+ -

يبت، اليوم الأربعاء، قاضي الغرفة الثانية بمحكمة بئر مراد رايس، بالعاصمة، في قضية صفقة “الخبر - ربراب”، بعدما تم تأجيلها، أول أمس الإثنين، وكان وزير الاتصال، حميد ڤرين، رفع دعوى أمام القضاء بداعي بطلان تنازل مساهمي “مجمع الخبر”، عن جزء من الأسهم لشركة “ناس برود” المملوكة لرجل الأعمال إسعد ربراب، واعتبر ڤرين أن الصفقة تتنافى مع المادة 25  من قانون الإعلام، عكس ما أورده عديد القانونيين،  الذين اعتبروا أن الصفقة لا غبار عليها.  ويقف القضاء الجزائري اليوم، مع أول قضية من هذا النوع بالجزائر، كما ستكون المحكمة على موعد مع ساعة الحقيقة، بعد التجاذبات القانونية المغلفة بموقف سياسي، أو كما تراه عديد الأحزاب السياسية، بهدف هدم صرح من صروح حرية التعبير بالجزائر، هذه الجريدة التي كانت درعا ضد الإرهاب سنوات المحنة، وقدم صحفيوها وعمالها أرواحهم فداء لنصرة الحق، يراد لها أن تختفي من مشهد إعلامي، رفضت أن يكون موبوءا بمرض إعلامي وسياسي خطير.أضافت مواد للزينة في الدستور الجديد القديمالسلطة تطلق الحريات في السماء وتمارس الخنق على الأرضأصدرت السلطة دستورا جديدا، لكنها ترفض إعداد نصوص قانونية تتماشى مع التعديلات الدستورية الجديدة،وتعد محاكمة “الخبر” من قبل وزارة الاتصال لإلغاء صفقة التنازل عن أسهم الشركة بأثر قانوني رجعي، مثالا حيا علىأن السلطة تريد أن تكون “لنا حكومة من دون صحافة”، وليس كما قال توماس جيفرسون، واضع الدستور الأمريكي“لو خيّرت بين أن تكون لنا حكومة من دون صحافة، أو صحافة من دون حكومة لاخترت الثانية دون تردد”. رغم أنه فعل يسير عكس عجلة عصر سرعة الأنترنت ووسائل الاتصال الاجتماعي المختلفة، غير أنه لم يقلل في شيء من شهية السلطة الدائم في السعي إلى سد منافذ ونسائم الحريات والعودة للغلق السياسي والإعلامي، بالرغم مما قيل عن “الثورة المدنية” التي ستحدثها التعديلات الدستورية الجديدة في الساحة الإعلامية.زينت العديد من المواد الدستورية بمواد جديدة تخص مجال الحقوق والحريات، بحيث جعلت المادة 38 “الحريات الأساسية وحقوق الإنسان والمواطن مضمونة”، وذكرت المادة 42 بأنه “لا مساس بحرمة حرية المعتقد، وحرمة حرية الرأي”، حتى وإن كانت الفقرة الثانية تكفلت بالعنصر الأول (حرية المعتقد) دون الثاني (حرية الرأي)، كما نصت المادة 48 على أن “حريات التعبير، إنشاء الجمعيات والاجتماع مضمونة”، وجاءت المادة 50 لتقر صراحة أن “حرية الصحافة المكتوبة والسمعية البصرية وعلى الشبكات الإعلامية مضمونة ولا تقيد بأي شكل من أشكال الرقابة القبلية”، أبعد من ذلك كرست المادة 51 “الحصول على المعلومات والوثائق والإحصائيات ونقلها مضمونان للمواطن”، لتضيف لها فقرة جديدة أن “نشر المعلومات والأفكار والصور والآراء بكل حرية مضمون في إطار القانون... لا يمكن أن تخضع جنحة الصحافة لعقوبة سالبة للحرية”.لكن بين ما هو مكتوب بالحبر في الدستور وبين واقع الممارسة الإعلامية وحرية التعبير في الميدان، ليس هناك عناء كبير لاكتشاف أن أغلبية تلك المواد الدستورية “أدرجت للزينة”، أكثر منها إلى السعي حقيقة لجعل حرية الصحافة والتعبير “ثقافة ملموسة” في هذا البلد، بحيث ظل التعامل مع حريات التعبير والرأي والصحافة والتجمع مجرد “واجهة” تستعمل من طرف السلطة لتجنب ضغوط الخارج أكثر منها لتحقيق إصلاحات سياسية وإعلامية تضع قطيعة نهائية مع سياسة الغلق والتضييق، التي ظلت العملة الوحيدة المتداولة في قاموس السلطة، بدليل ليس فقط ما رصدته التقارير الدولية بخصوص وضع الحقوق والحريات، بحيث ما زالت الجزائر بعد قرابة 25 سنة من بداية التعددية “تتذيل” الترتيب العالمي في مجال حرية التعبير والصحافة، بل الأغرب من ذلك، أن وزير الاتصال، حميد ڤرين، يهدد، في اليوم العالمي لحرية الصحافة، بغلق “الخبر”، ويحذر المعلنين الخواص من الإشهار في هذه الصحف. فهل توجد بربكم دولة في العالم تهدد السلطة فيها وسائل الإعلام، في اليوم العالمي لحرية الصحافة والتعبير، إلا إذا كان مسؤولوها يريدون أن تكون في الجزائر “حكومة من دون صحافة”. وما دام الأمر كذلك، فلماذا يحاول البعض المخادعة بـ”الدولة المدنية”، مثلما روّج له الأمين العام للأفالان، وهو ما اعتبره رئيس جبهة العدالة والتنمية، عبد الله جاب الله، بأنه مجرد “وهم”! يبدو جليا أنه بعد 28 سنة من انتفاضة 5 أكتوبر، لا التعديلات الدستورية المتعددة ولا التغييرات المتكررة في الحكومات والوزراء والقوانين والتشريعات، قد غيرت من طبيعة “النظام”، بحيث ظلت نفس منظومة الحكم القمعية قائمة، وكل ما تغير هو تجميل الواجهة بمواد دستورية، أول من يخرقها السلطة التي وضعتها، والنتيجة تبني تعددية حزبية على المقاس، على غرار التعددية الإعلامية.مازالت الطبقة السياسية تتحدث عن الغلق السياسي والإعلامي، ومازالت أحزاب تشتكي من عدم حصولها على الحق في تأسيس أحزاب، وآخرها شكاوى كريم طابو (الاتحاد الديمقراطي الاجتماعي)، علي بن واري (نداء الوطن)، الصادق طماش (الجبهة الوطنية للأصالة والتجديد) وعبد الرحمن هنانو (حزب الجزائر للعدالة والبناء)، بحيث تحدث هؤلاء عن تعرض مشاريعهم الرامية إلى تأسيس أحزاب سياسية، إلى تعسفات الجهاز السياسي- الإداري. ولم تسلم الصحافة هي الأخرى من ضغوط السلطة، من خلال استمرار احتكار الإشهار العمومي الذي استعمل كورقة لتكسير صحف وتحويل أخرى إلى مجرد أبواق دعائية، كما استمرت محاصرة الصحفيين من خلال المتابعات القضائية والغرامات المالية وسجن المدونين والنشطاء الحقوقيين. مازالت الجزائر بقدر ما تتقدم بخطوة للأمام بفعل الضغوط الداخلية والخارجية، سرعان ما تعود أدراجها إلى الخلف بخطوتين، لأن النظام يأبى أن يتغير إلا بـ...

مقال مؤرشف


هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.

تسجيل الدخول باقة الاشتراكات
كلمات دلالية: