38serv

+ -

يعاني قطاع الإعلام في الجزائر، بمختلف تشعباته، من فراغات قانونية رهيبة، انعكست على وضعه العام الذي يشهد اختلالات بالجملة، وذلك على الرغم من مرور 4 سنوات على إصدار القانون العضوي للإعلام الذي قدمته السلطة، على علاته، كـ”بداية لعهد جديد”، لكنها لم تمض بعد ذلك حتى في تطبيق ما جاء به، فلا المراسيم التطبيقية لمواده أصدرت، ولا سلطات الضبط في الصحافة المكتوبة أو السمعي البصري نصبت، ولا الآجال القانونية لإنشاء مجلس أخلاقيات المهنة قد جرى احترامها. يتضمن القانون العضوي للإعلام الذي صدر في الجريدة الرسمية شهر جانفي 2012، ما يصل إلى 12 مادة تحدد كيفيات تطبيقها عن طريق التنظيم، أي ضرورة صدور مراسيم تطبيقية لها حتى تصبح سارية المفعول، لكن 11 مادة منها تبقى إلى اليوم معطلة بسبب تماطل الوزارة المعنية في القيام بعملها.وتبرز في هذا الشأن المادة 22 الخاصة بطبع العناوين المملوكة لشركات أجنبية، والمادة 24 المتعلقة بالنشريات الموجهة للأطفال والشباب، إلى جانب المادة 37 التي تخص استيراد النشريات الدورية الأجنبية، والمادة 39 التي تنص على إنشاء جهاز يكلف بإثبات التوزيع، وكذا المادة 66 المتعلقة بممارسة نشاط الإعلام عبر الإنترنت، والمادة 128 الخاصة بتكوين الصحفيين، إلى غير ذلك من المواد.كما نص القانون العضوي للإعلام على إنشاء عدة هيئات ضابطة للقطاع، لم تر النور بعد، حيث لم تنصب سلطة ضبط الصحافة المكتوبة ومجلس أخلاقيات المهنة وآدابها، وسلطة ضبط السمعي البصري، واللجنة الدائمة المنتخبة لبطاقة الصحفي المحترف، ولم يصدر القانون الأساسي الخاص بالصحفي.والأدهى من ذلك، أن سلطة ضبط السمعي البصري قد جرى تعيين رئيس لها دون أن يصدر أثر لذلك في الجريدة الرسمية، وبقي هذا الرئيس ينشط ويصدر البيانات دون أن يتم تنصيب بقية الأعضاء، رغم أن قانون السمعي البصري قد صدر في 23 مارس 2014، أي قبل نحو سنتين.هذا ما جعل القنوات التي اعتمدت حيلة الإنشاء في الخارج وطلب رخص مكاتب في الداخل للنشاط، لم تسو وضعيتها القانونية إلى اليوم ولم تتحول إلى قنوات جزائرية خالصة مثلما يقتضيه المنطق، ناهيك عن القنوات التي تنشط دون رخصة تماما، وهو ما جعل هذه القنوات في وضع شديد الهشاشة، يجعلها مرشحة للغلق في أي وقت، وخير مثال على ذلك ما جرى مع قناة “الوطن” السنة الماضية وقبلها قناة “الأطلس” قبيل الانتخابات الرئاسية لسنة 2014. أما سلطة ضبط الصحافة المكتوبة فلا وجود لها إلى اليوم، رغم أن القانون العضوي للإعلام أعطاها دورا محوريا في تسيير الصحافة المكتوبة وحتى الإلكترونية، فالمادة 11 من القانون العضوي تخضع إصدار كل نشرية دورية لإجراءات التسجيل لدى سلطة ضبط الصحافة المكتوبة، والمادة 13 تعطي الصلاحية لذات السلطة في منح الاعتماد بعد 60 يوما من إيداع التصريح.واللافت في قضية التنازل الجزئي عن أسهم “مجمع الخبر” إلى شركة “ناس برود”  مثلا، أن الوزارة احتجت على الصفقة بسبب مخالفتها للمادة 17 التي تفرض على المالك الجديد طلب الاعتماد من سلطة ضبط الصحافة المكتوبة التي لا توجد أصلا، لكن هذه المادة ليست هي الواردة في عريضة وزارة الاتصال.وما يثير السخرية أيضا، أن القانون العضوي للإعلام ينص في مادته 99 على أن “ينصب المجلس الأعلى لآداب وأخلاقيات مهنة الصحافة في أجل أقصاه سنة ابتداء من صدور هذا القانون العضوي”، لكن هذا المجلس لا أثر له رغم مرور 4 سنوات على استصدار القانون، في وقت يخصص الوزير حميد ڤرين حيزا واسعا من خطابه للحديث عن أخلاقيات المهنة !. كما لا تزال الفوضى تحكم سوق الإشهار العمومي وحتى الخاص، إذ لا يوجد إلى اليوم إطار قانوني يضع المعايير والقواعد لتوزيع الإشهار العمومي الذي يظل محكوما بمنطق القرب والولاء من سلطة القرار في البلاد، وتظل جرائد كبرى من حيث التوزيع والتأثير محرومة منه دون وجه حق.