38serv

+ -

  “الوقت يمضى، الحياة تستمر، الناس تتغير” هكذا اختارت روز (جسدت دورها الممثلة جيني برلين) أن تختزل حالتها العاطفية، ورغبتها في المضي قدما نحو رحلة عاطفة باتجاه عشق آخر غير ذلك الذي كان يأمله حبيبها بودي دروفمان (جسد دوره الممثل جيسي إيزنبارك) المسافر إلى عالم هوليوود في فيلم “كوفي سوسايتي” للمخرج الأمريكي والسيناريست وودي آلان، جاء الفيلم كتعويذة سينمائية ساخرة من الحب والخيانة وبفلسفة وودي آلان الخاصة.يمنحنا وودي آلان (80 سنة) تأشيرة للسفر إلى تاريخ السينما الأمريكية وتحديدا إلى هوليوود، فهو من يعرف تفاصيلها وعاش ملامحها ولا يجد صعوبة في تفسير الحكاية، وقد اختار حكاية رجل المال والأعمال فيل (جسد دوره الممثل ستيف كارل) الذي تحول في الفيلم إلى وكيل أعمال العديد من النجوم، وبوابة لكل من يريد العمل في السينما ويدخل تاريخ هوليوود، لتلتقي القصة بحكاية شاب يصل إلى هوليوود خلال ثلاثينيات القرن الماضي، حاملا معه أحلام دخول هذا العالم، هذا الشاب بودي دورفمان يحاول الاستفادة من علاقة القرابة التي تجمعه برجل الأعمال فيل من أجل تحقيق طموحاته.بعيدا بعض الشيء عن رؤيته العميقة التي قدمها في عشرات الأفلام الهامة، بدءا من “آني هلال” المميز (1977) بطولة ديان كيتون وتوني روبرتس، و “آلس” (1990)، ووصولا إلى فيلمه ما قبل الأخير “الرجال” (2015)، حين كانت أفلامه تحمل فلسفة أعمق، وتغوص في علم النفس وقصص الأدب العالمي والتاريخ، منح المخرج وودي آلان في فيلمه الجديد “كوفي سوسايتي”، الذي اختير لافتتح فعاليات مهرجان كان السينمائي الذي عُرض تحت سماء مهرجان كان المغيمة، منح الجمهور بصيصا من أمل لاستيعاب الفيلم، ولكن في قالب واحد يحمل فلسفة الحب، الانتماء، والهوية، خصوصا اليهودية، ويواصل الوفاء لمدينة نيويورك التي جعل منها عنوانا لكل أفلامه السينمائية. “كوفيه سوسايتي” هو فيلم مشحون بالألوان، يمنح نيويورك في ثلاثينات القرن الماضي الألوانَ الزاهية وموسيقى الجاز وتفاصيل السهر المترنح بين ثنايا قصص الحب والجنس وأحلام الحياة الأفضل، إنها الألوان التي اختارتها المخرج وودي آلان مفتاح الفترة الزمنية للحكايات المتعاقدة في قصة فيلم “كوفي سوسايتي”، لكنه يبتعد عن فلسفة وودي آلان بخطوات قليلة، جاء الفيلم مهووسا بالألوان والذكريات، فالمخرج وودي آلان الذي قدم روائع للسينما العالمية، منها “حب وموت” (1975) بطولة ديان كيتون وجورج أديت، منح التفاصيلَ في فيلمه الجديد نكهة خاصة، وجعلها مفتاح الفيلم، وعلاقة الحب بين بودي دورفمان وروز تبدو باهتة رغم اللقاءات، لكنها في النهاية ضحية “سر” بدا لروز بسيطا ولكنه مهم كتفصيل غير مجرى الحكاية، ورهن العشق، لكن للمخرج رأي أخرى في الخيانة، فبالنسبة له هي بوابة لعشق جديد وليس رحلة ضعف، لهذا مضى بودي دورفمان نحو حب آخر وتزوج وأنجب طفلا، بينما تحولت الحبيبة السابقة روز إلى مجرد زائر في حياته، تبدو في كثير من اللقاءات أقرب من الصديقة والأخت، ومع التكريز قليلا في حكاية الحب منذ البداية، تبدو كأنها علاقة ضعيفة، فالحب حسب وودي آلان في “كوفي سوسايتي” هو رحلة للبحث عن التغيير والتجدد، للحب قدرة على إضعافنا وله أيضا قدرة على منحنا القوة والنسيان والخيانة أيضا، لهذا تتقاطع الأحلام بقصة الحب، وتغفوا طموحات أحلام بودي دروفمان في دخول عالم هوليوود تارة، وتستيقظ تارة أخرى، وقد وقعت رهن التفاصيل، بينما لحظات الحب والمجد عابرة، مملة ومقلقة في حياة أبطال الفيلم جميعا، نملس من خلالها كيف أن الخيانة فنون، وأن الزمن عصر المادة والثروة هي المنتصر.ظل المخرج والكاتب وودي آلان وفيا لهواجس الهوية اليهودية، ومنحها حضورا خاصا في الفيلم، فهي نكهة النكتة في الفيلم، ترسم الابتسامة بين الحين والآخر، لا يعطي ملمحا إيجابيا ولا سلبيا مطلقا، ولكنه يجعلها مادة لطرح الأسئلة حول أهمية الأديان في حياتنا، حيث اقتنص وودي آلان تلك القواعد الدينية التي تجعل الإنسان يعيش عزلة الحياة السعيدة، بل تنوِّع تفاصيل أيامه وتمنحه بطاقة المرور إلى عوالم لا تستوعبها طاقة البشرية وانتصارها للمادة على حسب القيم وانكسارها.

مقال مؤرشف


هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.

تسجيل الدخول باقة الاشتراكات