الشّيخ عبد الرّحمن طالب.. مُحدِّثُ الجزائر

+ -

انتقل إلى رحمة الله تعالى العلاّمة الجزائري المحدّث خادم السُّنَّة الدكتور عبد الرّحمان طالب، صبيحة يوم الخميس 22 جمادى الثانية 1437هـ الموافق لـ31 مارس 2016 عند منتصف اللّيل، بعد مرض ألمّ به عدّة سنوات. ووري الثرى جثمان فضيلة الشّيخ المحدّث الدكتور عبد الرّحمن طالب محمّد الحبيب رحمه الله وأسكنه فسيح جنّاته، أستاذ الحديث النّبويّ الشّريف بمعهد الحضارة الإسلامية بجامعة وهران، وعضو المجلس الإسلامي الأعلى بالجزائر، وعضو اللجنة الوطنية الاستشارية لترقية وحماية حقوق الإنسان، في مقبرة العين البيضاء بولاية وهران، بجوار قبر والده الشّيخ طالب أحمد التيجاني غفر الله لهما ورحمهما، عن عمر يناهز 80 سنة، قضاها في العلم والجهاد وخدمة السُّنّة المطهّرة، تاركًا وراءه بناتٍ وبنين، من بينهم الأستاذة المحاضرة بكلية الحضارة الإسلامية بجامعة وهران الدكتورة حفيظة طالب (والّتي ساعدتنا مشكورة في إعداد سيرة المغفور له)، والعديد من المؤلّفات أشهرها “الموسوعة الحديثية”.سيرتهوُلد الشّيخ عبد الرّحمن، المُكنّى محمّد الحبيب، بن أحمد بن رابح من عائلة ولاد حساين عام 1939، وقيل 1936 بباب تازة بلدية جبالة دائرة ندرومة ولاية تلمسان.أمّه السيّدة بن عيس فاطمة رحمة الله عليها، ووالده العارف بالله الشّيخ أحمد بن رابح رحمه الله تعالى صاحب مخطوط الأرجوزة. وكان له الدور الأبرز في تحفيظه القرآن الكريم بمساعدة ابنه الأكبر الشّيخ زين العابدين رحمة الله عليه الّذي كان يُثَبِّت له الحفظ.بعد تمكّنه من حفظ القرآن الكريم، تلقّى الشّيخ عبد الرّحمن من والده مختلف العلوم الشّرعية، أهمّها علم الأخلاق والأدب تأسيًا بالنّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، ثمّ مبادئ العقيدة وموجزًا من سيرة النّبيّ المختار عليه الصّلاة والسّلام.كانت عائلة الشّيخ عبد الرّحمن تقتات على الفلاحة، وكان الشّيخ لا يميل إلى هذا، فقد اشتهر بحبِّه للعلم وقوّة عزيمته، فقرّر الهجرة بعد استشارة عمّه بن عبد الله رحمه الله وموافقة والده. فخرج من باب تازة طالبًا للعلم ومريدًا ينشد أعلى المقامات وكان عمره 18 سنة.وصل تلمسان سنة 1954 ونزل بدار الحديث، فدرس على الشّيخ محمّد سيّدي يعقوب رحمه الله الّذي أتمّ له علوم الآلة من نحو وصرف إضافة إلى الفقه المالكي. كما تلقّى العلم من الشيخ البودليمي بتلمسان أيضًا. ومن شيوخه أيضًا العارف بالله سيّدي محمد الحافظ رحمه الله، والشّيخ المحدِّث العارف بالله سيّدي إدريس العراقي الفاسي رحمه الله.انتصب لتدريس اللغة العربية بمدرسة سيّدي بومدين بتلمسان سنة 1955، ثمّ انتقل إلى مدينة سيق بمسعكر وسيدي بلعباس، حيث تتلمذ على يد الشّيخ المفتي سيّدي أحمد البدوي رحمه الله وكذا الإمام الشّيخ بشير بويجرة والشّيخ بخالد بن كابو، وهذا الأخير رحمه الله درّس العلوم الإسلامية في مسجد بلعباس لأكثر من نصف قرن، رحمهم الله جميعًا.زار الشّيخ عبد الرّحمن طالب العديد من البلدان متعلّمًا وناشرًا للعلم، منها دول غرب إفريقيا مثل: المغرب، مالي، النيجر، موريتانيا، السنغال، ساحل العاج، بوركينافاسو، نيجيريا، غينيا، ودول أخرى مثل: تونس، مصر، السودان، الولايات المتحدة، أوزباكستان، والمملكة العربية السعودية.نزل الشّيخ محمّد الحبيب ولاية وهران شهر أفريل سنة 1959 واستقرّ بها. وكان معلّمًا للقرآن الكريم بمسجد صهره الحاج يحيى متوكي رحمه الله، والّذي تحمّل نفقات طبع كتب عدّة لمّا بدأ الشّيخ بالتأليف جزاه الله أحسن الجزاء.وحُبًّا في الإسلام واللّغة العربية، فتح الشّيخ عبد الرّحمن مدرسة بحي مديوني في وهران، سمّاها مدرسة “السّعادة” لتعليم كتاب الله ومبادئ اللّغة العربية والأناشيد الوطنية لغاية 1962، وفي نفس الوقت كان يقدّم دروسًا في الفقه بمسجد بن كابو بالمدينة الجديدة. وكانت له منهجية في التّدريس، حيث يقدّم الدّروس مع المطبوعات، وذلك في الستينات والسبعينات وما بعدها. وصلّى بالنّاس التّراويح حقبة من الزّمن.