الأشهر المُحرّمة أربعة، ثلاثة سرد وواحد فردّ لأجل أداء مناسك الحجّ والعمرة. فحرم أشهر الحجّ شهرًا وهو ذو القعدة لأنّهم يقعدون فيه عن القتال، وحرّم شهر ذي الحجّة لأنّهم يوقعون فيه الحجّ ويشتغلون فيه بأداء المناسك، وحرّم بعده شهر آخر وهو المُحرَّم ليرجعوا فيه إلى أقصى بلادهم آمنين، وحرّم رجب في وسط الحول لأجل زيارة البيت والاعتمار به لمَن يقدم إليه من أقصى جزيرة العرب فيزوره ثمّ يعود إلى وطنه فيه آمنًا. ولهذا جعلهنّ الله حرامًا ونهى عن الظّلم فيهنّ “فَلاَ تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ” لأنّها آكد وأبلغ في الإثم من غيرها، كما أنّ المعاصي في البلد الحرام تضاعف لقوله تعالى: “وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ” الحجّ:25.نعم، حرّم الله سبحانه وتعالى الظُّلم على نفسه وجعله محرّمًا بين عباده كما جاء في الحديث القدسي عن ربّ العزّة جلّ جلاله في سائر الشّهور، ولكن اختصّ من ذلك أربعة أشهر فجعل الذّنب فيهنّ أعظم والعمل الصّالح والأجر أعظم. لا تظلموا أنفسكم في هذه الأشهر الحُرُم الّتي يتّصل تحريمها بناموس كوني تقوم عليه السّماوات والأرض، ذلك النّاموس هو أنّ الله هو المُشرِّع للنّاس كما أنّه هو المشرّع للكون.. لا تَظلموا أنفسكم بإحلال حرمتها الّتي أرادها الله لتكون فترة أمان وواحة سلام، فتخالفوا عن إرادة الله. وفي هذه المخالفة ظلم للأنفس بتعريضها لعذاب الله في الآخرة، وتعريضها للخوف والقلق في الأرض، حين تستحيل كلّها جحيمًا حربية، لا هدنة فيها ولا سلام. «وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَةً” التّوبة:36، ذلك في غير الأشهر الحُرُم ما لم يبدأ المشركون بالقتال فيتعيّن ردّ الاعتداء في تلك الأشهر لأنّ الكفّ عن القتال من جانب واحد يضعف القوّة الخيّرة المنوطة بها حفظ الحُرُمات ووقف القوّة الشّريرة المعتدية، ويشيع الفساد في الأرض والفوضى في النّواميس. فردّ الاعتداء في هذه الحالة وسيلة لحفظ الأشهر الحرم، فلا يعتدى عليها ولا تهان.
مقال مؤرشف
هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.
تسجيل الدخول باقة الاشتراكات