+ -

اعتاد الأمين العام لجبهة التحرير الوطني، عمار سعداني، أن يصنع الحدث إعلاميا وسياسيا بتصريحاته المثيرة للجدل، لكن السهام، هذه المرة، توجهت نحوه من دون أن يتحدث، بل إنها استنكرت صمته عن الكلام، في قضية لا ينبغي فيها لمسؤول الأفالان الأول، برمزية الحزب التاريخية أو على الأقل ما تبقى منها، أن يتخلفعن أداء واجب الدفاع لارتباطها بالمستعمر القديم. ”أين هو عمار سعداني؟” سؤال يردده الجميع دون أن يحصلوا على الإجابة الشافية، فالرجل الذي اعتاد دائما أن يكون حاضرا في المواعيد الكبرى، بتصريحاته التي تخرج أحيانا عن دائرة المعقول، دفاعا عن بوتفليقة وسنوات حكمه، التزم صمت القبور والرئيس “يهان وتنشر صوره مريضا شاردا”، وممن؟ مانويل فالس الوزير الأول الفرنسي، وفي موضوع صحة الرئيس الحساس الذي يسعى كل من في السلطة إلى التكتم عليه ومحاربة من يفتح ملفه.وقد كان ممكنا أن يتفهم تعذر سعداني عن الحديث لأسبابه الخاصة، لو أن هذا التجاوز في نظر السلطة لم يصدر من الوزير الأول الفرنسي نفسه، أي من دولة المستعمر القديم، فالتجاوز عندما يأتي من فرنسا يكون أكثر إيلاما للأسباب التاريخية المعروفة، والرد يكون أكثر إلحاحا من جانب الأفالان، الذي يبني جزءا كبيرا من مشروعه السياسي على إبقاء ذاكرة الجزائريين زمن الاستعمار حية، ويحذر في كل مرة من تدخلها في الشأن الجزائري، ويشدد على ضرورة التعامل معها بندية الدول المستقلة في القرار.لذلك انطلقت التأويلات في كل اتجاه، تفسر وتحلل غياب الأمين العام للأفالان، عن مواجهة “إهانة” المسؤولين الفرنسيين، فمنها من اعتبر أن الرجل قد تم الاستغناء عن خدماته من عرابيه في محيط الرئيس بوتفليقة، ومنها من تطرف في اعتبار صمته “تواطؤا” منه خوفا على أملاكه وبطاقة إقامته في فرنسا، وهناك من تعاطف معه واعتبره مثل سائر البشر الذين تعتريهم العوارض الصحية وتجبرهم على الابتعاد قليلا.لكن الأكيد، أن كثيرين في الأفالان اليوم منزعجون من ترك أحمد أويحيى وحيدا في ساحة الدفاع عن الرئيس بوتفليقة، وهو الذي كان يتهمه عمار سعداني إلى وقت قريب بأنه غير وفي للرئيس ويريد أن يحل مكانه، فكيف سيتعامل الأمين العام للأفالان مع هذا الموقف المحرج في ظهوره الإعلامي المرتقب؟”سعداني حاضر وليس غائبا”عند مقربيه، الحديث عن غياب سعداني لا يخلو من توظيف لا يستبعد أن يكون أحمد أويحيى وراءه. يشرح حسين خلدون، الناطق الرسمي باسم الأفالان، ذلك بالقول: “فوجئنا بجدل في الإعلام حول غياب سعداني، وهو في الحقيقة لم يكن أبدا غائبا، فهو من أطلق مبادرة الجدار الوطني لحماية الجزائر من التدخلات الأجنبية، وهو من سافر إلى الصين لتمثيل الأفالان بدعوة من الحزب الشيوعي الصيني، وهو الذي رد بقوة عندما طعنت جريدة “لوموند” في نزاهة الرئيس بوتفليقة دون وجه حق، وعندما نشر فالس الصورة هو من كلفني بإظهار موقف الحزب الذي كان حازما”.ويضيف خلدون: “بعد كل الذي فعله سعداني دفاعا عن الجزائر والرئيس من الهجمة الفرنسية، ظهر أخيرا السيد أحمد أويحيى للرد على فالس بخصوص الصورة التي نشرها، ومع أنه من حقه ذلك كرجل سياسي، إلا أنه تأخر في منظورنا كثيرا، لكن البعض للأسف هرع لإعطائه دور الزعامة ووصف رده بالسريع والقوي، رغم أنه كان عاديا جدا، وبالمقابل أصبح سعداني هو المتهم. هذا ما يظهر أن ثمة توظيفا يراد به ضرب عمار سعداني بعد أن زعزعت تصريحاته أحمد أويحيى، حينما وصفه بأنه ليس وفيا للرئيس”.والأغرب من كل ذلك، وفق خلدون أن “يكون أويحيى مسؤولا عن الصورة التي نشرها فالس ثم يهاجم الفرنسيين، وفق منطق “يقتل القتيل ثم يمشي في جنازته”. كيف ذلك؟ يوضح القيادي في الأفالان موقفه قائلا: “إذا كان أويحيى بحق يدافع عن الرئيس، فالأولى به كمدير ديوان في رئاسة الجمهورية أن يمنع الكاميرات الفرنسية المسمومة التي دخلت وصورت الرئيس وتلاعبت بصوره كما تشاء”.وينتهي خلدون إلى الطمأنة بأن سعداني موجود في الجزائر، وهو يجري من حين لآخر فحوصا طبية تجبره على أخذ قسط من الراحة فقط.”الأفالان أصبح أصم أبكم”أما بالنسبة لعبد الرحمن بلعياط، المتمسك بعدم شرعية القيادة الحالية للأفالان، فإن المسألة واضحة وهي أن “سعداني سكت لأنه لا يستطيع الكلام لما يتعلق الأمر بفرنسا، فهو يخاف من انتقام مسؤوليها بسبب أملاكه الموجودة هناك ومن منعه من الدخول أو تعطيل بطاقة إقامته، وبالتالي حساباته منعته من إبداء موقف مشرف، فاحتمى بالصمت”.يقول بلعياط إن “ذلك مقبول لو كان يخص شخص سعداني فقط، ولكن الأمر هنا يتعلق بحزب جبهة التحرير الوطني الذي لا ينبغي له أن يتخلف عن حدث خطير كهذا”. والمشكلة في نظره أيضا، أن سعداني من “خلال المؤتمر غير الشرعي الذي نظمه، عطل كل هياكل الحزب وجعل نفسه متحدثا وحيدا، يحضر الحزب إذا حضر ويغيب إذا غاب”.والأفالان بهذه الطريقة عند بلعياط، تحول إلى “حزب أصم أبكم، يغيب صوته عن الدفاع عن الرئيس بوتفليقة من اعتداء فرنسي سافر عليه، وفي ذلك إهانة كبيرة للحزب، خاصة عندما تأتي من الفرنسيين، وعلى الجميع أن يتنبه لها ويمنع استمرارها، والبداية تكون بإلغاء المؤتمر العاشر الذي جاء بسعداني وزمرته”.

مقال مؤرشف


هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.

تسجيل الدخول باقة الاشتراكات