تساؤلات حول سلامة طعن الإدارة ضد التنازل عن أسهم "مجمّع الخبر"

38serv

+ -

أشار بيان صحفي صادر بتاريخ 27 أفريل 2016 بجريدة “الخبر”، إلى المثول أمام قاضي الاستعجال لدى المحكمة الإدارية لبئر مراد رايس، تم إشعاره  إلى ممثل الصحيفة، بهدف، حسب ما جاء في نص البيان، “إلغاء اتفاقية بيع الشركة ذات الأسهم “الخبر” لصالح ايسعد ربراب لعدم مطابقتها أو عدم امتثالها للقانون”، وقد سلمت دعوى الامتثال من قبل وزارة الاتصال، بصفتها مدعيا في الدعوى وفي الجلسة المنعقدة بتاريخ 02 ماي 2016، كما تم إصدار  أمر بالمثول، بنفس الموضوع ولنفس الأهداف، ولكنها أمام قاضي المضمون لذات المحكمة الإدارية، تم توجيهه إلى نفس المدعى عليه. وفي الواقع، يعد مثل هذا النزاع الأول من نوعه، الذي يخص صفقة أو عملية تجارية مرتبطة بتنازل لأصول صحيفة خاضعة للقانون الجديد للإعلام، والتي تم إحالتها على المحكمة، فهذا النزاع الفريد من نوعه، والذي سيشكل اجتهادا قضائيا يثير العديد من الأسئلة القانونية المستجدة، والذي يتعين على القاضي، “يتعلق الأمر في هذا المقام بقاضي المحكمة الإدارية”، أن يفصل فيها في ظل غياب القواعد الإجرائية الواضحة والدقيقة التي تحكم مثل هذه المنازعات.فالقضية باختصار، استنادا إلى ما تم تداوله في وسائل الإعلام والصحافة، متصلة بمشروع تنازل للأسهم من قبل الشركة ذات الأسهم “الخبر” لفائدة فرع مجمع سيفيتال “نيسبرود”، التي يمتلكها رجل الأعمال الجزائري ايسعد ربراب، وبعدما تم ترسيم الصفقة بواسطة عقد لدى موثق وإيداعها بالنشرة الرسمية للإعلانات القانونية، قررت وزارة الاتصال الاعتراض على عملية التنازل، مبررة ذلك ببطلانها لعدم مطابقتها وامتثالها لأحكام المادة 25، فضلا عن أحكام المادتين 16 و17 من نفس القانون، وقررت على ضوء ذلك رفع دعويين لدى العدالة، الأولى في الاستعجالي، لدى قاضي الاستعجال الإداري لدى المحكمة الإدارية لبئر مراد رايس، الذي سينظر فيها بتاريخ 02 ماي 2016، والثانية أمام قاضي المضمون لنفس المحكمة والذي سيتم النظر فيها لاحقا، ولكن هل يمكن للدعويين اللتين رفعهما وزير الاتصال، لاسيما تلك التي أودعت في الاستعجالي، أن تحققا مبتغاهما، بالنظر إلى الحجج والذرائع التي استندت إليهما الدعويان؟بداية، وسواء تعلق الأمر بالدعوى التي رفعت أمام قاضي الاستعجال الإداري، أو تلك التي رفعت أمام قاضي المضمون، فإن التساؤل قائم حول صفة وزير الاتصال، ومدى الصلاحيات المخولة له لرفع دعوى أمام القاضي في مثل هذا النزاع الذي يتصل في بعض من قواعده لإجراءات خاصة يحكمها قانون الإعلام، ففي كل إجراء قضائي، لا يمكن القبول بأي دعوى لدى العدالة إلا إذا كان المدعي يحمل الصفة التي تخول له حق القيام بمثل هذا الإجراء “المادة 13 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية”، وبناء على ذلك، فإن قانون الإعلام، نص – بالنظر إلى خصوصية القواعد المرتبطة بممارسة الحق في الإعلام وحرية الصحافة - على إنشاء هيئات خاصة مكلفة بالمراقبة وضبط نشاط وسائل الإعلام، وتتمثل في “سلطة ضبط الصحافة المكتوبة” و«سلطة ضبط السمعي البصري”، وتعود للهيئتين اللتين تتمتعان بالشخصية المعنوية والاستقلالية المالية وليس لوزارة الاتصال مهمة السهر على احترام الصحف لأحكام قانون الإعلام، بما في ذلك احترام المادة 25 لنفس القانون الذي تم الاستناد إيه لرفع الدعويين لدى قاضي الاستعجال والمضمون “المادتان 40 و64”.