38serv

+ -

سقطت الأقنعة عن قادة السياسة من رؤساء حكومات ووزراء سابقين وحاليين، ومشاهير الرياضة والفن، بل حتى المجرمين، الذين دسّوا ملايير الدولارات بالدول الموصوفة بالجنات الضريبية، كونها تتميز بنظام سياسي في منأى عن حركات انقلابية أو انفصالية، وبمنظومة قانونية ثابتة وجبائية مرنة، ساعدت هؤلاء على “إخفاء” أموالهم وتهريبها، ومهدت لهم الطريق لغسلها في ما يسمى في لغة التجارة والاقتصاد “أوفشور”، ومن ثم إدخالها في مدار الأموال على أنها شرعية، والأسئلة المطروحة في أذهان الملايين: كيف تشتغل “غسّالة” الأموال؟ وكيف تتم العملية؟ وما هي الآليات القانونية لمحاسبة هؤلاء؟ هذه بعض الأسئلة التي يطرحها الناس، وطرحها أيضا الجزائريون، لاسيما أن اسم وزير حالي وقيادي في حزب من أحزاب الموالاة كان من بين الأسماء التي ظهرت في ما بات يعرف بـ “بنما بايبرز” التي “فضحت” مثل هذه الممارسات غير القانونية. وقد حاولنا في هذا الملف تسليط الضوء على هذه “الجنات الضريبية”، وعلى طرق محترفي التهرب الضريبي، علاوة على تبسيط بعض المصطلحات التي تتعلق بهذا الملف مثل “أوف شور”، وغيرها من المحاور.  النعيم الضريبي دولة ذات نظام سياسي هادڈئ لا خوف عليه من الحركات الانقلابية تلقف الملايين أخبار الفضيحة بلهف، وما هي إلا سويعات حتى تعالت الأصوات ونطقت الحناجر بمفردات “ارحل” مخونة من وردت أسماؤهم في ملفات “بنما بايبرز”، في شكل عقوبة جماعية أزاحت رئيس الوزراء الاسكتلندي ووزير الصناعة الإسباني، فيما لا يزال آخرون صامدين أمام رياح الاحتجاجات العاتية كرئيس الوزراء البريطاني. وإلى جانب العقوبات السياسية والشعبية، شغّل القضاة أيضا محركات الأجهزة القضائية المحلية، ودخلوا على الخط لإمساك القضية بعروة القانون للتحقيق في القضية.تمرّس السياسيون ومشاهير الفن والرياضة وحتى المجرمون في لعبة “أوف شور” وغسل الأموال القذرة الناجمة عن نشاط تجاري أو فساد أو عمولات أو جرائم منظمة، بعدما عرفوا أن خلف البحار، هناك في الجرز البعيدة وخلف الجبال في أقاصي الأرض، توجد جنان ضريبية آمنة تحتضن ودائعهم وتحميها من الاقتطاع الضريبي والمراقبة.دول أو جزر منعزلة جغرافيا، لكنها موصولة بالعالم بحبال الفساد، لما على أراضيها من بنوك تقبل عائدات الأنشطة الإجرامية المنظمة، شريطة أن تكون وقائعها خارج حدودها.. مثل تسيير الأملاك المسروقة، وأخرى تتخذ وصف “بنوك الأقليات اللاتينية”، مثل بنوك ولاية فلوريدا التي لها تاريخ حافل في إيواء أموال عصابات تجار المخدرات، كما ورد في موقع “ساسة بوست”.عبقرية شريرةتطول قائمة البلدان لتصل إلى حوالي 70.. لكن الأهم ليس العدد، وإنما كيفية اشتغال الماكنة، إذ يتم سحب الأموال من الدولة الأم وحقنها لتسري في عروق اقتصاديات البلدان التي لا تفرض الضرائب، ما جعلها مقصدا للسياسيين والفنانين والرياضيين كما المجرمين، لقبر أصولهم حتى لا يسددوا ما عليهم من مستحقات الضرائب، مستفيدين من هذا التباين في الأنظمة الضريبية، وغياب اتفاقيات دولية حول تبادل المعلومات، وكذا انعدام قائمة موحدة للشركات الحقيقية.