38serv

+ -

في يوم “ربيعي” سيبقى منقوشا في ذاكرة التاريخ بمثابة وصمة سوداء على جبين الحكومة، وقف العشرات من صناع الكلمة الحرة القدامى والجدد، وقراؤها، قبالة مقر المحكمة الإدارية ببئر مراد رايس في الجزائر العاصمة، مرددين شعارهم الخالد الذي روي بالأمس من دم الشهيد عمر أورتيلان، واليوم بجهدهم ومثابرتهم: “لن نركع مهما فعلتم وما تفعلون وستفعلون”، شعار ضاعفت زينته زغاريد صحافيات وعاملات الجريدة، التي ستحتفل في غرة نوفمبر القادم بعيدها الـ26 كما جرت العادة. المناسبة، شروع المحكمة في النظر في دعوى وزارة الاتصال ضد صفقة شراء شركة “ناس برود” (فرع مجمع سيفيتال) مجمع “الخبر”، الذي تحول بعد أكثر من ربع قرن من الدفاع عن الوطن والمواطن إلى متهم يجلس داخل قفص الاتهام بذريعة عدم الخضوع لإرادة من يحكم ولا يحكم.وتحت عيون رجال الأمن الذين حضروا بكثافة وهدوء، مطوقين المحتجين على خطوة، مكتفين بتصويب أجهزة تصوير خفيفة تلتقط كل حركة أو تصريح. وبين رصيف “الواقفين” وحراسهم، ومقر المحكمة التي تفاجأ “ساكنوها” لأول مرة ربما بطريقة تفاعل أصحاب “الخبر” مع مؤسستهم وجريدتهم التي ذاع صيتها عالميا وقبل ذلك مغاربيا وعربيا.. كان المارة يتوقفون يستفسرون من هؤلاء؟باسم الشعبومع مرور الوقت، كان عدد الواقفين يزيد، والحناجر الصادحة بعبارات الاحتجاج على اختيار الحكومة قطع أرزاق مواطنين باستغلال العدالة تصدر أحكامها باسم الشعب ! حقا في ارتفاع، موازاة مع التحاق مواطنين عاديين بالوقفة. رجال سياسة وقيادات حزبية، نقابيون، نواب في البرلمان، رجال قانون ومحامون، إضافة إلى حقوقيين كانوا بالأمس القريب يلجأون إلى “الخبر” للمساعدة على رفع الظلم عن المظلومين، فإذا بهم يسارعون اليوم للدفاع عنها بما أوتوا من صوت وتأثير معنوي.وزير الاتصال الأسبق والدبلوماسي عبد العزيز رحابي، كان في موعد الحدث، بالنسبة إليه: “ما يقترف ضد “الخبر” مناورة بل مؤامرة سياسية مكشوفة، والدليل أن منفذها هو وزير الاتصال الذي يكتسي صفة سياسي بحكم المنصب، لو كان الأمر يتعلق بنزاع سياسي أو تجاوز للقانون كالقذف أو التشهير لكان ذلك متفهما، لكن أن يتدخل وزير في شأن تجاري فهذا يؤشر على خطة لضرب الصحافة الحرة التي تقود قاطرتها جريدة “الخبر” منذ أكثر من ربع قرن”.وقبل بداية الجلسة الأولى في مسلسل “إسكات الخبر”، والتي لم تدم إلا دقائق معدودة، لم تخمد الحناجر، ولم يسكت السياسيون. هذا رمضان تعزيبت وزميله جلول جودي، استوليا على كاميرات قنوات التلفزيون الخاصة، بالنسبة إليهما: “الوقوف مع “الخبر”، قضية مبدأ، نشهد أنها كانت حاضرة في كل الأوقات والظروف في السراء والضراء مع الجزائر والشعب الجزائري، فضلا عن الشعوب المضطهدة في الوطن العربي وإفريقيا، والعالم”.نواب وقياديو حزب العمال “جاؤوا للتعبير عن تضامنهم مع الكلمة الحرة والقلم الحر، لأن المساس بحرية الصحافة مساس مفضوح بالديمقراطية”. وفي هذا الإطار، قال رمضان تعزيبت: “إن ضرب الديمقراطية إضعاف للجبهة الداخلية”.رائحة المؤامرة السياسة “النتنة” عبر عنها القيادي بحركة النهضة، لعلاوي بلمخي، الذي قال لـ«الخبر” خلال الوقفة: “نؤازركم إلى غاية انتصار الحق على الباطل، نتضامن معكم بلا حدود وسنظل بجانبكم بلا أي قيد أو شرط”.في نفس الاتجاه جاءت مشاركة عثمان معزوز: “حضورنا اليوم في هذه الوقفة، نحن أعضاء قيادة التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية، هو تأكيد لدعم صريح لمجمع “الخبر” قبل كل شيء، ولحركة التعبير بصفة عامة”. معزوز أكد بأنه ينقل للرأي العام الوطني والدولي رسالة من جميع إطارات ومناضلي وقواعد الأرسيدي مفادها “رفضنا القاطع للهجمة التي يقودها الوزير حميد ڤرين على الصحافة المستقلة، وما يعزز رأينا هو الحضور المتميز للنشطاء السياسيين والقانونيين والمواطنين، وهي رسالة تفضح عدم وجود إرادة لدى نظام الحكم على تقبل لا حرية تعبير ولا حرية صحافة بصفة عامة”.