بالمقابل، نحن أمام قضية تتعلق بعملية تنازل عن “أسهم” من شركة “مغفلة” إلى شركة تجارية أخرى، ولا يتعلق الأمر ببيع صحيفة لشخص مادي، أي أن العملية تخضع للقانون التجاري وفقا لمواده 715 مكرر 40 إلى غاية 715 مكرر 60.ومن ثم، فإننا بالإمكان أن نؤكد من الناحية المشروعية والقانونية أن وزير الاتصال لا يمتلك الصفة لرفع دعوى قضائية، لإعادة النظر أو تقويض القرار المتخذ من قبل صحيفة، تنشط كشركة ذات أسهم، ويعود لسلطة الضبط أن تبث في صلاحية وقانونية عملية التنازل سواء عن طريق الإخطار أو الإخطار الذاتي، ويعود لهذه الهيئة في حالة الضرورة أن ترفع القضية أمام المحكمة المختصة، علما بأن الهيئة تتمتع بالشخصية المعنوية، أي أن لها صفة تحريك الدعاوى أمام العدالة.وفي الواقع، فإن أحكام قانون الإعلام الذي يؤطر تنظيم وسير هيئة الضبط “المواد 40 إلى 57 و64 و66” لا تنص بصفة واضحة أنه يتعين على هذه الهيئة أن تلجأ إلى الهيئات القضائية المخولة بذلك في حالة خرق أحكام قانون الإعلام، بل إن المادة 42 من نفس القانون تنص صراحة على أن توصيات وملاحظات الهيئة توجه إلى الصحيفة وأنها تقوم بتحديد الشروط والمدة المحددة للتكفل بها، مما ينجر عن ذلك بالضرورة، بأنه في حالة عدم الامتثال من قبل الصحيفة، يتم إلزام أو إجبار هذه الأخيرة بكافة الوسائل القانونية بما في ذلك اللجوء إلى العدالة للانصياع إلى القرارات، وبالتالي، فإنه كان من الأجدر أن يتم التدقيق في إجراءات الإخطار للقاضي من قبل هيئة سلطة الضبط، بنصوص تنظيمية وقانونية طبقا للمواد 45 و65 من قانون الإعلام، ولكن هذه النصوص لم تنشر بعد.بمعنى أنه في حالة التطبيق الحرفي لقانون الإعلام، فإن ذلك يعني أن قاضي المحكمة الإدارية، سواء في الاستعجالي أو المضمون الذي تم إخطاره من قبل وزير الاتصال لإلغاء عملية التنازل عن الأسهم الخاصة بشركة “الخبر”، يجب أن يصدر قرارا بعدم قبول الدعوى، ورفضها لانتفاء الصفة، ودعوة المدعي إلى إشعار سلطة الضبط، ويمكن الرد أنه أمام الفراغ القانوني، يتعين أن تتحرك سلطة ما، على غرار وزارة الاتصال، لوضع حد للخروقات المزعومة للقانون على شاكلة خرق المادة 25 من قانون الإعلام، وفي هذه الحالة، ونظرا لغياب نصوص واضحة تتيح وتسمح لوزير الاتصال لإلغاء حتمي أو عن طريق العدالة عملية التنازل عن صحيفة أو أي واسطة إعلامية، وعليه، فإنه كان يتعين على وزارة الاتصال أن تتقيد بصلاحيات ومهام يعترف بها القانون والا يتم تجاوزها أو خرقها، وبالتالي، فإنه لا يحق له الا أن يسحب في هذه القضية اعتماد الصحيفة محل التنازل، إذا اعتبر بأن التنازل باطل، مع تحميله مهمة الإشعار بقراره كتابيا، مع تقديمه للمبررات التي ستكون محل طعن لدى الهيئة القضائية الإدارية، إلا أن إشعار القاضي مباشرة لإلغاء أو تعليق عملية تجارية يحكمها القانون التجاري، فإن ذلك يعني جهلا للقانون وتعسفا في استعمال السلطة.وبخصوص الدعوى التي رفعت لدى قاضي الاستعجال، فإن البيان الصادر من قبل يومية “الخبر”، يشير إلى طلب “إلغاء اتفاقية البيع للشركة ذات الأسهم “الخبر” إلى ايسعد ربراب”، وإذا كان موضوع عريضة الدعوى يتضمن ذلك، فإن قاضي الاستعجال سيصدر في أول جلسة قرارا بعدم الاختصاص، بمجرد قراءة العريضة، دون الاسترسال في النظر في المبررات والحجج والمحتوى الذي استند إليه وزير الاتصال، إذ أن أحد الأسس الذي يستند إليه في قضايا الاستعجالي، سواء كان ذلك إداريا أو مدنيا، أن قاضي الاستعجال لا يصدر قرارا إلا بناء على طلبات لا تمس جوهر ومضمون النزاع، وهو ما يشكل الاجتهاد القضائي الثابت لمجلس