وقد رسم هؤلاء خارطة الطريق لبلوغ “الفردوس”، ونقطة بدايتهم كانت الشروع في تحويل جزء من أرباح الشركة الأم لفرعها في الجنة الضريبية، بوصفه مركزا ماليا، خارجيا في نظر القانون، لكنه في فقه المحتالين “أوف شور” بمعنى آلية لتهريب الأرباح من مقص الضرائب، وتتم عملية التحويل في شكل تكاليف خدمات منتفخة بفواتير مزيفة تعمل كمقطورة لإخراج أكبر مبلغ مالي ممكن، أو في شكل اقتراض الفرع من الشركة الأم بنسب فوائد عالية جدا لتبرير عملية انتقال الأموال، أو في شكل تمويل مشاريع وهمية موثّقة زورا بسندات وفواتير منتفخة.كما يلجأ هؤلاء إلى تأسيس مؤسسات تجارية تنشط في مجالات محددة في بلدانهم وضخ مبالغ محدودة في حساباتها تتماشى وطبيعة نشاطها، لتفادي الاقتطاعات الضريبية على الأرباح وتجنب شكوك الجهات التي تضطلع بمهمة مراقبة حركة الأموال ومصادرها، والتي تحرص على أن تكون مبررة وشرعية، بعكس الأموال التي يتم تهريبها، فإنها تكون تحت اسم “شركات وهمية”، وموجودة في حسابات تتمتع بسرية تامة، لا تخضع لأي قوانين خاصة بالمراقبة والضريبة.خاصية المناخ المعتدلتغوي بلدان الملاذ الضريبي الأثرياء لأنها لم تبرم اتفاقيات لتبادل المعلومات حول حركة وهوية الأموال لديها، وتتيح لهم تأسيس فروع لشركاتهم الموجودة في البلد الأم ذي النظام الضريبي المتشدد، ليتركوا نشاط تلك الشركة الأم مقتصرا في أنشطة البحث العملي، وهي المجالات التي تستفيد من تخفيف أعباء الضرائب، فيما يتم التركيز على الأنشطة الإنتاجية الثقيلة في دول النعيم الضريبي حتى تكون في منأى عن الضرائب.وتبث دول الملاذات الطمأنينة في نفوس الأثرياء لاستقطابهم بتسويق صورة في نوادي غسّالي الأموال أن نظامها السياسي شفّاف ولا خوف عليه من حركات التمرد أو انقلابات من شأنها تعطيل عجلة الاستثمارات، كما تروج بأن اقتصادها يتسم بالاستقرار على المدى الطويل فلا يُخشى على المشاريع من خطر التأميم رغم مرور الزمن، وبالنسبة للنظام القانوني فلا وجود لتشريعات أو تعديلات مفاجئة في النصوص تعيد النظر في الاستثمارات الخارجية.وتضمن أيضا تركيبة اجتماعية مهنية كالمحامين والمحاسبين وشركات الخدمات التي تتولى إدارة ما يسمى “أوف شور”، بما فيها سرية المعاملات البنكية، سواء أكانت محمية كما هو حال لوكسمبورغ وسويسرا في أوروبا، أو عصية على “فضول” الإدارات الضريبية.خاصية سرية المعاملاتويفتش الأثرياء ورجال السياسة على وجه الخصوص عن تلك البنوك التي تتمتع بكفاءة عالية في إضفاء السرية على التعاملات والتحويلات المالية، بحيث تتطور العلاقة بين الزبون في الغالب لحد إبرام عقود بينهما، يلتزم فيها البنك بضمان السرية، وفي حالة عدم الوفاء بالالتزام وانكشاف المستور، تترتب عنه مسؤوليات مدنية وتقع الأعباء على عاتق المؤسسة، وهناك بعض الدول تقرر متابعات جنائية كي تحافظ على “بريق” سمعتها كملاذ ضريبي.