+ -

تعرضت الجزائر لأكبر هزة في صورتها بالخارج، تسببت فيها زيارة الوزير الأول الفرنسي، مانويل فالس، حينما عرض صورته مع الرئيس بوتفليقة، بما فهم منه أن المسؤول الفرنسي أراد أن يظهر للعالم أن الرئيس بوتفليقة عاجز عن أداء مهامه. وكانت خرجة فالس ذات صلة وثيقة بهزة سبقتها بأيام معدودة، تمثلت في أوراق بنما، التي عرت مستور الوزير عبد السلام بوشوارب، الذي فند ما نسب إليه من اتهامات، وتواترت عن الهزتين ردود فعل متباينة، لكن التركيز انصب على صورة الرئيس، فاعتبرها جاب الله صورة نهاية مهمة بوتفليقة، وعكس ذلك، انتقدت حنون “خبث” فالس في قضية الصورة التي أثارت الكثير من الجدل. وبين الصورة وأوراق بنما، التي أوقعت الجزائر تحت مثلث ضغط عال، أرسل متعاقدو قطاع التربية، من بودواو، صورة ثالثة موجعة من ميدان الإدماج، وهي في ثلاثتها صور أساءت للبلاد في الخارج، وحركت منظمة “مراسلون بلا حدود”، واستدرجت ردود فعل عنيفة من باريس.

 اختزلت صورة الجزائر، منذ أقل من أسبوع، في صورة متحركة من “بنما” إلى قصر زرالدة، مرورا ببودواو. ثلاثة مشاهد طغت على يوميات الجزائريين، قسرا، اختلفت المواقف وتضاربت النزعات، من خلالها، بين من يريد العودة إلى الواجهة، وبين من يريد أن يدس رأسه في رمال متحركة، والحالتان معا، تحركهما المصلحة.تعلم الجزائريون أنه عندما يغيب عمار سعداني عن المشهد السياسي، يعني أن ثمة أمورا تحدث بعيدا عن الأعين، وسيعلن عنها الرجل “اللغز”، لاحقا، وسعداني يعتبر أكبر الغائبين، حيث يفترض أن يوجد، عن واحدة من الملفات التي سيطرت على المشهد السياسي، حاليا، ويتعلق الأمر بما تواتر عن زيارة الوزير الأول الفرنسي، مانويل فالس، ثم الهجمة الانتقامية التي شنها الإعلام الفرنسي، عقب رفض السلطات الجزائرية منح التأشيرة لصحفيين من “لوموند” و” نال +”، باستغلال صورة نشرها فالس “خبثا” بمعية الرئيس بوتفليقة، أعقبها طرح تساؤلات محيرة عن حقيقة الوضع الصحي للرئيس.منطقيا، فإن الأمين العام لحزب الأغلبية، وهو الحزب الحاكم، وأكثر من ذلك، هو حزب الرئيس بوتفليقة، يفترض أن يكون أول المتحركين لحماية رئيس الدولة ورئيس الحزب من شراسة ما تعرض له، من قبل الخارج قبل الداخل، وبشكل أودع صورة الجزائر بمتحف رث، لم يكتشف إلا حديثا، رغم أن الفرنسيين، أكثر من غيرهم، يفرقون بين الغث والسمين، داخل هذا المتحف، لكن سعداني لم يفعل ذلك، إلى الآن على الأقل، وقد يفعلها، على طريقته، بأول خرجة إعلامية له، بعد أن عاد من الصين، لكن سعداني، ماذا سيقول؟عندما تغضب باريس ؟ليس فقط تلك الصورة التي حاول البعض “غض الطرف عنها” لحيائهم من رؤية رئيسهم محط سخرية من قبل الآخرين، فقد سقطت صورة ما في مخيال شعبي بسيط، لاحظ فيه الناس، البسطاء، كيف أن الفرنسيين يضعون رجلا على رجل، وهم يخاطبون نظراءهم الجزائريين، بالمجالس المدججة بالكاميرات، وراح البعض، رافعا سقفا عاليا من تعابير البؤس، يجتهد ليقول إن رفقاء فالس فعلوها عمدا، هذه المرة، انتصارا لصحفييهم الممنوعين من الدخول. ومهما اختلفت الروايات بخصوص هذه النقطة، فإنها تضاف إلى واحدة من مدنسات صورة البلاد بالخارج، وإن لم يرها وزراء حكومة سلال كذلك، إلا أنهم، من ترجل مع فالس في شارع العربي بن مهيدي، وتفاجأ لذلك الرجل “البودواوي”، الذي اقترب من الوزير الأول الفرنسي، مخاطبا إياه: “أنت غير مرحب بك بالجزائر يا فالس”، ستطرق مخيلته ولو عنوة، أن قطاعا واسعا من الجزائريين غير راضين عن الصورة التي يسوقها مسؤولوهم عن الجزائر، وأن الصورة التي سوقها الخارج ومازالت تسوق بفرنسا، ما هي إلا كاريكاتور معاد من صورة سوقوها هم.“البودواوي”، بدا وكأنه انزلق إلى شارع العربي بن مهيدي، لتوه، من “ميدان الإدماج”، حيث الإنسانية فقدت روحها، تحت خيام تساقطت جنباتها خجلا من أساتذة يريدون اعترافا بالجميل، كالجميل الذي دعت وزيرة التربية الفرنسية، نجاة بلقاسم، نظيرتها الجزائرية للاعتراف به، وهي تذكر مناقب فرنسا في إرسال إطارات منها إلى الجزائر. لكن الاعتراف لا يظهر أنه متاح، بالنسبة لوزير داخلية يريد نزع الخيام من فوق رؤوس تحتمي بها، بعد أن أدارت لهم وزارة التربية ظهرها، وصار الأطباء الذين درسوا لدى هؤلاء “المتعاقدين” يعالجون صدمات أساتذتهم، وتلك صورة أخرى من صورة ثلاثية الأبعاد، ارتسمت بضغط عال، تئن تحته البلاد منذ أسابيع قليلة فقط، وفي الضغط جانب بالغ الحساسية، ويتعلق بأوراق بنما، التي دست العديد من الرؤوس في الأرض، ومن تحتها تسوق خطابات “المؤامرة” الأجنبية التي اتخذها وزير الصناعة، عبد السلام بوشوارب، “حصان طروادة” لتبرير موقفه، لما تم تعزيره في اللجنة الاقتصادية للبرلمان، الخميس ما قبل الفارط، ولم يدل “عريس بنما بايبرز” بتصريح آخر، ولو لتوضيح طبيعة المؤامرة الأجنبية التي صارت “حديد احتماء” صالحا لكل زمان ومكان، مثلما لم يجب وزير العدل، الطيب لوح، حول القضية، ومنها أيضا تهرب وزير الاتصال حميد ڤرين.أوراق بنما “تبللت” في الجزائروبينما فعل وزراء حكومة سلال ذلك بخصوص ما اتهم به زميلهم عبد السلام، جاء رد ثان وثالث ورابع من إسبانيا، أمس، عندما أعلن وزير الصناعة الإسباني، خوسيه مانويل سوريا، استقالته من منصبه، على خلفية ذكر اسمه في فضيحة التهرب الضريبي العالمية “أوراق بنما”، والرجل الإسباني لم يكتف بالاستقالة، ولكنه اعترف بـ”الإساءة الواضحة” التي سببها للحكومة ولحزبه، كما قال في بيان له، ولم ينتظر خوسيه محاكمة من القضاء ليستقيل، ولكنه استقال وحاكم نفسه ونطق بالحكم الذي مفاده أن الإساءة التي سببها للحزب “ترتدي طابعا خطيرا في الظروف السياسية الحالية”، طبعا لم يكن جواب خوسيه أقل قيمة، من الناحية الأخلاقية، عن تلك الصورة التي سوقتها الحكومة التونسية والبرلمان أيضا عن بلد ينتقل ديمقراطيا بخطى ثابتة، فتونس لم تكتف بتحقيقات داخلية، لكنها أرسلت وفدا إلى بنما لتقصي الحقائق، وفتحت لجنة تحقيق برلمانية وأخرى حكومية، وثالثة “مدنية”. ورغم ذلك، فإن تونس لم تعد السباقة للتعامل مع هكذا فضائح، من رئيس وزراء إسلندا الذي استقال فور كشف “بنما بايبرز”. لكنها كانت بعيدة بمسافة طويلة عن تعامل جزائري مع فضيحة لم ترق حتى إلى اهتمام كاف من المعارضة، سواء داخل البرلمان أو خارجه. وخارجه، تبقى خرجات شكيب خليل مدعاة لتساؤلات محيرة، كتلك التساؤلات التي رافقت ظهوره بالزوايا، وفي محطة أخرى، نزل شكيب بزاوية بمعسكر، ولم تكن الضجة التي أثيرت لدى زيارته زاوية بنهار بالجلفة سببا لتراجعه عن طلب بركات الزوايا في مسار قد رسمه لنفسه بعنوان “مستقبل الجزائر”.شراسة سعداني و”ذئبية” أويحيىمستقبل رسم، قبل خليل، في صورة دستور، كان بادرة لمنطوق جديد، يفيد بإعادة الاعتبار للإطارات المظلومة، مثلما يرد في قاموس سعداني، من حيث تزامن كلام لمولود حمروش وسيد أحمد غزالي، وغيرهما، عن الدستور وتداعيات تعديله، ومسألة الجنسية المزدوجة لمسؤولين كبار، بالصدفة أو بغيرها، مع صراع ثنائي قاتل بين أويحيى، الذي يمثل مرحلة صعبة في تاريخ تسيير الشأن العام، وسعداني الذي يلعب دور “المصفي” باسم “الدولة المدنية”، ومكمن الصراع مادة انزلقت في الدستور الجديد، وهي المادة 51 المثيرة للجدل لأنها تتحدث عن استثناء مزدوجي الجنسية من الوصول إلى مناصب تنفيذية كبيرة، ولو أن ردود الفعل المقللة من صدامية هذا المادة مع طموح البعض، لا ترقى إلى مستوى طي الصفحة التي فتحت بابا كبيرا لمن يرأس “الحزب - الجهاز”، لقول ما يريد تمريره دفاعا عن “الدولة المدنية” و”الجمهورية الثانية” التي لا تقبل، في كل الأحوال، بقاء خيط معاوية القديم بين مؤسسة الرئاسة والجيش، وهذا الخيط بنظر سعداني ما هو غير أويحيى “المخضرم”، الذي يحيا عندما يعتقد البعض أنه مات، وهو يحمل من اسمه هذه الخاصية “الذئبية” في التعاطي مع السياسة وسلالم الوصول إلى مناصب تنفيذية كبيرة، في كل مرة، ورصيده متنوع في هذا الباب بالذات، وقد حظي، أول أمس، بترخيص لعقد مؤتمره الاستثنائي لحزبه الأرندي، الذي يتشبث به للبقاء على رأس الحزب ثم بالمشهد السياسي، وتفادي الألغام التي يزرعها في طريقه عمار سعداني.

مقال مؤرشف


هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.

تسجيل الدخول باقة الاشتراكات