+ -

لم يرسل الله أنبياءه ليعلّموا النّاس: كيف يحيون أرضًا مواتًا؟ أو كيف يضاعفون إنتاج أرض صالحة؟ أو كيف ينشئون صناعات خفيفة أو ثقيلة؟ أو كيف يحسنون إدارة الأعمال في أقصر وقت وأقل تكلفة؟ أو كيف يعرفون خصائص النباتات الطبية والعقاقير المشابهة ويقيمون مؤسسات كبرى لشتى الأدوية؟إنّ ذلك كلّه وأمثاله –وهو كثير- موكول إلى عقول البشر وجهودهم، يتنافسون فيه كيف شاؤوا، ويبتدعون فيه، وما واتاهم الحظّ..فإذا تخلّف كسول فعلى نفسه جنى وهو وحده الملوم، وإذا سبق نشيط فلنفسه بغى الخير، وهو يُغبط على نجاحه وأرباحه.وقد أدرتُ بصري في ميادين عديدة، ووازنتُ بين عمل وعمل، ونتائج ونتائج، ورأيتُ أن أصارح قومي بما لهم وما عليهم، فلا معنى للأدهان والمواربة. رأيتُ مطارًا في إحدى المدن نظيفًا رائقًا، وآخر متربًا كدرًا، فسألتُ: ما السبب؟ فقيل: هذا تتولاه شركة وطنية والآخر تتولاه شركة أجنبية، فسرى الغيظ في نفسي، وقلت: لم هذا التفاوت؟ إن عيونهم كعيوننا وأيديهم كأيدينا، فلماذا يرون ولا نرى، ويعملون ولا نعمل؟لعلّ هناك تلفًا في الملكات النّفسية، أو لعلّ الملكات واحدة، والطّاقة المحرّكة موجودة هنا ومفقودة هناك، وأيًّا ما كان الأمر فلا بدّ من معالجة سريعة لهذا البلاء وإلاّ ضاعت أمّتنا..ورأيي أنّ التربية الفاسدة والثقافة المغشوشة لها أثر عميق في هذا التبلّد السّائد، وكلّ تربية تقاوم الفطرة، وتشوّه الأجهزة الإنسانية الأصلية فهي خصم للإسلام. وكلّ ثقافة تحجب البصيرة وتقوم على التجهيل بالكون والحياة فهي خصم للإسلام. وقد وجد في أعصار شتى مَن ادّعى العلم بالإسلام، ومع ادّعائه العريض أنشأ أجيالاً منسحبة من الحياة، معصوبة العينين أمام آيات الله في ملكوته معطوبة الخواص الدافعة إلى الترقي والتوسّع والاكتشاف... ما أبعد الإسلام عن هؤلاء النّاس، وما أبعد هؤلاء النّاس عن كتاب يقول عن خصومه: “سَنُريهِمْ آيَاتِنَا فِي الآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ”..أقال الإسلام للعرب: ارعو أغنامكم فوق مناجم النفط ولا تفكّروا فيما تحتها، ولا تستخرجوا قطرة منها؟!، أقال الإسلام للعرب ازرعوا القطن والكتان ولا تحسنوا إنشاء مصانع النسيج والغزل؟، أقال لهم: قفوا على الشواطئ وارمقوا الجواري في البحر كالأعلام يصنعها غيركم، وتعجزون أنتم إلاّ عن ركوبها متى يشاء؟!

مقال مؤرشف


هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.

تسجيل الدخول باقة الاشتراكات