وليس ما سبق ذكره فقط معايير لإطلاق وصف “الملاذ الضريبي” أو “الجنة الضريبية” على دولة ما، وإنما تشير الدراسة التي مرجعها الدكتورة سوزي عدلي ناشد (مدرّسة الاقتصاد في العلوم المالية بكلية الحقوق جامعة الإسكندرية في مصر) أن تكون عملتها ذات قابلية للتحويل بسرعة إلى البلد الأم، إلى جانب امتلاكها شبكة مواصلات متطورة ونسيجا اتصاليا متينا، وخطوط طيران تتيح الاتصال بين الدولة الأم وتوابعها.الخبير المالي فرحات آيت علي لـ “الخبر” “أمريكا الوحيدة التي فرضت على بنما حق مصادرة الحسابات بحجة مكافحة الإرهاب”ظلت عدة جزئيات في أكبر فضيحة عالمية “أوراق بنما” غامضة في الأذهان، فما معنى مصطلح “أوف شور” في الحقل المالي؟ ما يسمى بالإنجليزية “أوف شور” هي كل شركة أو حسابات تُؤسس وتُسيّر خارج دائرة الرقابة والإجراءات القانونية للبلدان الأصلية لأصحاب الأموال، بمعنى أن كل من لديه أصول يرغب في إخفائها عن عيون الضرائب يقذف بها في شركة أو حساب متحرر من تلك الرقابة، فهذه شركة أو حساب “أوف شور”.وتستوطن هذه الشركات في دول غير مقيدة في نشاطها المالي الوطني بمعاهدات دولية حول حركة الأموال الداخلية، وكذلك فيما يخص التعاون القضائي والجنائي، وتكتفي فقط بخصم الضرائب من ما تجنيه مكاتب التوطين والمحاماة والبنوك لقاء نشاطها في تسيير شركات “أوف شور” فقط، دون المساس بعائدات الشركة في حد ذاتها.كيف تتم عملية إخفاء الأموال عن الضرائب وغسلها بشركات “أوف شور”؟ يستطيع أي شخص طبيعي أو معنوي (مؤسسة) إنشاء شركة من هذا النوع وفتح حساب بنكي لها في بلد موصوف بأنه جنة ضريبية في بضعة دقائق، وبعمولة لا تتعدى 1000 دولار أمريكي للشركة البسيطة، و20 ألف دولار للشركات المركبة والمتعددة المنابع والمصبات، فكلما تعددت التركيبات القانونية والمالية ازداد التمويه على المالك الحقيقي، وتتدعم الحصانة من المراقبة وترتفع معها العمولة السنوية.عمليا يتم الاتصال بمكتب محاماة موجود بدولة مصنفة كجنة ضريبية لالتماس تأسيس شركة يتولى تسييرها شخص يكون أحد المستأجرين في عقد التأسيس، لكنه لا يتمتع بأهلية التصرف فيها دون إذن المالك الحقيقي المُدوّن في عقد سري بين الطرفين والمستتر في العقد الرسمي، كما يكون للشركة حساب بنكي، ولا يهم إن كان في نفس المكان أو في غيره، وتبقى الأمور تحت تحكم المالك الحقيقي عن بعد، وإن تطلبت إحدى المعاملات إمضاء المالك فإنه يقوم بذلك، لكن متقمصا صفة مسير بتوكيل من المسير الرسمي، حتى يكون حاضرا جسديا وقريبا من الإجراءات، وفي نفس الوقت مختفيا إداريا وفي الوثائق، وهذا يمحي الأثر وهي من التقنيات التي توظف في اللعبة.هل يتم تهريب كل الأصول بالطريقة ذاتها مهما تنوع مصدرها وطبيعة النشاط الذي أنتجها؟ إذا كانت الأموال عائدات من أنشطة إجرامية منظمة أو ذات مصادر مشبوهة فإنها تُصب مباشرة نقدا في حساب “أوف شور” لشركة مؤسسة خصيصا لهذا الغرض مقرها دولة مصنفة كجنة ضريبية، وهي تحولها بدورها إلى عدة شركات وهمية ثانية وفي جنات ضريبية أخرى لطمس الأثر كليا، لتتولى هذه الأخيرة مهمة تبييضها باقتناء عقارات وأسهم في شركات تصب فوائدها في شراء سندات دون تسمية، يُمكن تداولها في شراء عقارات وأسهم أخرى إلى غاية تبييضها من خلال تكرار العملية إلى محو سبل الوصول لمعرفة مصدرها الإجرامي الأصلي والأول وتصبح مغسولة.وبالنسبة للأموال الشرعية التي يتقاضاها كبار التجار ومشاهير الرياضة والفن ويريدون قبرها لتهريبها من الضرائب الثقيلة المفروضة عليهم في بلدانهم الأصلية أو بلدان إقامتهم، يدفع صاحب الأموال الجزء المتستر عليه نقدا في حسابات تحت اسم الشركات الوهمية، أو تحول كأنها مقابل لخدمات غير مادية تفوترها الشركة الوهمية التي هي في حد ذاتها مملوكة للشخص الراغب في إخفاء مداخيله على الدولة الأم أو التي يقيم فيها.وفيما يخص الأموال الشرعية والمعروف أصلها لكن يُراد توظيفها في عمليات مشبوهة كتمويل الإرهاب والمؤامرات السياسية عبر العالم، تعمد بعض الأجهزة إلى ضخ الأموال في حسابات لشركات “أوف شور” التي تحولها بدورها إلى شركات أخرى في عمليات متتالية ومتفرقة ومعقدة لطمس معالم الطريق، لتصل في آخر المطاف إلى حسابات أخرى تحت تصرف شركة تابعة للطرف المستفيد والمشرف المباشر على المؤامرة أو من يدير الخلية الإرهابية ويصرفها نقدا على أتباعه وشراء المعدات والذمم.لكن في جميع الأحوال يمكن التصرف في الأموال دون الظهور للعلن، سواء أكانت نقدا حيث المبالغ زهيدة بالمقارنة مع حجم أعمال المتخفي في تعاملاته الرسمية المعلنة، وإما شراء أصول وعقارات باسم الشركات الوهمية، كما تفعل التنظيمات الإرهابية والإجرامية، مع ضمان كل حقوق الملكية والتصرف وحتى التوريث.أما إذا كانت الأموال عمولة أو رشوة تلقاها موظف أو وسيط في صفقة مشبوهة، فيتم تحويلها مباشرة مقابل تلقي فاتورة خدمات مقدمة من الشركة المركبة خصيصا لهذا الغرض، وتحول من الحساب التجاري الرسمي للشركة المتعاقدة إلى الحساب المموه للشركة “أوف شور” الموجودة في جنة ضريبية.وما هي الإجراءات الإدارية في حال اكتشاف أن الأموال مشبوهة لكنها مغسولة في أنشطة وهمية؟ إذا تم اكتشاف الأموال المغسولة أو المموهة فهناك إجراءات قضائية وإدارية يتم اتخاذها في البلد الأصلي للمتورط، ولا تطال هذه الإجراءات سوى المبلغ المكتشف أو العملية المكشوفة، دون تجميد الأموال التابعة لنفس المتورط وكانت ناشطة بصفة علنية، كما أن الأموال المحقونة في حسابات موطَّنة في جنات ضريبية لا توجد إمكانية لاسترجاعها، إلا في حال وجود أدلة دامغة على أن نفس الشركة المملوكة لنفس الشخص الطبيعي أو المعنوي تسلمت مبالغ أخرى من نفس الطرف أو أطراف أخرى بصفة رسمية وعلنية.