قصص مثيرة لسائقين وقعوا ضحايا "أوتو ستوب"

+ -

يفضل أغلب السائقين عدم التوقف أثناء سيرهم لنقل شخص مجهول، وذلك من باب الحيطة والحذر، حتى لا يكون مصيرهم أروقة المحاكم، التي تعج بقضايا مماثلة لأشخاص ورّطتهمسذاجتهم، ورمت بهم في غياهب السجون بسبب “أوتو ستوب”.في شوارع المدن الكبرى، على الطريق السيّار، وفي الطرق الوطنية الرابطة بين مدينة وأخرى، ستلمح أشخاصا يقفون على حافة الطريق ينتظرون التفاتة أحد السواق ينقلهم إلى وجهتهم المقصودة، في ظل نقص وسائل النقل، وبالطبع سيكون لهم ذلك، حتى ولو تطلب الأمر الانتظار لعدة ساعات.لكن بين هذا وذاك، هناك أشخاص مجرمون وآخرون فروا من العدالة ولصوص امتهنوا سرقة السيارات، ومروجو مخدرات... وهو النوع الذي توقف عنده السائق عزيز قبل 6 سنوات، فوجد نفسه متورطا في قضية إجرامية متعلقة بترويج المخدرات.سوء حظ عزيزشغّل عزيز محرك سيارته وانطلق من حي باب الزوار بالجزائر العاصمة، قاصدا مدينة الكاليتوس، وما هي إلا لحظات حتى لفت انتباهه مواطن كان يقف على حافة الطريق.يروي السائق عزيز لـ “الخبر” أحداث ذلك اليوم الذي لا يزال راسخا في مخيلته، رغم مرور أكثر من 6 سنوات، قائلا: “بدأ الظلام يبسط نفوذه ووسائل النقل، وقتها توقفت عن الخدمة، وكان ذلك الشاب يقف أمام ممهل ويشير بيده للفت انتباه السائقين.. لمحته بنظرة مقتضبة، فبدا بأنه بحاجة إلى مساعدة، هندامه كان حسنا وعلى ظهره يحمل حقيبة أعطته صورة طالب جامعي تأخر في العودة إلى المنزل”.ومن باب الإنسانية، توقف السائق أمام الشاب ليسأله عن الوجهة التي يريد الذهاب إليها، “ومن سوء حظي كانت لنا الوجهة نفسها”، يقول محدثنا متحسرا.انطلقت السيارة، التي دار فيها كلام معسول، فمرافق السائق كلامه لا يخلو من عبارات الشكر والأدعية الخيرية، والسائق يردد “لا شكر على واجب”، وظل الاثنان يتبادلان أطراف الحديث، حتى أوقف دركي سائق المركبة في عملية تفتيش روتينية.وهناك لاحظ السائق مرافقه مرتبكا...”فبدأ الشك يراودني لأول مرة وحاولت السيطرة على أعصابي أمام أفراد الدرك الوطني، إلا أن الدركي تفطن لأمره وأخذ يفتش السيارة بدقة، حتى عثر على كمية معتبرة من حبوب الهلوسة كانت ملقاة في الكراسي الخلفية للسيارة”.وجد عزيز نفسه مكبلا بالأغلال داخل مقر الدرك الوطني، يخضع لتحقيق حول قضية لا تمت إليه بصلة، لكن في كل الأحوال هو متورط وأحد المشتبه فيهم، بما أن السيارة ملك له.يواصل محدثنا: “بدأت المتاعب وأصبحت مهددا بدخول السجن بسبب سذاجتي، وباشرت عشرات الاتصالات بحثا عن وسيط يخرجني من المأزق الذي وقعت فيه، ولحسن حظي اعترف الشاب بأن المهلوسات ملك له.. وبتدخل أحد المعارف تم تغيير محضر الضبطية بآخر، دوّن فيه بأن الكمية المحجوزة تم ضبطها خارج السيارة”.العدالة لا ترحمليس جميع السائقين محظوظين مثل عزيز، إذ يروي المحامي طارق مراح حادثة مماثلة كانت محكمة الشراڤة بالعاصمة مسرحا لوقائعها، مؤخرا، راح ضحيتها رب أسرة في عقده الخامس، هو الآخر توقف بحسن نية عند شخص ببلدية الرحمانية التابعة لدائرة زرالدة، غربي العاصمة، حمله معه في السيارة على أن ينقله إلى مدينة تيبازة، وفي الطريق تعرض الاثنان إلى تفتيش مكثف من طرف أفراد الدرك الوطني، ليعثروا على كمية من المخدرات كانت بداخل السيارة.وطبعا، الاثنان تنكرا للتهمة المنسوبة إليهما، وكل منهما أخذ يقول إن الكمية تعود ملكيتها للآخر، وفي الأخير زج بهما في السجن وتقاسما العقوبة بسنتين حبسا نافذا لكل منهما.وفي قصة مماثلة عالجتها محكمة الشراڤة، قبل سنتين، تورط فيها شيخ في عقده الخامس بعد أن نقل شابين يروجان المخدرات.. والغريب في الأمر؛ أن الشابين يعرفان السائق بحكم أنهم يقطنون بالحي نفسه، واختاراه عمدا نظرا لكبر سنه، ظنا منهم أن أفراد الأمن لا يشكون في أمره.رتّبا كل شيء قبل انطلاق السيارة من بلدية القبة باتجاه أولاد فايت بالعاصمة، صفيحة المخدرات مخزنة تحت كرسي السائق الطاعن في السن، المروجان بهندام معتدل لا يحملان أي شيء يثير الشبهة، والسيارة تسير بهدوء نحو مصير غامض، حتى توقفت في أولى محطاتها على مستوى حاجز أمني.أخذ الشرطي يكثف من تفتيشه للشابين، إلا أنه لم يعثر على أي شيء. راقب وثائق السيارة، وبطاقات التعريف، ثم انطلق في تفتيش السائق ومركبته، ليعثر في الأخير على كمية مخدرات مخزنة تحت مقعد السائق.والأكثر من ذلك، أنكر المروجان جميع التهم المنسوبة إليهما، وألصقاها بالشيخ الذي نقلهما على متن سيارته، وفي الأخير أصدرت جنايات العاصمة حكما بـ5 سنوات سجنا نافذا في حق جميع المتورطين في القضية.شيخ يخسر حياته.. والمتهم “أوتو ستوب”تحمل أشخاصا لا تعرفهم على متن سيارتك، لا يجرك إلى المحاكم فقط، بل من شأنه أن يكلفك خسارة حياتك ككل، وهو ما حدث سنة 2011 لشيخ كان متجها إلى ولاية البويرة.السائق التقى بثلاثة أشخاص، بينهم امرأة داخل محطة التزود بالوقود، وهناك حبك له الفخ بإحكام، إذ أوهموه بأن الحافلة التي كانوا على متنها باتجاه ولاية البويرة غادرت المحطة وتركتهم هنا قابعين.تاه الشيخ بين أفراد العصابة، وتعذر عليه اكتشاف نية اللصوص.. وبعد أخذ ورد، قرر في الأخير مد يد المساعدة وحملهم رفقته، على أن يسرع في السير للحاق بالحافلة التي كانوا على متنها، إلا أنه في الحقيقة لم يكن يعلم بأنه يسرع نحو حتفه.وفجأة، سلّ كل منهم أسلحة بيضاء وقام أحدهم بذبحه وانهالوا عليه بالضرب، وتركوه يسبح في دمائه، ثم أخذوا السيارة وهموا بالفرار.  أدخل الشيخ غرفة الإنعاش، وصارع الموت مدة فاقت الستة أشهر، حتى فاضت روحه إلى بارئها. أما اللصوص، فقد ألقي عليهم القبض بعد فترة من الحادث وعوقب كل منهم بـ15 سنة سجنا نافذا.“الأوتو ستوب”.. لفعل الخيروإن كانت رحلة “الأوتو ستوب” مجانية ومحفوفة بالمخاطر، إلا أن هناك من يرى فيها قناة لفعل الخير والسعي لرفع المعاناة عن الآخرين. وفي رده على سؤال “الخبر” حول الظاهرة، استدل محمد، سائق سيارة، لا يتوانى هو الآخر في نقل شخص على متن سيارته بمثل شعبي... “مول التاج ويحتاج”، وتابع متسائلا: “وماذا عندما تضطرك الظروف للوقوف أنت على جانب الطريق نفسه أو أي طريق آخر، وتحاول أن تشير إلى إحدى السيارات كي تتوقف وتحملك معها في طريقها إلى أقرب مكان تود الوصول إليه”، ثم أضاف “مما لا شك فيه، مضطر لفعل ذلك وليس أمامك خيارا آخر”.وللسيد علي، وهو سائق شاحنة مقطورة غالبا ما يقطع مئات الكيلومترات ذهابا وجيئة بين الولايات، رأي محمد نفسه، وقال في الموضوع  “في بعض الأحيان يقتلني الملل بعد أن أمضي ساعات على الطريق دون جليس أو أنيس، فأنقل معي أحد الأشخاص وأخوض معه في الحديث ونتبادل الأفكار بالأخذ والعطاء، وهو بدوره يستفيد بالوصول إلى الوجهة التي يريدها”.أما الأشخاص المغلوب  على أمرهم، الذين اعتادوا على “الأوتو ستوب”، فلهم رأي آخر،  على غرار أحد سكان مدينة بوفاريك الذي يشتغل يوميا حتى ساعات متأخرة من المساء: “الظروف الاجتماعية فرضت عليّ اللجوء إلى هذه الطريقة للوصول إلى البيت.. مجبر أخوك لا بطل، ما بيدي حيلة ولولا هؤلاء الأشخاص ذوي القلوب الرحيمة، لتوقفت عن منصب عملي الذي يعتبر قوت عائلتي الوحيد”.

مقال مؤرشف


هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.

تسجيل الدخول باقة الاشتراكات