38serv

+ -

 لقد ظلّت هذه الظاهرة في تفكيرنا حتّى حينما استيقظنا، فإنّنا نرى حتّى في بعض كتبنا هذا النّوع من التّكديس، فقد قرأت كتابًا تحت عنوان “مشكلاتنا الاجتماعية”، وتحت هذا العنوان رأيت فصولاً أربعة أو خمسة تعالج موضوعات الفقر والجهل والمرض: فتحت عنوان الفقر نرى كلّ ما يتعلّق بالحياة الاقتصادية من الحديث عن المصارف والبضاعة والأسواق، أي بكلّ ما يتّصل بكلمة فقر وما يقابلها من غنى وثروة، ذلك لأنّ كلمة فقر توحي بهذه المعاني جميعًا.فهذا ضرب من تداعي المعاني والأفكار، إذ أضع كلمة وآتي معها بكلّ الأفكار الّتي تدخل تحتها.ومن الطبيعي أنّ هذا ليس ببناء، ولكن تكديس وجمع للمفردات لا يؤدّي إلى حلّ المشكلات ولا يأتي بنتيجة، إذ القارئ لا يشعر بأنّها قدّمت له حقيقة.ثمّ نراه بعد ذلك يأتي إلى فصل الجهل فيتحدث عن المدارس وما يتعلّق بها ويأتي بالإحصائيات في هذا المضمار، وكذلك الحالة الصحيّة وما يدخل تحت هذا العنوان من معان. فهذا النوع من الدّراسات اسمه دراسات تكديس أو دراسات جزئية لا تأتينا بالحلول للقضايا، وإنّما فقط تعطينا تلميحات لقضايا جزئية معيّنة. وهذا ليس بالحلّ الصّحيح الجذري الّذي يقتلع المرض من جذوره.فلو أنّني استخدمتُ طريقة ردّ الفعل في حلّ المشكلات فقلت الفقر علاجه الغنى، فإنّ النّظرة الفاحصة تكشف عن فساد المقياس. ذلك لأنّنا لو نظرنا إلى العالم الإسلامي وحدّدنا إمكانياته المالية والاقتصادية، فهل نراه يتصرّف طبقًا لإمكانياته أو دون ذلك؟ إنّه لا شكّ يتصرّف دون إمكانياته بكثير.وحتّى أدلّل لكم على ذلك أقصّ لكم هذه القصّة: فقد كنتُ ذات يوم أتناقش مع أحد أصدقائي في مدينة تبسة، فقال لي نحن فقراء، فأجبته ليس الفقر فينا بل أشياء أخرى أجلّ من الفقر وأعظم. وقد كان هذا في معرض الحديث عن ميزانية مدرسة في المدينة لجمعية العلماء الجزائريين، كان يقوم على أمرها ويبذل من جهوده وإمكانياته في سبيلها الشّيء الكثير، لأنّ المجتمع لا يؤدّي الواجب عليه نحو هذا المعهد. فسألته عن ميزانية المدرسة فقال إنّها 600 ألف فرنك، والمجتمع فقير لا يستطيع تسديد هذا المبلغ، وهو مبلغ زهيد، فقلت له إنّ المجتمع ليس بفقير ولكن به مرض اجتماعي آخر. وإن شئتَ التأكد من صحّة هذا القول فاخرج معي إلى المدينة لنقف على مبلغ فقر الشعب.فخرجنا وبعد جولة قصيرة وجدنا في تلك اللّيلة قاعتي سينما ومسرحًا للحيوانات، وكان زيادة على ذلك زبائن الخمارات، فقدّرنا مصاريف تلك اللّيلة بـ250 ألف فرنك، أي أكثر من ربع ميزانية سنة لمشروع خيري. فالقضية إذًا ليست قضية فقر ولكن عدم شعور بالمسؤولية.فالمجتمع الإسلامي عندنا لم يشعر بعد بمسؤوليته، وهنالك أمثلة كثيرة تؤكّد هذه الحقيقة.

مقال مؤرشف


هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.

تسجيل الدخول باقة الاشتراكات