هل ستوقف فضيحة بنما مستقبلا شركات “أوف شور” وعمليات التهرب الضريبي في العالم؟ لن تختفي هذه الشركات والجنات الضريبية من الوجود، لأنها ببساطة أنشئت كخَدوم للأنظمة السياسية الرسمية وغير الرسمية، أي الدولة العميقة كما تُسمى في أمريكا “ديب ستايت”، وتؤدي خدمة لا أخلاقية في نظر العامة ولكنها ضرورية في نظر “الأوليغارشية” العالمية، بما فيها من تدَّعي المثالية ومن تروِّج للاشتراكية الراديكالية، فهي وليدة حاجة عند أقطاب العالم، ولولا ذلك لكانت الدول الغربية منعت شركاتها من دفع مستحقات خدمات لشركات تحمل عناوين في جنات ضريبية معروفة وفي حسابات مسجلة في بنوك يعلم الجميع أنها ماكنات لتبييض وغسل الأموال.البلد الوحيد لحد الآن الذي فرض على بنما حق النظر والمصادرة على الحسابات هو الولايات المتحدة، وذلك في إطار مكافحة الإرهاب والمخدرات، وليس على كل الحسابات، بل التي تزعج أمريكا وحصريا في بنما فقط، أما هونغ كونغ أو مكاو أو سنغافورة فلا تأبه للسياسة الأمريكية المزدوجة المعايير. 15% من ثروات البلدان النامية في الجنات الضريبيةقدر تقرير التجارة والتنمية لعام 2014 بأن إجمالي خسائر الدول النامية بسبب التهرب الضريبي، والتدفقات المالية غير المشروعة خارج تلك البلدان، يتراوح بين 66 مليار دولار و84 مليار دولار سنويًّا. وذكر التقرير ذاته أن ما يتراوح بين 8% و15% من صافي الثروة المالية للدول النامية يتم الاحتفاظ به في دول “الملاذ الضريبي”.كذلك قدر البنك الدولي ميزانيات الجزر الصغيرة في الكاريبي والمحيط الهادي والهندي بـ18 تريليون دولار، فهي تمثل مراكز مالية ضخمة بما يساوي ثلث الناتج المحلي للعالم بأكمله في هذا العام.كما ذكر تقرير مكتب المساءلة الحكومي في أمريكا (GAO) أن 83 شركة من قائمة أكبر 100 أمريكية لديها فروع في المناطق الموصوفة بالجنات الضريبية الآمنة، ويرتفع الأمر أكثر في أوروبا لتسجل شبكة “عدالة الضرائب” الأوروبية أن 99 من أكبر 100 شركة في القارة تستخدم فروع وحيل في تلك المناطق.أنواع الجنات الضريبية تتنوع طبيعة الدول الموصوفة بالجنات الضريبية، وتتخذ عدة أشكال أبرزها مراكز مالية خارجية “أوف شور”، وهي مناطق تتمتع بقوانين وتنظيمات مخالفة لباقي الدول في المجال المصرفي والضريبي.المنطقة الحرة: هي مساحة جغرافية من إقليم الدولة المضيفة، لها منافذ برية وبحرية وجوية خاصة، وتعزل عن بقية أجزائها، ويجري تنظيم الأنشطة الاستثمارية بقواعد قانونية واقتصادية وإجرائية خاصة بهدف استقطاب الاستثمارات الأجنبية. وتكون إما تجارية قريبة من الموانئ أو داخلها، وإما صناعية، وتكون معزولة جمركيا، في صورة منطقة للصناعات التصديرية، وتكون موصولة بالأسواق العالمية بمنتجات تنافسية وذات جودة. وتستفيد من حوافز جمركية وجبائية مغرية وتسهيلات، ومنها نجد مثلا سنغافورة وتايوان وكوريا الجنوبية وهونغ كونغ.