غياب قانون الإشهار وتمييع مهنة الصحفيوفي أفريل 2015، وزعت وزارة الاتصال “المشروع التمهيدي لقانون الإشهار”، على باقي الوزارات من أجل دراسته، لكن هذا المشروع اختفى فجأة ولم يأخذ مساره الطبيعي للتحول إلى قانون، فلم يتم عرضه على البرلمان وتم التكتم عليه تماما. ويتضمن المشروع التمهيدي لقانون الإشهار إنشاء هيئة إدارية جديدة، تسمى “مرصد وطني للإشهار”، يناط بها التنسيق مع سلطات الضبط المختصة، لكن القانون وضع هذا “لمرصد”“ تحت سلطة وزير الإعلام، ما يعني رهن استقلاليته، رغم تمتعه بالشخصية المعنوية والاستقلال المالي.ويلاحظ بوخدشة، ممثل مبادرة كرامة الصحفي، في تصريح لـ«الخبر”، أنه “على مستوى مراكز القرار لم تحسم العديد من الخيارات المتعلقة بتنظيم مهنة الصحافة، ولازالت حالة التخوف قائمة من بروز صحافة مستقلة، لذلك سيبقى الإشهار الورقة الضاغطة لدى السلطة، في ظل صحافة محكومة بقواعد سياسية وليس تجارية”.والأخطر من ذلك سعي وزارة الاتصال إلى تمييع مهنة الصحفي، عبر ما يسمى ببطاقة الصحفي المحترف التي تم منحها لمن هب ودب بمجرد استظهاره شهادة عمل، وهو ما خلق واقعا جديدا تحول فيه الكثير من الدخلاء على المهنة أو البعيدين تماما عنها إلى “صحفيين محترفين”، عبر لجنة مؤقتة أشرف الوزير على تنصيبها. وفي هذا الصدد، يقول رياض بوخدشة: “كنا نأمل في لجنة تتمتع بمصداقية عالية تحقق في الميدان من هو صحفي ومن هو دخيل، وتمنح هذه الصفة لمن يستحقها بمن في ذلك الصحفيون غير العاملين لسبب أو لآخر، لكن الذي حصل هو حيازة عدد معتبر من غير الصحفيين الحقيقيين لهذه البطاقة، فضلا عن كون البطاقة لم تفرق بين الصحفي المحترف والمتربص والمبتدئ، فقد تحصل عليها متربصون بعقود “لانام” وهذا أمر خطير يضر بمصداقية المهنة”.غشير: “حبس الصحفي لا يزال ممكنا”ومن الاختلالات الأخرى التي يرصدها المحامي والحقوقي بوجمعة غشير، أن القانون العضوي للإعلام على الرغم من عدم تضمنه أي عقوبة سالبة للحرية (الحبس)، إلا أنه في المقابل “تضمن عقوبات بالغرامة، وهي عقوبات جزائية قد تتحول إلى عقوبات سالبة للحرية في حالة العجز عن الدفع، بينما كان الأجدر جعل معالجة قضايا النشر عن طريق القضاء المدني”.ويضيف غشير، في تصريح لـ“الخبر”، أن القانون العضوي للإعلام “لم يعالج أيضا الوضعيات التي تضمنتها نصوص قانون العقوبات التي تعاقب على القذف والنشر. وكذلك محتوى المادة 46 من الأمر المتعلق بميثاق السلم والمصالحة الوطنية، التي تعاقب بدورها على النشر والتصريحات المرتبطة بالمأساة التي عرفتها الجزائر خلال التسعينات، أي أن الصحفي لايزال يخضع للعقوبات السالبة للحرية بمقتضى نصوص أخرى غير قانون الإعلام”.ويشير غشير إلى أن “قانون العقوبات يتضمن عقوبات سالبة للحرية في حالة الإساءة لرئيس الجمهورية عن طريق الكتابة أو الرسم أو التصريح، وبأية وسيلة بث، الصوت أو الصورة، أو بأية وسيلة إلكترونية أو معلوماتية أو إعلامية. وكذلك يعاقب بعقوبات سالبة للحرية في حالة ما يعتبر سبا أو قذفا في حق البرلمان والجهات القضائية والجيش والهيئات النظامية”.

مقال مؤرشف


هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.

تسجيل الدخول باقة الاشتراكات
كلمات دلالية: