رغم أن سلطة الضبط للصحافة المكتوبة قد نصت عليها 18 مادة من قانون الإعلام (من المادة 40 إلى غاية 57)، غير أن وزير الاتصال، حميد ڤرين، يقترح التخلي عنها ويرى أنها غير ضرورية. فهل يوجد استخفاف بقوانين الجمهورية أكثر مما يرافع له وزير يقول إنه يعمل لصالح الجمهورية ؟إذا كان القانون العضوي المتعلق بالإعلام قد كرس 18 مادة لفائدة إنشاء سلطة الضبط للصحافة المكتوبة، فمرد ذلك حسب المشرع لأهمية هذه الهيئة والأدوار المنوطة بها لتنظيم القطاع، مثلما يؤكد على ذلك النواب والحقوقيون في قراءتهم لمحتوى قانون الإعلام، غير أن الأمر ليس كذلك بالنسبة لوزير الاتصال الذي يرى أن هذه المواد الـ 18 مجرد حشو لتضخيم القانون الذي صادق عليه نواب البرلمان عام 2012 في سياق الإصلاحات التي أعقبت أحداث 5 جانفي 2011، بحيث دعا حميد ڤرين إلى إلغاء هذه الهيئة بجرة قلم، لأنها، حسبه، لا أهمية لها ويمكن استبدالها بهيئة أخلاقيات المهنة التي لم يخصص لها قانون الإعلام سوى 6 مواد. فكيف يمكن إلغاء سلطة ضبط الصحافة المكتوبة المكرسة بـ 18 مادة وتعويضها بمجلس أخلاقيات المهنة لم تنص على إنشائه سوى 6 مواد قانونية؟ولا يفهم تصريح الوزير الذي أعلن عن تعديلات على قانون الإعلام لإلغاء سلطة ضبط الصحافة المكتوبة لكونها، حسبه، “غير مجدية”، إلا من باب أن المشرع الذي وضع قانون الإعلام لا يفقه في الأمر شيء، ومن ورائه ممثلو الشعب الذين صادقوا على القانون، أو أن الوزير اكتشف نظرية جديدة لم يصل إليها الوزراء الذين سبقوه على رأس القطاع. إن المشرع الذي أنشأ بموجب القانون العضوي المتعلق بالإعلام سلطتي الضبط للصحافة المكتوبة والسمعي البصري، على العيوب الموجودة بهما، خصوصا في كيفية تعيين أعضائها، حيث تهيمن السلطة على تركيبتهما، كان الغرض منهما ألا تبقى السلطة هي “اللاعب والرشام” في آن واحد، بينما تقتضي القوانين العالمية أن تعود العملية لسلطة ضبط محايدة يعود إليها فقط معالجة الأخطاء والتجاوزات التي قد تحدث في قطاع الإعلام.وضمن هذا السياق، أثبتت قضية تدخل وزارة الاتصال في صفقة “الخبر” أن حميد ڤرين الذي لا يملك أي مهمة في واقع الحال، بعدما أسندت أهم المهام والأدوار لسلطتي الضبط للصحافة المكتوبة والسمعي البصري، يريد إلغاء هاتين الهيئتين حتى يبقى معنى لاستمرار تواجد وزارة الاتصال في المشهد الاسمي للفريق الحكومي، بدليل أنه بعد 4 سنوات كاملة من صدور قانون الإعلام لم تنشأ لا سلطة الضبط للسمعي البصري ولا سلطة الضبط للصحافة المكتوبة. فهل العملية صعبة إلى درجة أن الدولة تنظم انتخابات رئاسية وتشريعية ومحلية كل 5 سنوات بهيئة ناخبة تفوق 20 مليون ناخب، بينما تعجز عن انتخاب ممثلين للصحفيين لا يتعدى عددهم بعائلاتهم عدد ناخبي أصغر حي في أصغر بلدية في الجزائر؟إن عدم تنصيب سلطتي الضبط المنصوص عليها في قانون الإعلام، مع سبق الإصرار والترصد، يراد من ورائه تكسير ما تحقق من مكاسب في مجال حرية الصحافة، وما قضية “الخبر” إلا دليل على أن وزير الاتصال في الجزائر له مهام وهواية جديدة اسمها غلق الصحف والقنوات..
مقال مؤرشف
هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.
تسجيل الدخول باقة الاشتراكات