"مخلوف البومباردي" ومشروع تصدير الفول المدمّس!

+ -

تثير الزيارات التي يقوم بها شكيب خليل، وهو من بات يعتبره العديد من الجزائريين الرئيسَ  القادم، عبر زوايا الطرق الصوفية في كل الاتجاهات الشفقةَ، تماما كما يثير الرئيس الحالي الشفقة والتلفزيون الحكومي ينشر صوره منذ 4 سنوات على كرسي متحرك، وتتلقفها بعدها القنوات الأجنبية لتسخر من الجزائريين جميعا. تطرح رحلات شكيب خليل المكوكية للبحث عن بركة الزوايا أسئلة كثيرة: إذا كان فعلا خبيرا كبيرا في عالم المال والأعمال والبيتروكيماء، فلماذا لا ينفع الناس بعلمه ويضع نفسه تحت تصرف الجامعات والمعاهد في الجزائر التي عاد إليها؟ ولا يزورها ليقدم صدقات جارية لطلبة العلم؟ لماذا يترك مستضيفيه في تلك الزوايا يلعبون به من خلال “ردمه” في برانيس وعباءات وشواشي في مشاهد مضحكة؟ هل يتساءل مَن هؤلاء الناس الذين ينفقون لاستقدامه إلى زواياهم وماذا يزنون في المجتمعات المحلية؟ لماذا لا يوجد من بين مستقبليه زملاؤه الذين اشتغلوا مع في سوناطراك ووزارة الطاقة والمناجم؟ لماذا يزوره الناس “خلسة” في إقامتيه في العاصمة ووهران؟هذه بعض الأسئلة، وأسئلة كثرة أخرى تتبادر إلى الذهن عندما تسمع واحدا من مضيفيه يحمل لقبا ثقيلا (رئيس جمعية كذا وكذا) يطرح على شكيب خليل قضايا وإشكالات لا تعنيه لا من قريب ولا من بعيد، ومع ذلك ينصت ولا يجيب. مثل ذلك الذي طرح عليه في مستغانم مشاكل المستثمرين مع البنوك والعقار، ومطالبته بأن يتدخل لتسهيل مأمورية الذين يحملون لقب “مستثمر” وهم يشتغلون في استيراد “الشيبس” و “القداحات” ولعب الأطفال وما شابهها من نشاطات يسمونها “اقتصادية”! لكن الناس في مستغانم تعرف مثلا أن مرافقا لشكيب أسّس ثروته على أنقاض “البنك الصناعي والتجاري” الذي صاحب انفجار فضيحة مثيلتها بنك “الخليفة” في نفس التوقيت، وكان شكيب خليل حينها وزيرا، وهو البنك الذي ساهم في نهب أموال البنك الخارجي الجزائري، واحد من الذين وردت أسماؤهم في “أوراق بنما” عشية حلول شكيب خليل زائرا لزاوية في مستغانم، عمر هبور الذي اشترك مع زوجة الوزير في فتح حسابات بنكية في “جنة مالية”، وهو أيضا المذكور اسمه مع فريد بجاوي في القضية المطروحة أمام العدالة الإيطالية.. الأمور “مشبّكة”!مشروع تصدير الفول المدمس إلى أمريكاوفي مستغانم، عندما كان شكيب خليل يعرض أفكاره قبل مأدبة الغذاء التي أقامها على شرفه السيناتورُ السابق لزرق حماني من حزب جبهة التحرير الوطني بمطعمه في صالامندر، حول مناهجه لتطوير الاقتصاد الجزائري، عرض “الدكتور” فكرة في قمة الروعة لم ينتبه لها حتى مستشارو مخلوف البومباري (عثمان عريوات) الذي غضب من صالح أوقروت المعروف “صويلح” ومصطفى “غير هاك” في فيلم “كرنفال في دشرة”، لما اقترحا عليه تصدير “الروينة” إلى الخارج.لقد طرح خليل فكرة تكثيف زراعة الفول.. نعم الفول، ذلك النوع من الخضر الذي تجد ربات البيوت الجزائريات صعوبة لفرض استهلاكه على أبنائهن، واقترح معالجته وتصديره “مدمسا” إلى أمريكا، فالناس في هذا البلد الذي عاش فيه شكيب خليل يحبون “الفول المدمس”! قالها بشكل عادي، في وقت لا يجهل أن الفول أخضر أو جافا، مدمسا أم “بيصارة”، لم يطور أية أمة ولكن ينفخ البطون التي تنفجر بعدها “فساء”.عندما تسمع شكيب خليل يقول مثل هذا الكلام تتساءل: هل الرجل بعقله؟ أم أنه يستهزئ بمستضيفيه؟ خاصة أنه يقول ما يقول بجدية ودون أن ترمش عيناه!الدكتور لا يحب الفقراءلكن شكيب خليل شخص مخيف جدا، بالإضافة إلى كونه مضحكا. وعندما لا ينتبه لما يقول يتفوه بكلام خطير، مثلا عندما تحدث عن الأضرار الاقتصادية لدعم الدولة لأسعار المواد الاستهلاكية واستفادة ميسوري الحال والأغنياء من هذا الدعم، ووجوب إيجاد آليات أخرى لحماية الفئات الهشة، حرص على التوضيح “ليس لأننا نحب الفقراء. ولكن يجب الحفاظ على السلم الاجتماعي وتحقيق التطور”. هكذا بكل برودة، لا يحب الفقراء. وهل يوجد في الناس أحد يحب الفقر؟ ولا يعلم إلا الله ما يوفر هذا الشخص للفقراء من مستقبل إذا كان مسعى إيصاله إلى قصر المرادية جديا.والأخطر أن المحيطين به مقتنعون بأنه الأنسب لخلافة الذي استقدمه من أمريكا. ولا يهمهم ماذا سيفعل بالفقراء من أمثال أولئك الذي قصدهم في الزوايا من حفظة القرآن الكريم الذين زينوا الصور التي التقطت له فيها وهم حوله، وغيرهم من الفقراء وأبنائهم الذين يعبر موكبه المتكون من سيارات فاخرة قربهم، وهم أسفل الطريق يجنون الفول في الحقول لتصديره إلى أمريكا، ليساعدوا أولياءهم على تحمل مشاق الحياة.ويتحدث شكيب خليل أيضا عن تصدير القمح والشعير الذي تستطيع أن تنتجه أدرار إلى البلدان الإفريقية، مع أنه يعرف أن تلك المناطق ورثت عنه مشاريع لتحطيم مخزونها من المياه الجوفية، والمؤكد أنه لم ينس أن التنقيب عن الغاز الصخري ترسم في عهده قبل أن يهرب ويترك إطارات سوناطراك “لقمة” بين أيدي القضاء الذي لاحقه هو أيضا. ويتبادر إلى الذهن وأنت تستمع إليه سؤال: لماذا لم يضع هو معالم ما يتحدث عنه اليوم لتذكره الصحراء الجزائرية وسكانها بخير؟البودي غارد والليموزين وطريق عمار غوليتحرك شكيب خليل في موكب متكون من عدة سيارات فاخرة، ويركب هو سيارة بيضاء تشبه “الليموزين”، ويمارس مرافقوه نفس الطقوس التي يمارسها حراس أعلى المسؤولين في الدولة، من لباس وتموقع، وحلق شعر الرأس والالتفات يمينا وشمالا. ويخيل للذين لا يعرفونهم أن “الدولة” هي التي سخرت أعوانها لحماية “الرئيس القادم”. ولما يظهر أعوان الأمن الحقيقيون، سواء درك أو شرطة و “دياراس” وهم بعيدون عن الجمع، يعملون عملهم دون الاقتراب ولا المشاركة في الولائم، يتأكد أن أولئك الذين يشبهونهم في الجثث والهندام وحلق الرأس ليسوا سوى مستأجرين “بودي غارد” تحت إشراف ابن الزاوية التي فازت بسبق استقبال خليل، والذي صار من ذلك الحين ظلا له ودليله في الزوايا.هؤلاء الحراس يأتمرون أيضا بأوامر شبان ببدلات أنيقة داكنة اللون، زرقاء أو سوداء. لا يتكلمون، لكنهم مجتهدون في التقاط ما أمكن من صور. يظهرون مرارا في التقارير المصورة المنشورة في الصفحة الرسمية للسيد شكيب خليل على فايسبوك. إنهم أبناء إخوته وأخواته وأصدقاؤهم الذين ربما يحلمون بمرافقة “الدكتور” إذا وصل إلى الأعالي، سيرافقونه ويصيرون مثل أبناء الوزراء والجنرالات ووجهاء النظام. وإن لم يصل فإنه على الأقل وفر لهم فرصة التجوال وزيارة بقع لم يكونوا يسمعون عنها أصلا ولم تكن إطلاقا في برامج تنقلاتهم.