الدولة والمحكمة العليا، وبما أن طلب “إلغاء اتفاقية البيع للشركة ذات الأسهم “الخبر” إلى ايسعد ربراب” تمثل طلبا يمس بمضمون وجوهر القانون، فإنها بالتالي لا تدخل صمن صلاحية قاضي الاستعجالي، وأن الدعوى الوحيدة التي يمكن أن تكون صالحة في مثل هذه النزاعات والتي يمكن أن تكون محل النظر من قبل قاضي الاستعجال، هي دعوى استعجالية للتعليق، أي قرار استعجالي يطلب فيه للقاضي ليس إلغاء العملية “في هذه الحالة اتفاقية التنازل”، ولكن تعليقها مؤقتا، في انتظار صدور حكم في القضية الرئيسية التي ينظر فيها قاضي المضمون.وحتى في مثل هذا الوضع، فإن القاضي الإداري للمحكمة الإدارية سيجد نفسه أمام معضلة قضائية، بما أن طلب التعليق على غرار طلب الإلغاء، الذي سينظر فيه لا يخص عملية إدارية، ولكن الأمر يتعلق بـ“عملية تنازل لأسهم شركة “مغفلة” لفائدة شركة أخرى “أي أن الأمر يتعلق بعملية تجارية محضة لا يمكن بأي حال من الأحوال أن تقترن بعملية إدارية، صحيح أن مجال صلاحية واختصاص القضاء الإداري يستند إلى المعيار العضوي، أي أن القاضي الإداري له صلاحية ويصبح مختصا طالما أن طرفا ما يعد هيئة أو كيانا ذا طابع إداري، وهو الأمر الذي ينطبق على وزارة الاتصال المدعي في الدعوى الاستعجالية، ولكن يمكن أن نتساءل فيما إذا كان القاضي الإداري يمتلك الصلاحية أو الاختصاص حقا لإصدار قرار تعليق، ثم إلغاء عملية تجارية بين شركات خاصة، تم ترسيمها بعقد موثق؟ بالتأكيد نجيب بالنفي، لأن ذلك يعني تعسفا في استعمال السلطة، فالنزاع الذي أثير له علاقة من جهة بقواعد القانون التجاري، ومن جانب آخر، بإجراءات الإنشاء والسير والتنازل عن صحيفة مكتوبة ووسيلة إعلامية سمعية بصرية، منصوص عليها في قانون الإعلام، وعليه، فإنه لا يمكن لوزير الإعلام أن يتدخل إلا بواسطة قرارات إدارية مطابقة مع صلاحياته القانونية، أي كما تمت الإشارة إلى ذلك، رفض أو سحب الاعتمادات للكيانات التي يشتبه في أنها تجاهلت القانون.وعودة إلى الأسس التي استندت إليهما الدعويان المرفوعتان من قبل وزير الاتصال، وهي المواد 16.17 و25 من قانون الإعلام، فإننا نشير إلى أن المادة 25 تنص على ما يلي: “لا يمكن لشخص معنوي واحد خاضع للقانون الجزائري أن يمتلك أو يراقب أو يسير سوى نشرية دورية واحدة للإعلام العام، بنفس الدورية المنشورة في الجزائر”، بينما نسجل بأن العملية التجارية محل النزاع تتعلق ليس ببيع بالمعنى الدقيق للكلمة، ولكن بتنازل لأسهم مجمع إعلام الشركة ذات الأسهم “الخبر” والذي يشمل اليومية التي تحمل نفس التسمية والقناة التلفزيونية “كاي بي سي”، لفائدة شركة أخرى “نيس برود”، وهو فرع لمجمع سيفيتال، ويتهم المشتري للمجمع الإعلامي ممثلا في شخص ايسعد ربراب امتلاكه ليومية أخرى ويتعلق الأمر بيومية “ليبرتي”، وعليه، فإنه لا يمكن تطبيق المادة 25 بأي حال من الأحوال على عملية التنازل للأسباب التالية، بداية إذا كانت المادة 25 لا تسمح بحيازة سوى نشرية دورية إعلامية، ويمنع بالتالي حيازة دوريات بنفس وتيرة ومدة الصدور، فإن ذلك يتم بشرط أن يتعلق الأمر بنفس الشخص المعنوي، ولكن على عكس ذلك، فإن مثل هذه الأحكام لا تنطبق على القضية المثارة، لكون الشخص المعنوي الذي قام بحيازة الدورية مغاير لمالك الدورية الأولى، حيث إن أسهم المجمع الصحفي الشركة ذات الأسهم “الخبر” تم التنازل عنها لفائدة شركة “نيسبرود” التي تعد شخصية معنوية، وأن هذه الشركة لها ملكية معنوية خاصة، ولا يمكن أن يتم خلطها أو مزجها بفروع أخرى لمجمع