لستُ أعتقد أنّ المستر دير كسبن هذا، وحيد فريد في هذه الميدان، وإلاّ فكيف يتسنّى لجمعيات خدمة المرضى والفقراء في العالم الثالث، أن تطبع في العام الواحد أكثر من تسعين مليون نسخة من الكتاب المقدس، يما يزيد على مائة لغة، منها جميع اللهجات العربية بين المحيط غربًا والخليج شرقًا والسودان جنوبًا، والبحر المتوسط شمالاً؟!ولمّا يتسنّى لها أن تطبع ملايين النسخ من النّشرات والكتيبات والكتب الّتي تدعو المسلمين على وجه التّخصيص لدخول مملكة الربّ وبالتالي الاعتقاد اليقين بأنّ قيام دولة إسرائيل بين الفرات والنيل قدرٌ إلهي محتوم؟!إنّ هذا الخبر الّذي لا تنقله أجهزة التيكرز إلى بلادنا، في حاجة إلى وقفة تأمّل لعلّ في ذلك عبرة لأولي الألباب.قال لي أحد الثّقات، الّذين لا يكذبون على الله، إنّك تستطيع في شرق إفريقيا أن تعثر على أيّ كتاب، الإنجيل والتوراة، ورأس المال لكارل ماركس، وكفاحي لأدولف هتلر، وتعاليم ماوتسي تونغ، وفلسفات بوذا وكونفوشيوس واليوغا، لكنّك تحار في كيفية الحصول على نسخة من القرآن الكريم!الخبر مثير والتعليق عليه مرير، وأعترف بأنّ قراءته أغرقتني في لُجّة من التأمّل الطويل، هذا المحسن الهولندي ذكّرني بالسّابقين الأوّلين من المهاجرين والأنصار الّذين تعرّوا عن أموالهم كلّها في سبيل الله.. إنّ عطاءه ضخم ضخم، ومن هذه الأعطية الدافقة يعمل جيش كثيف من الرجال والنساء لتنصير أكبر عدد مستطاع من النّاس عامة والمسلمين خاصة...لدينا أغنياء قادرون على مثل هذا العطاء، بيد أنّهم يظنون به في سبيل الله، ولا يظنون به في سبيل اللّهو والعبث، ولدينا نساء يملكن الطّاقة الرّوحية الّتي تملكها السيدة “تريزا”، لكن الدعاة الجهّال والفقهاء الأغبياء يمنعونها من العمل ويستنكرون عليها الجهاد الاجتماعي، ويوم وَجدت مَن يقدّر مواهبها ويتيح لها الخدمة العامة وثب عليها الحاكم العسكري بحديده وناره ليستبيحها جسدًا وروحًا...!إنّ الكنيسة قديمًا حاربت الحضارة، ونكّلت بالعلماء الرواد وحرّمت مَن يقول: إنّ الأرض تدور.. فلمّا أحسّت غلطها تخلّت عنه بشجاعة، وشرع رجالها يصلون في أيّام الآحاد لغزاة القمر!..ومن المفارقات المضحكات أنّ متحدّثين عن الإسلام في يومنا هذا يكرّرون الأخطاء القديمة الّتي وقعت فيها الكنيسة ثمّ تابت عنها بعد ذلك!
مقال مؤرشف
هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.
تسجيل الدخول باقة الاشتراكات