ويكون شكيب خليل في جولاته التي انطلقت من زاوية بالجلفة قد اكتشف “مشروع القرن” وإنجاز زميله السابق، الدكتور هو الآخر، عمار غول، وكذلك محطات الراحة والوقود التي توقف في الكثير منها للاستراحة ولقاء “معجبيه” الذين يخلدون لقاءهم الخاطف معه بالتقاط صور ينشرونها على صفحاتهم في فايسبوك. ولا شك أن شكيب خليل الذي لا يتوقف منذ أن عاد عن التفاخر بما أنجزه، يحس نفسه مساهما مع عمار غول في إنجاز ذلك الطريق الذي مولته الخزينة العمومية من عائدات صادرات المحروقات عندما كان وزيرا للطاقة. “الوزير” يحب الصحافة “السطحية”يأخذ شكيب خليل كل احتياطاته في لقاءاته مع الصحفيين في جولاته حول الزوايا، ولا يثق فيهم كما لم يكن يثق حتى في صحافيي “نادي الطاقة” الذي أسسه في الجزائر العاصمة عندما كان وزيرا للترويج لقانون المحروقات الذي ألغاه الرئيس بعدها. ورغم أنه عاد من “الباب الواسع”، فإنه لم يحظ ولو بكلمة في الجرائد الحكومية، ولم تبث له تلفزيونات توفيق خلادي أية صورة. وفي الندوات التي يعقدها بعد التبرك أو على هامش المأدبة، يرفع الجلسة فجأة عندما يحس أن أسئلة محرجة تقترب من الخروج من أفواه الصحفيين الذين يؤدون عملهم حسب قواعده وأخلاقه.لما سأله الصحفي المستقل عزيز مواتس في مستغانم لماذا لا يعلن صراحة أنه يعمل للترشح لرئاسة الجهورية، رد عليه “أنت الذي تقول هذا”. ووجه له أسئلة أخرى وجيهة فأجاب بعموميات وأوقف الندوة، لأنه ربما أحس أنه في “محيط معادٍ” وليس في “أرض محررة” مثل تلك التي وفرتها له البلاطوهات التي سكن فيها. ولا تستطيع أن تمنع نفسك من الإشفاق عليه، عندما يصغر أمام سؤال صحفي ولا يملك الشجاعة للإجابة عنه بصراحة ووضوح.سيناريو واحد في مواقع متنوعةتختفي الطقوس الدينية في الزوايا عندما يزورها شكيب خليل، ويحل الاستعراض محل الذكر والخشوع والابتهالات. وتتشابه الطقوس أينما حل منذ أن انطلقت جولاته إلى الزوايا. يأخذ “المأمور” رئيس جمعية الزوايا موعدا، ويشرع أثرياء محليون من روادها في التحضير المادي لاستقباله. ويتم إخطار السلطات المحلية، الإدارية والأمنية، بموعد ومكان الزيارة. فإذا كان هناك رئيس دائرة أو بلدية “شجاع” فإنه يكون في الصف الأول للمستقبلين ويضع وسائل الدولة في خدمة الزيارة. وتستدعي الزاوية مريديها وطلبة القرآن الذين يدرسون فيها. ويحضّر المريدون الكسكسي ولواحقه مع الحلوى والقهوة والشاي. وإذا كان المستقبلون أسخياء يستأجرون فرق الخيالة ويوفرون لهم البارود. ويشتري أحدهم برنوسا أو أكثر يهدونه للضيف ومرافقيه. ويرتدي مستخدمو مديريات الشؤون الدينية ألبسة المناسبة مندمجين وسط “الغاشي” لكي لا يكذبوا وزيرهم.ويصلي شكيب خليل في بعض الزوايا، ولا يستقبل القبلة في بعضها، عندما يحل فيها بعد أو قبل وقت الصلاة. ويحرك شفتيه عندما يتلو “الطُلبة” القرآن والأوراد. ولا يشك الذين يشاهدونه في أنه لا يحفظها. ويؤدي الجميع الأدوار دون تدخل مخرج أو سيناريست. ثم يهدونه مصحفا أو برنوسا ويعلقون سبحة حول عنقه. ويفعلون به ما كان يستحيل تصوره عندما كان في عز أيامه وزيرا للطاقة، وواحدا من أهم “رجال الرئيس”. ويغادر بعدها الزاوية بعد أن أدى ما جاء من أجله: الوقوف عند القبر ورفع يديه إلى السماء، ربما داعيا أن تتوقف متاعبه، أو للوصول إلى ما يريده الذين برمجوه ليفعل ما يفعل. ويترك موكب السيارات غبارا كثيفا في الزاوية بعد أن يغادر.

مقال مؤرشف


هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.

تسجيل الدخول باقة الاشتراكات