38serv

+ -

”ارفعوا المستوى”.. عبارة صار يتقاذفها النواب والوزراء في الجلسات التي تجمعهم تحت قبة البرلمان، كنوع من الاعتراف المتبادل لكل طرف بعدم كفاءة الآخر، ولكل أسبابه في ذلك، فالنواب يرفضون الهيمنة التي يمارسها عليهم الجهاز التنفيذي، بينما الوزراء صاروا يحرجون من البهدلة التي يتعرضون لها على أيدي بعض النواب، وبين الطرفين ضاع العمل البرلماني الجاد، حتى صارت العهدة الحالية تنعت بالأسوأ في تاريخ الجزائر.- بن خلاف: “العهدة البرلمانية تحولت إلى وظيفة”- شهاب صديق: “هيمنة الحكومة لها خلفيات بيروقراطية”  صارت مألوفة لدى الجزائريين تلك المشاهد الصدامية التي تجمع نواب البرلمان مع وزراء الحكومة، سواء في الجلسات العامة أو ما يتسرب من لقاءات اللجان المتخصصة مع الوزراء، ففي كل مرة يحاول النواب افتكاك حقهم في استجواب وزير أو مساءلته، إلا ويصطدمون بعدم مبالاة الأخير و«تتفيه” مضمون السؤال، والرد غالبا بعبارة “ارفعوا المستوى”.ذلك ما جرى على لسان الطيب لوح، وزير العدل، عندما حاصره النواب في جلسة أخيرة، حول موضوع عودة الوزير السابق المثير للجدل، شكيب خليل، وأسباب تخلف القضاء عن مساءلته، بعد أن سبق واتهمه بتكوين جماعة أشرار وأصدر أمرا دوليا بالقبض عليه. وبنفس العبارة تقريبا ردت وزير التضامن، مونية مسلم، عندما وصفت النواب بعديمي المستوى، في جلسة جمعتها بأعضاء لجنة الصحة بالمجلس الشعبي الوطني، وتناقلت بعض النواب النساء أن الوزيرة وصفتهن أيضا بـ«برلمان الحفافات”، وهو ما جر على الوزيرة غضبا عارما ظهر في مقاطعة مجموعة من البرلمانيات لوزيرة التضامن التي نابت عن وزير العدل حافظ الاختتام، خلال جلسة التصديق على مشروع تعديل قانون العقوبات.وبغض النظر عن التجاوزات اللفظية، بلغت هيمنة المؤسسة التنفيذية مداها على البرلمان، في العهدة الحالية، من خلال التدخل حتى في عطلة النواب التي تم تقديمها بشهر في جويلية الماضي، وتحديد الحكومة جدول الأعمال الذي تراه مناسبا، فضلا عن عدم التزامها بتقديم بيان السياسة العامة، إلى جانب إعطاء التعقيب الأخير دائما للوزير في الأسئلة الشفهية، والامتناع عن إيفاد وزراء بعينهم إلى البرلمان مثل وزيري الخارجية ونائب وزير الدفاع. كما أن الحكومة تجنبت في كثير من المرات إحراج النواب الذين أرادوا إنشاء لجان تحقيق في قضايا الفساد أو التسيير الإعلامي لاعتداء تيڤنتورين.ومع أن المفترض في رئاسة المجلس الشعبي الوطني الدفاع عن سيادة المؤسسة التشريعية، إلا أنها غالبا ما تنتصر للوزراء في مواجهة النواب، وقد تجلى ذلك في مقاطعات العربي ولد خليفة المتكررة للنواب كلما زاد تدخلهم عن “الجرعة” المطلوبة في انتقاد الوزراء أو ما فوقهم، إلى درجة قوله لأحد النواب: “من تكون أنت حتى تقيم وزيرا؟”، وهي عبارة جلبت سخطا عارما على رئيس المجلس الشعبي الوطني الذي اتهمه بعض النواب بأنه ما يزال يعيش زمن السبعينات، حيث لا يحق للنائب إلا أن يبارك عمل الوزير! كما يعاب على رئاسة المجلس ضعفها أمام الجهاز التنفيذي، خاصة فيما يتعلق بتمرير بعض الأسئلة الشفهية للوزراء، أو مبادرات فتح النقاش أو إنشاء لجان التحقيق فيما تراه الحكومة محرجا.وأمام ضعف قدرتهم على أداء مهمتهم التشريعية والرقابية، صار بعض النواب يلجأون إلى تفجير غضبهم تجاه الوزراء خلال الأيام القليلة التي يكون فيها هؤلاء متاحين لهم في الجلسات العلنية، عبر تدخلات استعراضية بعيدة في كثير من الأحيان عن موضوع المناقشة، تتصف بالحدة والتقليل من شأن الوزراء وقدرتهم على التسيير، والتشكيك في مستواهم، واستعراض فضائح قطاعاتهم أو النيل من أصولهم أو ما يثار عن امتلاك بعضهم لجنسيات مزدوجة.ومن هؤلاء، ظهر النائب “سبيسيفيك” الذي صار بعبعا للعديد من الوزراء وكذلك لرئيس المجلس الذي لم يجد صيغة مناسبة للتعامل معه.تصرفات بعض الوزراء في معاملة النواب يرجعها النائب عن جبهة العدالة والتنمية، لخضر بن خلاف، إلى طبيعة المؤسسة التشريعية التي تحولت في هذه العهدة إلى وظيفة تشريعية، حيث أصبح أغلبية النواب يعتبرون أنفسهم موظفين وليس نوابا، وهذا يعود بالأساس إلى طبيعة الوصول إلى المجلس الذي يأتي بالتعيين وليس الانتخاب، وبذلك فقد النواب مصداقيتهم وبالتالي الهيئة التشريعية ككل.كما يشير بن خلاف إلى أن بعض النواب يتحملون أيضا المسؤولية بسبب جريهم وراء الوزراء لقضاء مصالحهم بشكل يهين العهدة البرلمانية، ويجعلهم في حالة ضعف شديد يستغلها الوزراء. غير أن النائب لا يضع كافة الوزراء في سلة واحدة، فهناك من يحترم النائب ويستمع إلى الانشغالات التي ينقلها إليه باحترام، وهناك من يصم آذانه ويتصرف بشكل غير لائق. ويحمل في الوقت نفسه رئاسة المجلس مسؤولية تضييع هيبته بسبب رضوخها لطلبات الحكومة على حساب النواب.ويعترف النائب عن التجمع الوطني الديمقراطي، شهاب صديق، رغم انتماء حزبه للموالاة، بأن ثمة “هيمنة للجهاز التنفيذي على البرلمان”، لكنه يرجعها إلى طبيعة النظام السياسي الذي يغلب عليه الطابع البيروقراطي الإداري الموروث عن الحقبة الاستعمارية، وعدم الاجتهاد في وضع نظام يتلاءم مع طموحات الجزائريين، ويعتقد أن علاج هذه الظاهرة يتطلب منح مزيد من الوقت للممارسة الديمقراطية في الجزائر.ويخلص صديق إلى أن ثمة صراعا بين السياسة والبيروقراطية، ففي كثير من الأحيان يتصرف الوزير كرجل إداري، أو يسمح لنفسه بإطلاق أحكام قيمية على النائب كقول بعضهم “ارفعوا المستوى”، وهو حكم مردود على أصحابه، يقول، لو كانوا يعلمون أن البرلمان شريك لهم في الحكم، والعلاقة بينهما يفترض أن تكون تكاملية.

مقال مؤرشف


هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.

تسجيل الدخول باقة الاشتراكات