+ -

تفشل الجزائر، كل سنة في تاريخ 3 ماي المصادف لليوم العالمي لحرية التعبير، في تبوؤ “ترتيب محترم” في التصنيف العالمي لحرية الصحافة، رغم “تشدق” السلطة بتوفيرها “مناخا ملائما” يمارس فيه الصحفيون والإعلاميون “المهمة النبيلة”، في جو يسوده الاستقرار وإتاحة المعلومة بسهولة. ففي جولة عبر التقارير الدولية حول حرية الصحافة، ما انفكت الجزائر تتدحرج نحو الأسوأ ضمن صورة سوداء عن واقع حرية التعبير والصحافة في بلادنا.“مراسلون بلا حدود” والسلم البوليسيالبداية من آخر تقرير حول حرية الصحافة في الجزائر، والذي صدر عن منظمة “مراسلون بلا حدود”، نهاية أفريل المنصرم. فقد جاء التقرير “صادما” عن وضع حرية التعبير، ومعاكسا لتلك الصورة التي تسوقها السلطة خصوصا في المناسبات الرسمية المرتبطة بحرية التعبير والإعلام. فقد صنفت الجزائر في مرتبة متأخرة ضمن تصنيف دولي شمل 180 دولة، حيث احتلت المرتبة 129، بسبب “المشهد الإعلامي القاتم” الذي أفقدها 10 درجات عن ترتيب تقرير 2015.وأدرجت الجزائر في التقرير السنوي ضمن فئة البلدان التي “تعيش في سلم”، لكنه “سلم بوليسي”، وفقا لوصف منظمة “مراسلون بلا حدود”، وقد أدى هذا الوضع إلى “عدم تواني السلطات في خنق الصحافة وتكميم الأصوات الإعلامية، تحت ذريعة حفظ الأمن والاستقرار، حيث أصبح المشهد الإعلامي قاتما في الجزائر، التي تشهد موجة من الغلق القسري للقنوات التلفزيونية”.الرابطة الحقوقية.. كيل بمكيالينبدورها، أعقبت الرابطة الجزائرية لحقوق الإنسان “تعليقا” على تقرير “مراسلون بلا حدود”، أوضحت فيه بأنه “رغم المجهودات المبذولة من طرف أصحاب المهنة، إلا أن الواقع ما زال بعيدا عن الآمال التي تطمح إليها الصحافة الجزائرية، رغم أن الصحافة الجزائرية كان يضرب بها المثل في بداية التسعينات على مستوى البلدان العربية والإفريقية، أما اليوم أصبحت الحكومة الجزائرية تتعامل مع هذه المهن، وفق سياسة الكيل بمكيالين وتفرق بين القطاعين العام والخاص.“فريدوم هاوس”: مضايقاتولم تختلف هذه الصورة كثيرا في تقرير منظمة “فريدوم هاوس”، حيث كشف أن العمل الإعلامي وحرية التعبير في الجزائر لا تزال تعاني من العديد من المضايقات والعراقيل في ممارسة المؤسسات الصحفية عملها اليومي، ووضعت الجزائر في الخانة الخامسة من بين الدول التي تقيد العمل الإعلامي في منطقة شمال إفريقيا والشرق الأوسط، وأشارت إليها باللون “البنفسجي” الذي يمثل البلدان التي تعرف انتهاكا لحرية التعبير.وحازت الجزائر في نفس التقرير على 62 نقطة في قائمة ضمت العديد من البلدان التي عرفت، في السنوات القليلة الماضية، عدم استقرار في الوضع الأمني والسياسي، انعكس، حسب المنظمة، على أداء المؤسسات الإعلامية تبعا للظروف وحالة الطوارئ المفروضة، على الرغم من أن نفس التقرير أشار إلى أن بلدانا عربية أخرى لم تعش ما يعرف بـ”الربيع العربي” أو الاضطراب الأمني والسياسي قد شهدت كذلك تراجعا في هامش حرية التعبير المسموح به من قبل السلطات العمومية خلال الممارسة الإعلامية.“رايتس ووتش”: المحاكمات مستمرةوسارت منظمة “هيومن رايتس ووتش” على نفس هذا الخط، وقالت إنه “رغم أن قانون الصحافة الجديد الذي صدر في 2012 ألغى عقوبة السجن للتشهير وغيره من جرائم التعبير الأخرى، مثل ازدراء الرئيس أو مؤسسات الدولة أو المحاكم، فقد استمرت السلطات في اعتقال ومحاكمة وسجن المنتقدين باستخدام أحكام قانون العقوبات. كما هددت أيضا وسائل إعلام اعتبرت أنها تنتقد الحكومة”.واستشهدت المنظمة بحجب السلطات برنامج “ويكند”، وهو برنامج حواري ساخر تبثه قناة “الجزائرية” الخاصة، بعدما أشار مقدم البرنامج، في إحدى الحلقات، إلى شقق عدد من الوزراء الجزائريين في باريس، ملمحا إلى احتمال وجود فساد واختلاس. وتم على إثرها أن استدعت “هيئة ضبط السمعي البصري” على الفور منتج البرنامج الحواري، كريم قرداش، وحذرته من العقوبات المحتملة ضد القناة التلفزيونية، واتهمت البرنامج علنا بـ”السخرية والاستهزاء بالأشخاص، بمن في ذلك رموز الدولة”، وبمخالفة أخلاقيات المهنة التي تعاقب عليها قوانين الإعلام والبث التلفزي.كما أصدرت الشبكة الأورومتوسطية لحقوق الإنسان “حكما قاسيا” على الجزائر، وأشارت إلى أن “الجزائر بلد تنتشر فيه انتهاكات للأعراف الدولية لحقوق الإنسان فيما يتعلق بحرية التعبير وحرية التجمع وحرية تكوين الجمعيات، كما يواجه المدافعون عن حقوق الإنسان، بمن فيهم المدافعون عن حقوق المرأة، مضايقات بصفة منتظمة”.وكانت الجزائر قد تلقت من هيئة الأمم المتحدة، كغيرها من بقية دول العالم، مذكرة تنبه فيها إلى ضرورة احترام حرية التعبير والصحافة، لكون “حرية التعبير التي كرست في المادة 19 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، تعد عنصرا أساسيا في تمكين الأفراد وفي بناء المجتمعات الحرة والديمقراطية. وتشكل حرية التعبير حقا أساسيا في حد ذاتها، كما تكفل توافر الظروف المواتية لحماية سائر حقوق الإنسان وتعزيزها. ولكن ممارسة الحق في حرية التعبير لا تحدث تلقائيا، بل تستلزم بيئة آمنة للحوار تتيح لجميع الأشخاص أن يتحدثوا بحرية وانفتاح، بلا خوف من الانتقام”.

مقال مؤرشف


هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.

تسجيل الدخول باقة الاشتراكات