يقول الله تعالى: {شَهِدَ اللهُ أَنهُ لا إِلَهَ إِلا هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُوْلُوا الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ لاَ إِلَهَ إِلا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ}. يقول الإمام الآجري رحمه الله مبينًا فضل العلماء: إن الله عز وجل وتقدست أسماؤه، اختص من خلقه من أحب، فهداهم للإيمان، ثم اختص من سائر المؤمنين من أحب، فتفضل عليهم فعلمهم الكتاب والحكمة وفقههم في الدين، وعلمهم التأويل وفضّلهم على سائر المؤمنين، وذلك في كل زمان وأوان، رَفعهم بالعلمِ وزَينهم بالحِلمِ، بِهم يَعرف الحلال من الحرام، والحق من الباطل، والضار من النافع، والحسن من القبيح.فَضلهم عظيم، وخَطرهم جزيل، وَرثةُ الأنبياء، وقُرةُ عين الأولياء، الحيتان في البحار لهم تستغفر، والملائكة بأجنحتها لهم تخضع، والعلماء في القيامة بعد الأنبياء تشفع، مجالسهم تفيد الحكمة، وبأعمالهم ينزجر أهل الغفلة، هم أفضل من العُباد، وأعلى درجة من الزهاد، حياتهم غنيمة، وموتهم مصيبة، يُذكرون الغافل، ويعلمون الجاهل، لا يتوقع لهم بائقة، ولا يخاف منهم غائلة، بحسن تأديبهم يتنازع المطيعون، وبجميل موعظتهم يرجع المقصرون، جميع الخلق إلى علمهم محتاج، والصحيح على من خالف بقولهم محجاج.الطاعة لهم من جميع الخلق واجبة، والمعصية لهم محرمة، مَن أطاعهم رشد، ومَن عصاهم عَنَد.. هم سراج العباد، ومنار البلاد، وقوام الأمة، وينابيع الحكمة، هم غيظ الشيطان، بهم تحيَا قلوب أهل الحق، وتموت قلوب أهل الزيغ، مثلهم في الأرض كمثل النجوم في السماء، يُهتدى بها في ظلمات البر والبحر، إذا انطمست النجوم تحيروا، وإذا أسْفَر عنها الظلام أبصروا، وصدق الله العظيم: {يَرْفَعِ اللهُ الذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ}، وقال عز وجل: {إِنمَا يَخْشَى اللهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ إِن اللهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ}. وعن أبي الدرداء رضي الله عنه قال: سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: “فضل العالم على العابد كفضل القمر ليلة البدر على سائر الكواكب، وإن العلماء هم ورثة الأنبياء، إن الأنبياء لم يورثوا دينارًا ولا درهمًا ولكنهم ورثوا العلم، فمن أخذه فقد أخذ بحظ وافر” رواه أبو داود، وعن الحسن أن أبا الدرداء رضي الله عنه قال: “مثل العلماء في الناس كمثل النجوم في السماء يُهتدَى بها”.على مر التاريخ، يُشكل العلماء حصن الدفاع الأول عن الأمة، ولن تنهض الأمم إلا بالعلماء، لذا فقد استحقوا المكانة العالية في الإسلام، ونالوا عن جدارة نوط وراثة الأنبياء من الدرجة الأولى، وهو الذي لا يعطى إلا لمَن هو أهل له.ومن مكانة العلماء أن الله قد أراد بهم خيرًا، فعن ابن عباس ومعاوية رضي الله عنهما قالا: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “مَن يُرِد الله به خيرًا يُفَقهُه في الدين”، وقد نبهت الأحاديث الصحيحة إلى حقيقة مهمة، وهي أن الحياة بغير علم لا تستحق البقاء وأن ضياعه أو إضاعته نذير بخراب الدنيا، وأن الساعة على الأبواب. روى البخاري عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “إن مِن أشراط الساعة أن يرفع العلم، ويثبت الجهل”. وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: “إن الله لا يقبض العلم انتزاعًا يَنزِعَه من العلماء ولكن يقبض العِلم بِقَبْض العلماء حتى إذا لم يُبْق عالمًا، اتخذ الناس رؤوسًا جهالاً فسُئِلوا فأفْتَوْا بغيرِ علم، فضَلوا وأضَلوا”.إن العلم ضرورة من ضرورات الحياة وهو الركيزة الأساسية لأي تطور ونماء اجتماعي واقتصادي وهو الجسر الوحيد ووسيلة العبور للمستقبل الزاهر المشرق ولبناء الأمم والحضارات، وهو جذوة تشعلها النخبة المتعلمة لتُضيء الآخرين، ومنارة تستهدي بها الأجيال والأجيال المتعاقبة.. وإن العلم هو أحد أعمدة بناء الأمم وتقدمها، فبالعلم تُبنَى الأمم وتتقدم، ويقضى على التخلف والفقر والجهل والأمية وغيرها من الأمراض التي تؤخر الأمة، فهو من أهم ضروريات الحياة، كالمأكل والمشرب وغيرها.وإن الحضارة لا قيام لها إلا بالعلم، وقيادة العالم لا تكون إلا بالعلم، والمسلمون عندما كانوا يهتمون بالعلم وطلبه كانت لهم الريادة والقيادة كما أرادها الله {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمةٍ أُخْرِجَتْ لِلناسِ}، والدول المتقدمة ما وصلت إلى ما وصلت إليه اليوم إلا من خلال اهتمامها بالعلم والعلماء واعتبارهم مفتاح التقدم. فالحضارة لا تبنى بالكسل والجهل والأمية وإنما تُبنى بالعلم والعمل.. ولذا فمن الواجب علينا أن ننهض بما نهض به أوائلنا، من الأخذ بسبيل العلم والاهتمام به، فالعلم سبيل العز والرفعة والكرامة.كلية الدراسات الإسلامية / قطر
مقال مؤرشف
هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.
تسجيل الدخول باقة الاشتراكات