لم يعد انشغال المواطنين في التجاوب مع مبادرات الحكومة يرتبط فقط بمعيار “الثقة” التي لطالما شكّلت نقطة فصل تحدّد نجاح العمليات الكبرى التي توجّهت بالمقام الأول لاسترجاع الكتل النقدية الضخمة لضخها في محرك دواليب الاقتصاد الوطني، بدلا من بقائها في ظل السوق الموازية، إذ أضحى إطلاق القرض السندي وتحديد نسب عائدات سنوية (فائدة) تتراوحبين 5 إلى 5.75 في المائة إشكالا من نوع آخر، وإن كانت النتيجة النهائية ذاتها من شأنها أن ترهن مصير المبادرة. “حلال أو حرام؟” هو العنوان الكبير لتساؤل المواطنين الذين أبدوا رغبة في شراء سندات الحكومة، بسبب شبهة الربا التي تحيط بعملية كرّست لها السلطات العمومية ووزارة المالية حملة واسعة لإنجاحها، حوّلت الوزير عبد الرحمان بن خالفة في نهاية المطاف إلى “مفتي” يضمن أن “العائدات” جائزة من الناحية الشرعية ولا يشوبها أي مانع ديني، فيما لم تستفد الحكومة من تجاربها السابقةفرض فائدة ربوية على المجتمع لا يجوزفي هذا الاتجاه، تأسّف رئيس النقابة الوطنية للأئمة وموظفي الشؤون الدينية، جلول حجيمي، عن طرح هذا النوع من التساؤلات والاستفسارات بعد إطلاقها من قبل الحكومة ودخولها حيز العمل. وأوضح بأنه كان من باب أولى الرجوع إلى رأي أهل العلم قبل المضي في التجربة. وأرجع الأمر إلى عدم وجود هيئة شرعية تشرف على الإفتاء وتحمي المرجعية الدينية الوطنية، لاسيما في مثل هذه القضايا ذات الأبعاد الوطنية والتي تفرض على جميع شرائح المجتمع من مواطنين ومتعاملين اقتصاديين، بدلا من “إحراج وزير الشؤون الدينية والأوقاف في الرد على هذا السؤال” من منطلق أنّ الوزارة لها قبعة الدور السياسي والإداري المكلفة به.وذكر حجيمي، في تصريحه لـ”الخبر”، بأنّ الجهات الوصية كانت مطالبة بتشكل لجنة مختصة تتكون من خبراء في المجال الاقتصادي والمالي والعلماء المتحكمين في الشريعة الإسلامية وقضايا الحلال والحرام، للخروج بمبادرة متكاملة لا تشوبها شبهات الربا، وتضمن على أساسها تجاوب المواطنين معها، حيث أضاف أنّ “المواطن الجزائري وإن كان متناقضا أو مقصّرا في أمور دينه، لا يتهاون أبدا بالوقوع في معاملات ربوية” مهما كانت نسبة الفائدة المقررة. وبالرجوع إلى الفتوى الشرعية في قضية القرض السندي أو ما أطلقت عليه وزارة المالية اسم “القرض الوطني للنمو الاقتصادي”، يرى رئيس نقابة الأئمة، أنّ الفائدة المقررة غير جائزة، باعتبار أن الربا هو كل قرض جرّ فائدة، بصرف النظر عن النسبة كبيرة أو صغيرة، وفرض هذا النوع من المعاملات غير جائز، بينما تنص مواد الدستور صراحة على أنّ الاسلام هو دين الدولة. مضيفا أن استشارة المختصين من أهل العلم يمنح الجهة الوصية أفضلية الحصول على الحلول البديلة، التي تضمن من خلالها نجاح العملية، مع ضمان الالتزام بأحكام الشرع، وأشار في هذا الخصوص إلى الطرق الإسلامية الكثيرة التي أثبتت نجاحها في العديد من الدول حول العالم.الحكومة لم تدرس طبيعة المواطن الجزائريلم يختلف رأي الخبير في الشؤون الاقتصادية، فارس مسدور، عن الفتوى التي ذهب إليها رئيس نقابة الأئمة، وقال إنّ الحكومة كان أمامها العديد من الحلول الرابحة على الصعيدين الديني والاقتصادي على حد سواء، وتوقّع بأنّ يكون مصير عملية القرض السندي الفشل، والسبب الرئيسي عدم تفطّن الحكومة والجهات المسؤولة على دراسة طبيعة المواطن الجزائري الرافض للتعامل بالربا أخذا وعطاء، الأمر الذي يفسّر عزوف أصحاب الأموال على إيداع أموالهم على مستوى البنوك مخافة الوقوع في شبهة الربا.وعلى هذا الأساس، قال المتحدث بأنه يفترض على السلطات العمومية منح (على الأقل) إمكانية الخيار للمكتتبين للتوجّه إلى القرض السندي أو التعامل بالصيغ الإسلامية على غرار السندات التشاركية، ووضع الشخص (الطبيعي أو الاعتباري) أمام مسؤوليته، واستدل بتجارب العديد من الدول في هذا المجال، على غرار تجربة ماليزيا الرائدة، من خلال فتح باب الاكتتاب لاقتناء السندات الموجهة لمشروع معيّن، على أن تكون نسبة العائدات أو الأرباح غير محددة مسبقا، وإنما تخضع لطبيعة المشروع ومردوديته.الفوائد العالية تهدد الاقتصاد بالتضخم أما على الصعيد الاقتصادي المحض، فقد أوضح الخبير الاقتصادي بأنّ إقرار الحكومة بالتعامل وفقا لفائدة مرتفعة نسبيا تتراوح ما بين 5 إلى 5.75 في المائة، تدفعها لمواجهة نسبة مرتفعة من التضخم. وقال إنها ستؤدي إلى خسارة 0.5 في المائة من القيمة الحقيقية للنقود، بينما تعرف العملة الوطنية في ظل الظروف الراهنة تهاوي تاريخي في قيمتها مقابل العملات العالمية لاسيما الدولار والأورو، وأشار إلى أنّ السلطات العمومية تحاول عبر هذه الخطوة إيجاد الحلول للمشكل الظرفي، وهي البحث عن موارد بديلة عن اقتصاد الريع المتراجعة بسبب أزمة النفط، في حين تتغافل عن إسقاطات ذلك على الاقتصاد على المدى القريب أو المتوسط.
مقال مؤرشف
هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.
تسجيل الدخول باقة الاشتراكات