بعد الاستقلال، عُيِّن معلّمًا بمدارس عديدة بحي الضياء والمالح والعنصر وقديل، فكان يَدْرُس ويُدرِّس في آن واحد. ترقّى الشّيخ عبد الرّحمن طالب إلى أستاذ تعليم متوسط من طرف المفتش غنيم بعدما رأى مستواه الرّاقي في المدرسة. كما درّس بالجامعة الليلية.الشّهاداتوبعد حصوله على الشّهادة، عُين بثانوية لطفي لغاية 1979. بعدها تحصل على شهادة دبلوم الدراسات المعمّقة (في الأدب العربي) ثم الماجستير (في العلوم الإسلامية) في ديسمبر 1988، ودكتوراه دولة (في علوم التربية والحديث النّبويّ) سنة 1995.المدرسة التيجانيةخدم المُحدِّث الشّيخ عبد الرّحمن طالب الطريقة التيجانية لغاية مرضه، فكان ملازمًا لسيّدي بن عمر التيجاني في عهد الخليفة العام سيّدي الطيب. وكان الشّيخ عبد الرّحمن الناطق الرسمي والكاتب الرسمي في رحلاته مع الشّيخ سيّدي علي الخليفة العام للطريقة التيجانية، وأشهرها الرحلة الإفريقية والرحلة المصرية. نظّم ملتقى دوليًا حضرته 39 دولة في عهد الشاذلي بن جديد رحمه الله، منهم عبدو ضيوف رئيس السنغال، وذلك بمناسبة مرور سنة على وفاة سيّدي محمّد الحبيب رحمهم الله جميعًا.الوظائف الّتي شغلهاتقلّد فضيلة الشّيخ المحدّث عبد الرّحمن طالب، بعد الاستقلال وإلى غاية انتقاله للرّفيق الأعلى، عدّة مناصب سامية، أهمّها: أستاذ الحديث النّبويّ الشّريف بمعهد الحضارة الإسلامية بجامعة وهران، وعضوية المجلس الإسلامي الأعلى التابع لرئاسة الجمهورية، وعضوية اللجنة الوطنية الاستشارية لترقية وحماية حقوق الإنسان التابعة أيضًا لرئاسة الجمهورية.في كلّ هذه المراحل، كتب مؤلفات عديدة من الابتدائي لغاية أكبر عمل وهو موسوعة الأحاديث النّبويّة الشّريفة. ومن المؤلّفات الّتي كانت مقرّرة بالكليات والمساجد: السُّنَّة عبر العصور، والعلوم الفقهية الإسلامية من خلال الأحاديث النّبويّة، ومنهجية الاستفادة من الأحاديث النّبويّة.فاقت مؤلّفات المحدّث الجزائري الشّيخ عبد الرّحمن طالب عليه رحمة الله 40 كتابًا، منها: موسوعة الأحاديث النّبويّة الصُّغرى (صادرة في 14 مجلدًا)، العلوم الفقهية الإسلامية من خلال الأحاديث النّبويّة (صادر في 5 أجزاء)، السُّنّة عبر العصور، منهجية الاستفادة من الأحاديث النّبويّة، خدمات موطأ الإمام مالك، الكتاتيب القرآنية بندرومة (وهو عنوان عمل لدبلوم الدّراسات المعمّقة)، التّربية من خلال القرآن الكريم (وهو عمله لنيل شهادة الماجستير)، أسلوب الرّسول التّربوي (وهو عنوان الرسالة لنيل شهادة الدكتوراه)، كنوز القرآن السّبعة، الأحاديث القدسية الرّبّانيّة، مصابيح السُّنَن فيما اتّفق عليه رجال الصّحيح والسُّنَن، خلاصة شُعَب الإيمان، مراحل تدوين السُّنّة النّبويّة مع أهميّة جمع الأحاديث في قرص الليزر، درء الشُّبهات عن الرّسول صلّى الله عليه وآله وسلّم، أحاديث نبوية في الشّمائل المحمّدية، السّيف المسلول على الطاعنين في أجداد الرّسول، جاهلية القرن الرّابع عشر، القصص النّبويّة وأثرها في النّفوس البشرية، منهجية الدّعوة الإسلامية، حقوق وواجبات المرأة في الإسلام، نساء حول الرّسول صلّى الله عليه وآله وسلّم، الرِّحلة الإفريقية التجانية، الرِّحلة الأمريكية..ويبقى أكبر عمل قام به المرحوم الشّيخ الدكتور عبد الرّحمن طالب هو مشروعه لجمع الأحاديث النّبويّة الشّريفة كلّها وتسجيلها في برنامج رقمي على الكمبيوتر، حتّى يتسنّى لكلّ مَن أراد أن يبحث عن حديث ما أن يجده وبسرعة. وقد سمّاها “موسوعة الأحاديث النّبويّة الكبرى”، وقد تمكّن من تسجيل 200 ألف حديث نبويّ، تَمّ نشرها في أقراص مضغوطة ككتاب إلكتروني وفي مجموعة مجلّدات، جعلها الله في ميزان حسناته ورحمه الله وجعله في الصّالحين من ورثة جنّة النّعيم آمين.كُرِّم الشّيخ في عدّة محافل، أهمّها وسام العلوم بمصر، مع براءة التأليف والتكريم الثاني داخل الوطن من طرف الشيخ عزوزة بقسنطينة سنة 2010، وكُرِّم عدة مرات بالمساجد.

مقال مؤرشف


هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.

تسجيل الدخول باقة الاشتراكات