سيفيتال، التي تتمتع هي بدورها بشخصية معنوية، ولتطبيق المادة 25، يتعين على القاضي الإداري أن يتحرى فيما إذا كانت عملية حيازة مجمع “الخبر” التي تنتمي إليها النشرية، تابعة لنفس الشخص المعنوي الذي يمتلك يومية “ليبرتي”، في حين أن هذا الأخير ملك للشركة الجزائرية للنشر والاتصال، وعليه، يتضح بأن “نيسبرود” و”الشركة الجزائرية للنشر والاتصال” يتمتعان بشخصية معنوية مختلفة أو متباينة، ولا مجال هنا إذن لتطبيق المادة 25، وأن طلب الإلغاء أو التعليق لعملية التنازل عن الأسهم ليس مؤسسا، وأن قرارا غير ذلك، سيكون غريبا.وفي الواقع، لا يتعلق الأمر بعملية تنازل عن نشرية دورية، بل بتنازل عن أسهم شركة ذات أسهم تسير إلى جانب هذه النشرية، قناة تلفزيونية، ولا يعني سوى النشريات الدورية، وبالتالي فإنه غير معني بتوسيعه إلى دائرة وسائل الإعلام السمعية البصرية، وإذا تتبعنا منطق تفكير وزارة الاتصال، في طلبها القاضي بإلغاء عملية التنازل، وفي حالة الحكم لصالحها من خلال صدور قرار يقضي بتعليق عملية التنازل ثم إلغائها، فإن مثل هذا القرار سينجر عنه تداعيات وانعكاسات على باقي الأصول محل التنازل، لاسيما القناة التلفزيونية والمطابع ووسائل التوزيع التي تعد جزءا من أصول الشركة، بينما لا تخص مواد القانون المذكورة لدعم الطلب سوى النشرية الدورية، في نفس السياق، يمكن التساؤل عن مصير الأسهم التي تمت حيازتها من قبل المساهمين الجدد، بعد أن تم تحرير قيمة هذه الأسهم، وهو ما تم فعلا، بما أن عملية التنازل تم نشرها بعد ترسيمها بعقد موثق في النشرة الرسمية للإعلانات القانونية.بالمقابل، فإن المادة 16 تنص على أن “الاعتماد غير قابل للتنازل عنه بأي شكل من الأشكال”، هذه القاعدة أيضا غير قابلة للتطبيق في هذه الحالة، لأن الأمر يتعلق ببساطة بتغيير في وضع الشركة “المغفلة” عن طريق التنازل عن جزء من أسهمها إلى مساهم آخر، بينما لم يتم تحويل الاعتماد بأي شكل من الأشكال، وحتى في حالة ما إذا افترضنا أنه تنازل عن الاعتماد كما تنص عليه المادة 16، فإن الإجراء الوحيد الذي يمكن لوزارة الاتصال أن تقوم به هو اتخاذ قرار يقضي بسحب الاعتماد، أما بالنسبة للقضيتين المرفوعتين اللتين يهدف من ورائهما إلغاء الصفقة، فإنهما لا تستندان إلى أي أساس.وأخيرا وبالنسبة للمادة 17، التي تنص بأنه “في حالة البيع أو التنازل عن النشرية الدورية، فإنه يتعين على المالك الجديد أن يطلب اعتمادا جديدا”، فإن نفس الملاحظات تنطبق على هذه المادة، فسحب الاعتماد أو منحه للمالك الجديد لا يختص بها إطلاقا وليس من صلاحيات وزارة الاتصال، ولكنه يعود إلى سلطة الضبط طبقا للمادتين 13 و14 من قانون الإعلام. وخلاصة القول أن التفسير الدقيق والصارم للمواد 16 و17 و25 من قانون الإعلام، التي استندت إليها وزارة الاتصال لإلغاء بواسطة العدالة عملية التنازل عن الأسهم، ستؤدي لا محالة إلى صدور قرار برفض الدعوى أو عدم التأسيس، سواء على مستوى قاضي الاستعجال أو المضمون، ففي هذه القضية، فإن السلطات المكلفة بالاتصال، أوقعت نفسها في الخطأ، بعد أن أخّرت إصدار النصوص القانونية التي تؤطر سير وصلاحيات سلطة الضبط، وأمام هذا الفراغ القانوني، فإن القاضي سيأبى مسايرة حجج الإدارة، لأن الأمر سيرتبط بحماية حريتين أساسيتين، تم التأكيد عليهما مجددا في التعديل الدستوري الجديد: حرية الصحافة وحرية القيام بالأعمال.

مقال مؤرشف


هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.

تسجيل الدخول باقة الاشتراكات
كلمات دلالية: