+ -

 يبقى الإشهار عصب الحرب والحياة بالنسبة لوسائل الإعلام المختلفة بلا ريب، ويعرف سوق الإشهار في الجزائر نموا متسارعا على خلفية التحولات الاقتصادية، حيث ارتفع حجمه من حوالي 13 مليار دينار أو ما يعادل 119 مليون دولار عام 2008 إلى حوالي 35 مليار دينار أو ما يفوق 320 مليون دولار السنة الماضية، وفق معهد “إيمار” و200 مليون دولار بالنسبة لوزارة الاتصال، وفي وقت ساهمت التحولات التي تشهدها الساحة الإعلامية في إعادة توزيع الأوراق وتحديد الأولويات، مع بروز وسائط إعلامية جديدة سمعية بصرية وإلكترونية زاحمت الصحافة الورقية التقليدية على مشهد إعلامي متموج، ظلت السلطة السياسية تعتمد نفس المقاربات تجاه النشاط الإشهاري، من خلال إبقاء هيمنتها على جزء منه بطريقة مباشرة من خلال الوكالة الوطنية للنشر والإشهار، والتأثير على مسار جزء آخر، ليظل النشاط في غياب سلطة ضبط مستقلة ضمن دائرة الضغط والابتزاز، لكل من لا يعلن ولاء الطاعة.وفي الوقت الذي كان ينتظر أن تساهم التطورات المتسارعة في المشهد الإعلامي وبروز شبكات تلفزيونية تجاوز عددها الثلاثين، فضلا عن الصحافة الإلكترونية، فإذا بالمعادلة تبقى قائمة، فالسلطة السياسية أبقت على إصرارها على إغلاق مجال الإشهار العمومي عن طريق الاحتكار بواسطة وكالة تابعة لها، فيما استقطبت قوى المال لمسايرة سياسات توزيع ما اعتبر ريعا قابلا للتفاوض عليه، بينما كان السوق كفيلا بتحديد القواعد التجارية والاقتصادية ومستوى النجاعة للمعلنين دون توجيه، فيما كان مطلوبا من وسائط الإعلام التكيف مع المتغيرات والحراك الذي تعرفه الساحة الإعلامية، على غرار ما يحدث في باقي بلدان العالم.ووفقا لتقديرات معهد “إيمار” للاستشارات مثلا، فإن نفقات الإشهار خلال أول ثلاثي من سنة 2015، بلغت 10,2 ملايير دينار، أي ما يعادل 91,74 مليون دولار، بنسبة نمو بلغت 42 في المائة مقارنة بنفس الفترة من 2014، تحوز فيها القنوات التلفزيونية على نسبة 84,2 في المائة من الحصص، مقابل 10,3 في المائة للصحافة المكتوبة، وهو ما يعكس التحولات التي يعرفها المشهد الإعلامي، وهي ظاهرة عالمية في ظل تسارع المعلومة وبروز شبكات التواصل الاجتماعي كوسائط، وسرت نفس القاعدة على السنة التي قدر حجم سوقها الإشهاري بحوالي 35 مليار دينار، كانعكاس لتوجه معلوم، أضحت الصحافة ملزمة على التكيف معها سواء من حيث استقطاب السمعي البصري للجزء الأكبر من الإعلانات أو تراجع عدد المعلنين في أبرز القطاعات التي شكلت حجز الزاوية وأساس الإعلان الإشهاري للصحافة المكتوبة، ويتعلق الأمر بالصناعة الغذائية والاتصالات والسيارات، ولكن ما يظل إشكالا غير قابل للتجاوز، هي سياسات التضييق التي تعترض الصحافة والتضييق على المساحات باستخدام الإشهار كأداة ضغط ومساومة، لاسيما العمومي منه واعتباره ريعا، رغم أن العلاقة القائمة تجارية في الأساس، انطلاقا من الوعي بأن الإعلان أو الإشهار هو أحد الأنشطة الإعلامية التي لا يمكن أن تتخلى عنها مختلف الوسائط الإعلامية والصحفية، سواء كانت مكتوبة أو مرئية أو مسموعة، ورغم اعتبار السلطات العمومية أن الاحتكار غير قائم وأن حصة الوكالة الوطنية للنشر والإشهار التي أسستها منذ سنة 1967، أي منذ قرابة نصف قرن من الزمن، لا تمثل سوى حوالي 10 في المائة من حجم السوق الإشهاري، إلا أن الواقع يكشف تناقضات كثيرة، في غياب ضوابط معلومة ومحددة وشفافة تنظم سوق الإشهار وتؤطره وتحد من تأثير البعد السياسي على تسيير الإشهار التجاري أو توجيهه، والتحكم فيه بطريقة مباشرة وغير مباشرة، في مسعى للتأثير على استقلالية الصحف ومساحات الحريات أو تحويله إلى عامل مكافأة نظير الولاء، بمنح الوكالة العمومية حق الامتياز في تسيير وتنظيم وتوزيع الإشهار بين الصحافة العمومية والخاصة وبين المتعاملين الاقتصاديين والمستثمرين، ليتم الحد من هامش المستثمرين في اختيار دعائمهم الإشهارية، والتأثير المباشر وغير المباشر على عناوين الصحف وقنوات التلفزيون، هذا الوضع يجعل إنشاء سلطة ضبط لسوق الإشهار ترسي قواعد شفافة ومستقلة، يجمع بين الفاعلين من متعاملين ومعلنين أمرا ضروريا، مع إبعاد سوق الإشهار عن التوجيه السياسي، مع وجود قوانين تسير سوق الإشهار لضمان تنافس تجاري غير انتقائي، والابتعاد عن المقاربة الريعية التي تبنتها السلطة منذ سنوات.

مقال مؤرشف


هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.

تسجيل الدخول باقة الاشتراكات
كلمات دلالية: