنتظر الفرصة السانحة لترويضها، ولم لا إسكات صوتها كلية، فبعد حرمانها من الإشهار العمومي، جاء دور ردع الإشهار الخاص وتقييده، وبالتالي التضييق على كل الجرائد الخاصة وعلى رأسها “الخبر”، وغلق كل سبل ومنافذ البقاء والاستمرارية، واليوم نجد الوزارة تبحث عن ذريعة أخرى لإسكات كلمة الحق بطعنها في قضية بيع وشراء تعتبر صفقتها قانونية 100%، وتتخذ منها وسيلة لزعزعة استقرار ووجود “الخبر”.لقد وُلدت “الخبر” في ظروف استثنائية، وفتحت الباب للكلمة الحرة النزيهة، في وقت قل من نادى بها، وصمدت في عز الأزمات والمحن، ووقفت في وجه الرصاص في أحلك المراحل التي مرت بها البلاد، ولم تتخلف يوما واحدا عن الظهور، جريدة عرفت بوجه واحد طيلة مشوارها، جريدة الفقراء والمظلومين، جريدة قدمت التضحية من خيرة أبنائها في سبيل بقائها.اسمح لي يا سيدي وزير الاتصال أن أذكركم بأن “الخبر” وليدة نوفمبر، ولا يخفى عليكم إنجازات أبناء نوفمبر الذين تحدَّوا أبشع استعمار عرفته البشرية خلال القرن 19، ولم يستسلموا لأكثر من 100 سنة حتى حققوا الاستقلال، فـ “الخبر” بزغت في شهر الثوار، ونُشر عددها الأول في هذا الشهر العظيم، وقعه ثلة من الشباب قدموا النفس والنفيس في سبيل بقائها، فهي لم تأت من عدم، جريدة حرة ومستقلة عاشت بشرفها، وبفضل جهد ونضال أبنائها من ملاك وعمال وصحفيين، وبفضل قرائها الأوفياء من كل شبر من هذا الوطن الغالي، صمدت لربع قرن وأعالت عائلات، وأدخلت الفرحة في قلوب العديد من الجزائريين، وعالجت العديد من القضايا الشائكة، ولم يتسنَّ لأيٍّ كان الطعن في احترافيتها ومصداقيتها، “الخبر” اليوم يا سيدي الوزير ملك للشعب وهو من يقرر بقاءها من عدمه، إن المساس بها اليوم يعني المساس بالرأي العام، فدعوا “الخبر” وشأنها، واتركوا لهذا الشعب الكلمة الحرة لسماعها، ربما تكون المسكن للجراح والآلام التي يعيشها اليوم.

مقال مؤرشف


هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.

تسجيل الدخول باقة الاشتراكات