المنطقة المالية الحرة: وهي تجمعات بنكية نشاطها تبادلات مالية، تتمركز في شكل بنوك ومصارف تقوم بعمليات إيداع وقروض، وفي العادة هي موطن لفروع الشركات الأصلية التي تسعى إلى التخلص من الرقابة في الدول الأم، وتتهرب من تحديد سقف الفوائد ونسبة الاحتياط الإجباري، ومن أبرزها بنما والبحرين.المنطقة الحرة للمقاولات: وهي أكثر النماذج حداثة، وينحصر وجودها في البلدان المتقدمة المانحة لتسهيلات جبائية للأنشطة الاقتصادية والخدماتية.منطقة المجتمع العلمي: وهو شكل جديد ورد في تقرير اللجنة الدولية المكلفة بدراسة المناطق الحرة، يشتغل على البحث العملي ويستدعي توفر أشخاص أكفاء وذوي خبرات علمية كبيرة. وتحتضن تايوان وسنغافورة بعض التجمعات العلمية.المحامي والناشط السياسي طارق مراح لـ “الخبر” “على الدولة الأم متابعة المتورطين في تبييض الأموال” قال الناشط السياسي مراح طارق إن الهيئة الوحيدة المخولة بفتح التحقيق حول كل من ورد اسمه، ومحاسبة ومعاقبة المتورطين في فضائح تبييض الأموال والتهرب الضريبي بالخارج، هي الأجهزة القضائية التابعة للدولة الأم التي يحمل المتورط جنسيتها، مشيرا إلى إمكانية القيام بتحقيق مشترك بين الدول المتضررة لتعقب حركة وأثر تلك الأموال.وذكر المتحدث أن القانون الجزائري يعاقب على عمليات إخراج الأموال والقذف بها في مدارات مشبوهة كالشركات الوهمية لحمايتها من الضرائب، والنص القانوني الذي يجرّم الفعل متمثل في المادة 398 فقرة 1 مكرر التي تجرّم عمليات تبييض الأموال، لكن حين تخرج الأموال فإنها تكون تحت حماية بلدان تلك الجنّات الضريبية.ووصف مراح هذه الجرائم بالمركبة، كونها تضم سلسلة جرائم متتالية، مشيرا إلى وجود العديد من الممارسات غير القانونية التي تسبق جريمة التهرب الجبائي، كتبييض الأموال والفساد وإخراج الأموال من الدولة دون تبريرها، أو خارج إطار رسمي معروف، إلى جانب حالات التنافي، وهو قانون جزائري يمنع البرلمانيين والمسؤولين السامين من تأسيس نشاطات موازية خلال مدة تقلدهم تلك المسؤولية.وأضاف مراح في حديث إلى “الخبر” أن هناك بلدانا مصنفة كملاذات تفرض ضرائب خفيفة وتحمي الأموال التي تسبح في فلك مصارفها من الرقابة، لكنها تسمح بمراقبة حسابات عملائها، شريطة أن تتقدم حكومات البلدان المتضررة من المتهربين بطلبات رسمية، ومثال ذلك نيوزيلندا، دبي، كوستاريكا، سنغافورة، وجزر موريس والبحرين.وعلى النقيض، يتابع المتحدث، تجد جنّات مغلقة كمرتع لإقامة الشركات ومراكز الأموال “أوف شور”، وفضاء للتعاملات المالية، ولا تفرض ضرائب، كما لا تبحث عن مصدر الأموال التي تتحرك في مصارفها واقتصادها، ولا تقدم معلومات وتفاصيل عن أولئك الذين يضخون أصولهم فيها.