أيضا من هؤلاء الذين وقفوا هذه الوقفة المشهودة، التي أتت غداة الاحتفاء باليوم العالمي لحرية الصحافة، نواب جبهة العدالة والتنمية لرئيسها عبد الله جاب الله، ممثلة برئيس كتلتها البرلمانية النائب لخضر بن خلاف، مرفوقا بالمحامي المخضرم عمار خبابة.بن خلاف رأى في ما تتعرض له “الخبر”، انتقاما من خطها الافتتاحي وحملة تهدف لتصفيتها خدمة لشخص أو أشخاص مع الجريدة التي تبقى نموذجا للخط السياسي المتميز.وأضاف مستنكرا لجوء السلطة إلى العدالة لتصفية حساباتها مع جريدة عموم الشعب الذي يشهد لها بالمصداقية والصدق في نقل الأخبار ولأعمدتها التي تحررها بعض أقلامها الاحترافيين، موضحا أن العدالة تقف أمام امتحان حقيقي لتأكيد استقلاليتها برفض دعوى وزارة الاتصال وألا تتورط في إصدار حكم ضد جريدة كل الجزائريين بمن فيهم المسؤولون في السلطة.أما عن زميله المحامي خبابة، وردا على سؤال يخص القراءة القانونية لسيناريو تعامل القاضي مع أوراق القضية، فهو يرجح القراءة التي تقول إن شركة “ناس برود” التي اشترت أسهم “الخبر” هي مؤسسة مستقلة وهي شخص معنوي في نظر القانون مستقل وبذمة مالية مستقلة، ولذلك فإن القانون واضح يتكلم عن ملكية شخص أكثر من وسيلة إعلامية وهو ما لا ينطبق على المالكين الجدد لمجمع “الخبر”.ومن بين من لفت الانتباه إليه، عمر عابد، الناطق باسم ضحايا بنك الخليفة، حيث قال إن مجيئه للاعتصام إلى جانب عمال وصحفيي “الخبر” هو “موقف غير مستعد للتنازل عنه أو مساومته”، وهو نابع من صميم النضال الديمقراطي الذي كرسته جريدة “الخبر” طيلة ربع قرن من الوجود، لاسيما وأنها المنبر الإعلامي التي ظلت تساند ضحايا بنك الخليفة وظلت لسان حاله.وأضاف عابد، واحد من الواصلين الأوائل، يقول إن لجوء السلطة من خلال وزيرها للاتصال إلى العدالة في قضية تجارية بحتة بين رئيس مجمع “سيفيتال” ومجمع “الخبر” دليل على أن هؤلاء أعداء النجاح ولا يحبون إلا الفاسدين والفاشلين.. نقول لهم مشكلة الجزائر ليست في “الخبر” و«سيفيتال” بل في هؤلاء المسؤولين..”.ولعل السلطات العمومية لم تكن تقدر تأثير وقفة أمس، بدليل أن “الحماية والحراسة”، التي وفرت حول محيط “الرجال الواقفين والنساء الواقفات”، تفاجأت لمستوى التنظيم والحضور، بل وجد أعوان الأمن المناسبة لتقديم الشكر للمشاركين على “درجة الوعي” الذي تحلى به “الواقفون”، وهو ما حال دون التسبب في إزعاج للمارة وسكان الشارع.“ارحل يا ڤرين”وما زاد الوقفة زخما هي تلك الشعارات التي كتبت بالأسود على صفحات الجريدة ناصعة البياض، مثل “الخبر لن تموت” و«كلنا الخبر” و«اليوم وغدا يا ڤرين”.. كما ازدادت وقفة الأربعاء زخما، عندما تعالت حناجر الواقفين بشعار ثورة الياسمين التونسي التي أسقطت زين العابدين بن علي من الحكم.وازداد نجاح هبة صحافيي وعمال فروع مجمع “الخبر” إبهار، بعد أن التحق زملاء قدامى كانوا في يوم ما أفرادا من طواقمها المختلفة، فضلا عن نجوم قناة “بور تي في”، بالواقفين، رافعين لافتة مكتوب عليها عبارات المساندة والدعم لـ«الخبر” وصحافييها وعمالها. ولأن الله قرر أنه لا يضيع حق وراءه صاحب على هذه الأرض، فإن الرجال الواقفين والنساء الواقفات في ومع “الخبر”، يضربون موعدا الأربعاء القادم، مع حلقة جديدة من النضال من أجل بقاء الكلمة الحرة حية.

مقال مؤرشف


هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.

تسجيل الدخول باقة الاشتراكات
كلمات دلالية: