عدوى" قصات الشعر" الغريبة تنتقل إلى رؤوس الأطفال

38serv

+ -

دخل محلا للحلاقة في الأبيار بأعالي العاصمة مصطحبا ابنه وجلسا بقاعة الانتظار ينتظران دورهما، راح الطفل يصوب نظرات إعجاب لشباب مراهقين انتهوا من الحلاقة لتوّهم، ورسموا نماذج تسريحات شعر مستوحاة من مشاهير الرياضة والفن، بعدما منحوها مسميات جزائرية مثل “كوب تور، وكوب شوفال، وتاتواج وحتى واي واي”، وما هي إلا دقائق حتى خرج الطفل عن صمته، معلنا عن رغبته في تقليد قصة شعر أحد المراهقين المقلدة من أحد نجوم الرياضة.. تفاجأ الوالد بالمطلب وارتسمت على محياه علامات الحيرة والإحراج وسرعان ما واجهه بالرفض القاطع أمام الزبائن، ما فتح باب الجدال على مصراعيه بين رافض ومرحب.في جولة بمحلات الحلاقة في العاصمة، استوقفنا موقف آخر غريب بحي “ساكري كور” بالجزائر الوسطى، طفل صغير عمره لا يتعدى الست سنوات، جالس على كرسي الحلاقة ويشير بيديه بحركات توحي بأنه يقدم توجيهات ومعلومات للحلاق للقيام بتعديلات في أماكن معينة من رأسه كي ينجح في “استنساخ” نموذج التسريحة التي استلهمها من لاعب لكرة القدم معجب بأدائه.. وهو المشهد الذي استفز أحد المواطنين ودفعه إلى الكلام سائلا الطفل عن مصدر التسريحة بنبرة اللائم.. تغيّرت ملامح الطفل موحية بأنه في حالة خجل كبير لدرجة أنه عجز عن الرد.. ليواصل الكهل لومه للطفل  ونصحه بالتخلي عن هذه الأفكار الدخيلة.“استيراد التسريحات”على الرصيف بحي باب الواد العتيق غير بعيد عن “الساعات الثلاث”، يسير مواطن حاملا ابنه في حضنه، يبدو من مظهره أنه لا يتجاوز 3 سنوات، غير أن تسريحة شعره مخالفة لعمره كونها تشبه تلك التي يقوم بها المراهقون خاصة من يتابعون بطولات كرة القدم والمعجبين بأبطالها والمتأثرين بقصات شعرهم، كلاعب البارصا نيمار، وهو ما دفعنا للبحث عن محل حلاقة قريب. لم يكن البحث عن محل الحلاقة صعبا بحي شعبي عتيق كباب الواد.. فبعد خطوات، عثرنا على محل أسفل عمارة تقاوم الانهيار منذ الحقبة الاستعمارية.. لم نتردد في الدخول والاقتراب من زبائن كانوا جالسين يتجاذبون أطراف الحديث حول يومياتهم ومشاكلهم، طرحنا الموضوع للنقاش، وما هي إلا ثوان حتى تلقفه الزبائن وشرعوا في تشريحه بوجهة نظر “شعبية”، فتعالى فجأة صوت كهل يبدو من لباسه أنه من فئة البحارين كونه كان يرتدي قميص “بول شنغاي”، أبان عن رفض كبير لما يجري وانتقد تصرفات الأولياء واعتبرها تنم عن ضعف في الشخصية وعن سوء تنشئة الأولاد والتركيز سوى على الاستسلام لنزوات صبيانية، ليقاطعه شاب بدا أنه في العشرين من عمره مغالبا الكهل باحترام، محاولا تمرير أفكاره على أن الظاهرة عادية، ولا تحتاج إلى تضخيمها وإعطائها حجما أكبر منها، فهي مرحلية فقط.الأولياء في قفص الاتهامغادرنا المحل وصورة الطفل وتساؤلات الكهل لا تزال عالقة في أذهاننا.. وأضفنا له سؤالا آخر: من المسؤول عن هذا؟.. وبعد حوالي نصف ساعة من السير في ثنايا أحياء العاصمة لمحنا محل حلاقة آخر.. لكن شكله الخارجي وواجهته يدلان على أنه يشتغل بمعايير عالمية، بحكم المواصفات التي كانت عليها القاعة مرآة تغطي الحائط كله.. كراس مغلفة بالأسود والأحمر وأرضية ببلاط عصري وبذلات الحلاقين في شكل موحد إلى جانب ترتيب الأدوات والأمشاط.قادنا الفضول إلى داخل المحل، واستأذنا أحد الحلاقين للحديث عن موضوع انتقال “عدوى” التسريحات الغريبة إلى الأطفال الذين لا تتجاوز أعمارهم 5 سنوات، هنا تكلم أحدهم مقاطعا “الأولياء هم المسؤولون عما يحدث، كونهم يعتبرونه أمرا عاديا يعكس حبهم للرياضيين المشهورين، وكذا تقليدا لأبناء الحي، أما نحن فإننا نسدي النصيحة إذا كانت التسريحة غريبة كثيرا ولا تتماشى مع ثقافتنا، لكن مع إلحاح الزبون يتوجب علينا الشروع في الحلاقة والأسف يغمر صدورنا”.أخذ زميله الكلمة وشرع في الحديث متعجبا من ولي يأخذ ابنه إلى الحلاق ويطلب منه إجراء تسريحة شعر غريبة مقلدة من لاعب لكرة القدم أو حتى مجهولة المصدر دون خجل، لا يدري أنه يقوم بتحطيم شخصية ابنه وصقلها بما يسير عكس تقاليد المجتمع ومحيطه، واعتبره فرض نمط حياة معين على الأطفال بينما قد يرفضونه لو كان كبارا، وهذا من الأخطاء الفادحة التي يرتكبها الأولياء.  

مقال مؤرشف


هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.

تسجيل الدخول باقة الاشتراكات