38serv

+ -

تكفل رياض محرز، لأيام، بمهام الدبلوماسي الجزائري الناشط، من أجل تلميع صورة الجزائر بالخارج، دون تكاليف تقع على كاهل الدولة، ولا مقر ولا حرس ولا حتى وجبات غداء وقهوة وشاي. وكان للجزائر، بفضل نجم ليستر سيتي، عنوانا بارزا، في ليلة من ليالي لندن، بعمر سنوات تقضيها حكومات في مساعي الترويج لبلادها، دونما ضمان لتحقيق الهدف، لكن محرز، يدري أو دون أن يدري، حقق ذلك، له ولبلاده، كما زج باسمها في زيارة عبد القادر مساهل إلى سوريا دون انقطاع، كذلك، كانت لافتة بارزة خلف ظهر محرز وهو يتسلم جائزة الأفضل في بريطانيا.الجزائر تحطم قفص الأسدفي أحايين عدة، ينتزع لاعبو الكرة مهام الدبلوماسية من السياسيين، ويضعونها بين أرجلهم، ويداعبونها حتى تصير لافتة كبيرة وعريضة، مكتوب عليها “دولة المنشأ”، ودولة المنشأ بالنسبة لمحرز، روج لاسمها عبر كبرى وسائل الإعلام العالمية، وفي قلعات الحكم بالجمهوريات كما بالملكيات، واسم الجزائر دوى أول البارحة في محفلين، كبيرين، الأول بلندن، حيث التتويج الأكبر في”البريمرليغ”، واعتبره الجزائريون، عبر العالم، تتويجا لكل جزائري، والجزائريون، كانوا مخطئين أو على صواب، فذلك الشعور لا يقوى على إيقافه حتى ذوو العقول الرصينة، التي تعتبر الكرة مجرد شحمة يلهث وراءها الناس، أما الثاني، فسياسي بحت، تمثل في استقبال بشار الأسد الوزير الجزائري عبد القادر مساهل، في زيارة قدمت على أنها “استثناء دولي” من حيث خصوم بشار غلفوها بقراءات تقول إن الجزائر كسرت قفص الأسد وأخرجته ليتنفس.لكن بين محرز الرياضي والدبلوماسي “الجمهوري”، الذي صنع من تواضعه ما لم يصنعه الملكي “فاردي”، بالتتويج بلقب الأفضل في بريطانيا، كرويا، ومساهل الذي قدم في وسائل الإعلام العربية، أمس، بـ”الخبير في الشؤون العربية والإفريقية”، وعلى هذا أوفده الرئيس بوتفليقة إلى بلاد الشام، بينما لم يرسل رمطان لعامرة، فرق كبير، فالأول أهدى لبلاد لا يعرفها كما يعرفها مساهل، ما لم يقدمه قطاع من دبلوماسيين، في الخارج، لبلادهم، بينما الثاني، لا يعرف محرز، ذاته، أو هذا الذي خرج لتوه من أفقر الأحياء الباريسية، ليقول لأمه إنه يريد تحقيق حلم أبيه المتوفى، في أن يكون سندا للجزائريين عبر منتخبهم الوطني، فكان لهم، قبل المنتخب، سندا، من مدينة ليستر، حيث الظلام توارى تحضيرا لنصب تمثال البطل، في مدينة كانت منسية كرويا، تماما كما كانت الجزائر منسية، دوليا، سنوات الإرهاب، وراح مساهل يستعرض تجربتها في هذا الملف بالذات، عارضا سياسة المصالحة على الأسد، لعلها تنفع في إخراج البلاد من الظلام. "ميدو" يتحاشى حلاقي الدوحة !لكن محرز الذي تلقى همسا في أذنه، عند صعوده مروحية التتويج، أن “ميدو” صار يتحاشى حلاقي الدوحة، لا يعرف هذه التفاصيل السياسية، رغم معرفته بأبجديات صعود سلالم الكرة، من أبسط حي باريسي إلى مدينة تنتظر التتويج باللقب، مثلما صعدت الجزائرية من دائرة الغموض إلى باحة العلن في موقفها من الأزمة السورية، ومواقفها الرديفة من عاصفة الحزم في اليمن إلى القوة العربية المشتركة، إلى الموقف من تجريم “حزب الله” وفقا لموقف الجامعة العربية، التي تلتحق بها الجزائر من أجل تفادي شغور المقعد فقط، لكن، وحتى وإن كان محرز لا يعرف هذه الأشياء، لأنه يتجاهل دوما “يمناه” التي لم تجلب له الحظ، وتجاوز هذه الأمور، جميعها، وصولا إلى تزيين صورة بلاده، بيسراه، إلا أن مواطنته، المسيسة حتى النخاع، ماليا بوعطية، اليسارية التي انقشع لها ضباب لندن وصعدت هي الأخرى السلالم إلى قلعة الملكة إيليزابيت، وصولا إلى المنصب الأول في اتحاد الطلبة البريطانيين، وعمرها لا يتجاوز 28 عاما، تعرف هذه الأشياء، ولمعرفتها الجيدة بها، تواجه حملة من يهود، يعدون طبخات الانسحاب من الاتحاد الذي تقود فيه أكثر من مليوني طالب وطالبة، ومن يخوض في مواقف بوعطية، هذه الطفلة الهاربة من الإرهاب في الجزائر وعمرها لم يتعد سبع سنوات، يجدها تحاكي خطابات الوزيرين لعمامرة ومساهل، من خلال تساؤلات تطرحها، من رحم من ولد تنظيم الدولة في سوريا والعراق؟ في إجاباتها عن دعوات بإدانة تنظيم داعش، مقابل تزكيتها، تماما مثل التحدي الذي وجهه عمار سعداني للويزة حنون، بأن يستقيل إن هي تلفظت بالبسملة، لكن بوعطية فهمت أن هذه الدعوات مغلفة بطبقة سميكة بالإسلاموفوبيا، المشبعة بالخلط بين الإسلام والإرهاب، وبين الإرهاب والمقاومة، بينما ترى أن الإعلام “الصهيوني” يصنف المقاومة “إرهابا”، عندما كانت تتحدث عن القضية الفلسطينية، وهي مقاربة تجلت في الموقف الرسمي الجزائري، المعبر عنه آخرا، في ملف “حزب الله” داخل الجامعة العربية، وثبتت ماليا على مواقفها رغم الانتقادات الواسعة التي تواجهها من الجمعيات اليهودية الساعية لتأليب الجامعات ضدها، بينما تعتقد هي، بعد انتخابها على رأس التنظيم الطلابي الذي يضم 600 اتحاد، أنه “الآن فقط يمكن لكامرون أن يتفاوض مع الطلبة”."يسارية " محرز وماليا "اليسارية"محرز يساري القدم، وبوعطية يسارية التوجه، في بلاد يمينية الموقف حيال أزمة سورية تنازل فيها الموقف البريطاني المتطرف حيال الإقرار بدور للأسد في مفاوضات الحل النهائي، مثلما تراجعت باريس وواشنطن ومساهل لما فهم أن خصوم الأسد، الغربيين، فهموا بدورهم أن لا مخرج دون بشار في بلد يباد فيه الشعب بلا رحمة بسببه أو بدونه، لم يجد حرجا في زيارة قلعة الأسد، وهي أول زيارة لمسؤول جزائري إلى دمشق منذ 2009، رغم حملة العداء التي يشنها الإعلام الخليجي، والرحمة مصطلح غريب لدى قوى تريد إبادة الروح السورية “المارقة” في الشرق الأوسط وإعادة قولبة الخارطة السورية بتقسيم بلد، تحول إلى “شام” تصفر فيه الرياح بعد أن هجرته قوافل الهاربين من الموت، ومنهم من يجاور في بريطانيا، محرز وماليا، وبوعطية نهلت من مأساة اللاجئين، ما مكنها من الرد على من يتهمها بعدم إدانة “داعش”.رفعت الجزائر سرعتها إلى الدرجة القصوى في الملف السوري، وهو الملف المحوري، عربيا وإقليميا ودوليا، الذي يمثل المؤشر الوحيد والكافي المعتمد عليه في قياس انحناءات الحكومات نحو التكتلات المتصارعة، وفقا لـ”معي أو ضدي”، ومنه رسم معالم مصيرها، على المدى المتوسط أو الطويل، مثلما فعلت السعودية، خلال قمة الخليج - المغرب، حتى وإن كانت زيارة عبد القادر مساهل إلى سوريا ليست بالضرورة ردا على وضع دول الخليج، مجتمعة، بيضها كله في سلة المملكة الجارة، لكن زيارة الوزير الأول عبد المالك سلال إلى موسكو، والحديث عن زيارة مرتقبة لوزير الخارجية رمطان لعمامرة إلى طهران، ستحمل دلالات إضافية لهؤلاء الذين صنفوا الجزائر عدوا جديدا للخليج، بعد باراك أوباما، وبعد أن اعتقد الناس أن مصطلحي الحرب الباردة وتوازن الرعب قد ماتا في خزائن التاريخ، وجدوهما، متجليين، في العصر الجديد بعدما اعتقد خطأ أن الكلاشنيكوف قد وضعت في متحف، وحل بدلها سلاح الفيسبوك والتويتر الذي استخدمه الوزير الأول الفرنسي، مانويل فالس، ضد الرئيس بوتفليقة، بينما قالت فيه قراءات “جانبية” إنه فضل جنيف لإجراء فحوصات طبية دورية بدلا من غرونوبل الفرنسية، حيث اعتادوظلت وسائل الإعلام العربية والدولية، على مدار ثلاثة أيام، تراقب تحركات الوزير مساهل، متجها إلى قلعة دمشق، حيث الاعتقاد السائد أن أشباحا داخل القلعة تحوم حول بشار الأسد، وجاء مساهل من المغرب العربي ليكسر عزلة عنه عمرت سنوات، بسنوات الغموض، أو كما وصف، عربيا، في مواقف الجزائر تجاه القضية السورية، بكل عناوينها المتضادة، الإنسانية والحربية والمؤامراتية، بينما إيحاءات كثيرة، على صورة مساهل مع الأسد، تقول إنها مؤشر على أن الخطوة الجزائرية باتجاه بلاد الشام، واحد من مؤشرات دخول الأسد العملية السياسية، بصفة فعلية، فأما آن للأسد أن يخرج من جحره، وأما آن لـ”ميدو” أن يحلق شعره؟

مقال مؤرشف


هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.

تسجيل الدخول باقة الاشتراكات