وعن الفرق بين تبييض الأموال وغسيلها، أوضح المحامي مراح أن الأول يكون في شكل تحويل الأموال من دولة إلى أخرى، وانتقال غير قانوني للأصول دون مبرر رسمي، أما الغسيل فيكون داخل دولة معينة عن طريق مزج أموال قذرة غير مبررة بأخرى نظيفة وتسير عبر عدة مشاريع وقنوات، حتى يتم إتلاف أثر الفساد فيها وتذهب رائحته.وبالنسبة لدور الهيئات والمنظمات العالمية التي تكافح الفساد، قال محدثنا إنه بإمكانها البحث والاستقصاء عن الفساد في العالم وتحرير تقارير بشأنه، لكنها لا تأخذ صفة الإلزامية أو سلطة المحاسبة، وإنما يؤخذ بمضامينها على سبيل الاستدلال لا غير، وهي تقارير ذات مصداقية على الصعيد الدولي.المجموعات الأربع لبلدان الملاذ الضريبي يضم العالم أكثر من 80 منطقة “أوف شور” مقسمة إلى 4 مجموعات. منطقة أوروبية، وبريطانية، وأمريكية، ورابعة أماكن هامشية غير مصنفة مثل الصومال وأروغواي.المنطقة الأولى الأوروبية: تضم سويسرا، ولوكسمبورغ التي سبقت الدول الأوروبية جميعًا في العمل منذ عام 1929 في شركات “أوف شور”، وتصنف بأنها من أكبر ملاذات الضرائب في العالم، وهولندا التي تُمثل أموالُ “أوف شور” فيها حوالي 18 تريليون دولار، أي 4 أضعاف إجمالي الناتج الهولندي. كما تضم تلك المنطقة النمسا وبلجيكا، والدول “الماكرو أوروبية”، مثل موناكو، وليشتنشتاين، وجزر ماديرا البرتغالية.أما المنطقة الثانية، فتضم أكثر من ثلث الأموال المهربة التي يريد أصحابها حمايتها من مقص الضرائب في دولهم، وهي جزر تحت رحمة التاج البريطاني تشمل جرسي، وجورنزي، وآيل أوف مان، وبجانبها المناطق الواقعة عبر البحار، مثل: جزر كايمان، برمودا، فيرجين، الترك وكايكوس، جبل طارق، وتخضع جميعها لسيطرة بريطانية. ويقع في نطاق تلك المنطقة أيضًا هونغ كونغ، وجزر البهاما، وجزر فانتواتو بجنوب المحيط الهادي، وإيرلندا ودبي.المنطقة الثالثة: “أوف شور” أمريكي، وله 3 مستويات:المستوى الأول: البنوك التي تقبل بشكل قانوني عائدات بعض الجرائم، مثل التعامل في الأملاك المسروقة، طالما أن تلك الجرائم تم ارتكابها في الخارج.والمستوى الثاني: بنوك الأقليات اللاتينية، مثل بنوك ولاية فلوريدا التي يربطها تاريخ طويل في إيواء أموال عصابات تجار المخدرات، والتي غالبًا ما ترتبط بشراكات معقدة مع الملاذات الكاريبية البريطانية القريبة.والمستوى الثالث: الجزر التابعة لأمريكا، مثل مارشال (كانت مستعمرة يابانية) والتي تُعتبر مكانًا رئيسيًّا لتسجيل السفن بالخارج، وكذلك بنما التي تُعتبر بالوعة غسيل الأموال في العالم.أما المنطقة الرابعة، فهي دول مثل أوروغواي والصومال والغابون، ولا يمكن تصنيفها ضمن المحاور السابقة، ولكنها تلعب دورًا كبيرًا في تسهيل عمل شركات “أوف شور” التي تعتبر الدرع الواقي للأموال المهربة. ففي الغابون تم تخصيص ملايين الدولارات كصناديق لأموال “قذرة” للشركات والنخب الفرنسية.ما هو التهرب الضريبي؟التهرب الضريبي بالمفهوم الاقتصادي هو نقل الأموال بغرض الاستفادة من ميزان وإعفاءات ضريبية، لكن التهرب هنا يمس الاقتصاد المحلي لتلك الدول، ومن أهم الآليات التي تستخدم في التهرب الضريبي على المستوى الدولي عن طريق الجنات الضريبية، نجد الأسعار القابلة للنقل والتحويل، وكذلك نجد آلية المنشأة الثابتة.وتشير دراسة أعدت سنة 2013 تحت عنوان “خصائص التهرب الضريبي”، إلى أن الأسعار القابلة للنقل تتجسد حسب الاقتصادي تزوكا في تحويل السلعة أو بيعها من طرف الشركة الأم إلى توابعها، من خلال ثمن محدد بين أعضاء عائلة الشركة الواحدة، ومن هنا يمكن للشركات تحديد الأسعار بما يتناسب مع حاجاتها وتخفيض مقادير نفقاتها لتنخفض مع ذلك الضرائب، كما أنه في هذا الوضع لا تؤخذ الأسعار الجارية المتداولة في الأسواق بالحسبان، وإنما تقوم الشركة الأم وفروعها في الخارج بتسجيل أسعار الصفقات المبرمة بين أفراد العائلة الواحدة في دفاتر خاصة، على نحو يترك المجال للتلاعب بالأسعار، وفق عبد الفتاح أبو شرار في كتاب “الاقتصاد الدولي”. “أوف شور” بنظرة اقتصادية اتفقت منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية وكذا مجموعة العامل المالي وعدة هيئات مالية أخرى، على أن “أوف شور” هو كل دولة تتوفر على نظام خاص للأنشطة المالية يختلف عن الأنظمة الدولية، قصد إغواء حركة رؤوس الأموال، فهي لا تفرض ضرائب على رؤوس الأموال التي تكون في مدار اقتصادها.وعرَّف صندوق النقد الدولي المراكز المالية “أوف شور” بأنه “كل نظام مالي لدولة ما يسمح لحركة مالية غير متوازنة الحجم بالدخول في التعاملات العادية في الاقتصاد الداخلي”.هذه أبرز الجنات الضريبيةظهرت الجنات الضريبية بالضبط سنة 1934 في سويسرا، وبدأت تنتشر في العالم حتى بلغت حوالي 70 منطقة، تحوّلت إلى حاضنات لعشرات التريليونات من الدولارات. وأشارت دراسة حول خصائص الجنات الضريبية أنجزت في 2013 إلى أن صندوق النقد الدولي قال في أحد تقاريره إن بلدان الجنات الضريبية تضم أكثر من 400 مؤسسة مصرفية، ونحو ملوني شركة في العالم.وتقع معظم الجنات الضريبية في منطقة جزر الكاريبي وأوروبا وجنوب شرق آسيا والأمريكتين، ومن أشهرها جزر وايكمان، وهي جزر بريطانية تقع غرب بحر الكاريبي، وفي آسيا تحولت هونغ كونغ وسنغافورة بفضل السرية المصرفية إلى ملاذات ضريبية.وفي القارتين الأمريكيتين نجد أوروغواي وجزر الأنتيل التابعة لهولندا، وبنما، وجمهورية الدومينيك وبرمودا وبليز، وجزر البهاماس. أما في الشرق الأوسط، فالبحرين وبروناي ودولة الكيان الصهيوني وقليلا لبنان. وفي أوروبا توجد قبرص، أيرلندا، وجبل طارق، ولوكسمبورغ، ومالطا، وموناكو، وسويسرا، والمملكة المتحدة. وفي آسيا، تتصف جزر مارشال واليابان ومكاو وتاهيتي وتايلاند والفيليبين وغيرها بالملاذات الضريبية. أما في إفريقيا فهناك طنجة بالمغرب، وسيشل وليبيريا وجيبوتي.

مقال مؤرشف


هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.

تسجيل الدخول باقة الاشتراكات