شكيب خليل "يلغم" القمة الجزائرية الفرنسية

+ -

أعلنت عدة صحف وقنوات تلفزية فرنسية عمومية وخاصة، في ظرف قياسي، مقاطعة الزيارة التي شرع فيها، أمس، الوزير الأول الفرنسي، مانويل فالس، إلى الجزائر، في إطار انعقاد اللجنة المشتركة العليا، تضامنا مع صحيفة “لوموند” التي رفضت السلطات الجزائرية منحها تأشيرة بمعية صحفي “لوبوتي جورنال” الذي تبثه قناة “كنال بلوس”. فالس وعد بطرح الموضوع في محادثاته مع المسؤولين الجزائريين، ما يعني أن القضية دخلت رسميا جدول أعمال هذه القمة الثنائية. غطت قضية مقاطعة أغلبية وسائل الإعلام الفرنسية لزيارة فالس للجزائر، على محتوى اللجنة المشتركة العليا الجزائرية الفرنسية المبرمجة منذ زمن طويل، فلم يعد الحديث يخص مشاريع التعاون والشراكة وكذا الاتفاقيات المعدة للتوقيع، بقدر ما تحول الانشغال بين محو الجزائر باريس إلى طرح علامات استفهام هل هذه الأزمة الإعلامية الدبلوماسية هي سحابة عابرة يمكن احتواؤها في اللقاءات المبرمجة بين فالس وسلال؟ أم أن تداعيات هذه المقاطعة لم تظهر آثارها بعد ومن شأنها أن تسمم العلاقات بين البلدين، خصوصا وأن باريس قد ضبطت عقارب ساعتها على موعد انتخابي رئاسي هام من شأن هذه الأزمة أن تزيد من متاعب حاكم الإليزي، فرانسوا هولاند، الراغب في الترشح لعهدة جديدة.إذا كان رد فعل العديد من وسائل الإعلام الفرنسية العمومية والخاصة بمقاطعة تغطية زيارة فالس إلى الجزائر، قد فاجأت تطوراته حتى مانويل فالس الذي اتصل بنظيره، عبد المالك سلال، للحيلولة دون ترسميها دون جدوى، لأن قرار المقاطعة قد نفته مجموعة من الصحف والقنوات تضامنا مع صحيفة “لوموند”، غير أن الموقف الجزائري لم يكن مفاجئا، بحيث تم التمهيد له منذ حكاية الصورة التي نشرتها “لوموند” عن الرئيس بوتفليقة في قضية فضيحة “أوراق بنما”، وما تبعها من احتجاج واستدعاء للسفير الفرنسي بالجزائر، وانتهاء بتحذير وزير الداخلية بشأن عدم تسامح الجزائر مع ما قال “هناك خطوط حمراء يجب على الجميع احترامها وعدم تجاوزها”، وكان ذلك بمثابة مقدمة على أن معاقبة صحيفة “لوموند” التي نشرت صورة بوتفليقة برفقة شكيب خليل المتهم بالفساد على أنه من المقربين للرئيس، كان مبرمجا وقرارا موقعا عنه في أجندة السلطات الجزائرية، ولم ينفع التوضيح الذي أصدرته الجريدة.لكن لا يبدو أن التطور الذي عرفته قضية معاقبة صحيفة “لوموند” الذي تحول إلى حملة تضامن فرنسية واسعة تعد سابقة في تاريخ الزيارات الرسمية بين البلدين، كانت تخطر على بال السلطات الجزائرية، خصوصا بعدما وعد الوزير الأول الفرنسي المقاطعين لزيارته بأنه سيطرح هذه “الأزمة الإعلامية الدبلوماسية”، ضمن جدول محادثاته مع المسