+ -

 مهما كان الموقف السياسي من هذا الرجل، لا أعتقد أن هذه التقاسيم تسر عاقلا، مؤلم هذا الاغتيال غير الأخلاقي لرجل كان يمكن أن يكون مساره غير هذا المسار، الذي انتهى إليه، وصورته غير هذه الصورة القاسية.لو كان للغشم من عصبة الحكم، والخدم الحشم من أذيال السلطة، بعض من عقل يبصر، وطرف في قلب يدق، ما كانوا غرروا بالرجل المهووس بالسلطة أصلا، وزينوا له البقاء في الحكم حتى هذه النهايات المؤلمة.لا أعتقد أن أيا من عُبّاد العهدة الرابعة ونساكها، من عمر إلى عمار، وزبائن السلطة وزبانيتها من أحمد إلى محمد، وعتاة الزيف والحيف، وغلاة القبح السياسي من سعداني إلى سيدي سعيد، يقبل أن يكون والده في هذا الوضع، إلا إذا كانوا، كما قبحهم السياسي، عاقين لا يبرّون بكبير، ولا يحفظون “وبالوالدين إحسانا”، ومعاقين سلوكيا ومصابين بالسادية..كان هذا الرجل على باب القداسة حتى نوفمبر 2008، كان قد أنجز ما أنجز وما نسب له إنجازا – بافتراض -، لكن خيبته الكبيرة حدثت في لحظة اغتيال العقل وطغيان الأنا، حين كان الخيار بين كرسي الزعامة والقداسة، وكرسي الحكم والرئاسة، اختار الثاني، فكسر زجاج المرآة وهشم صورة كانت بالكاد ترتسم في الأفق لرجل المصالحة، وكرّس ببذخ كبير شهوة السلطة حين لا يلجمها عقل، كما لجمها ذاك الرجل الإفريقي.كان مانديلا الذي علمته الجزائر في الستينات مفردات الحرية وأبجديات الكفاح، قد رسم في صورة جنوب إفريقيا درسا بليغا، يقول الدرس إن القداسة ليست في ديمومة الكرسي، لم يمنح مانديلا لنفسه فرصة مراودته على الحكم، اكتفى بعهدة واحدة، وقد كان في جعبته ما يتيح له البقاء حاكما ورئيسا، لكنه استبقى لنفسه عزة المؤمن بدورة الحياة.أي صورة نسوق في صورة الرئيس المرهق شارد الذهن للعالم، عن بلد عجوز يرحل من إفلاس إلى إفلاس، وعن شعب يتفرج على اغتيال غير أخلاقي للرئيس من نفسه ومن خدامه الذين يغتسلون بالأخلاق في الزوايا.. ألا تحث الأخلاق أيضا على نهي المنكر ومنع الكبير من أذى نفسه إذا فعل.في النهاية، من أهان الرئيس إذن، “لوموند” أم السلطة..؟ صحافة باريس، أم سخافة المحيطين بالرئيس، أسرة وقادة وأحزابا ومستشارين..؟عثمان لحياني المرحوم بن بلة قال لي: من الأفضل لبوتفليقة والجزائر أن لا يعيش بعد أمه لأنه سيتعب كثيرا... لم أتبيّن معنى هذا الكلام إلا حين شاهدت ما شاهد الناس من صور مؤلمة يبثها الإعلام الفرنسي مع الأسف للرئيس. كانت مصيبتي فيما رأيت ثلاثية الأبعاد، مصيبة تتعلق بإهانة رجل تربطني به علاقة خاصة، ومصيبة ثانية أن الإهانة تخص رئيس بلدي، وإهانة ثالثة أشد ألما كونها آتية من الاستعمار الذي أحمل آثار قنابله في جسمي!هذه المرة لم تسعفني الدموع وتحجرت في المقل، والبكاء تنفيس عن الحزن.لست أدري لماذا تفعل عائلة الرئيس بوتفليقة برمز عزة هذه العائلة هذه الأفاعيل؟! لأن وضعه في دار للعجزة من طرف هؤلاء، أقل سوءا من هذا الذي يفعلونه به عبر قنوات الحقد التاريخي! أليس بن بلة على حق.. فلو بقيت والدة الرئيس بوتفليقة حية، هل يمكن أن يفعل به إخوته هذه الأفاعيل؟! ولا أتحدث عن رفاقه في الحكم والجهاد!لا حول ولا قوة إلا بالله.

مقال مؤرشف


هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.

تسجيل الدخول باقة الاشتراكات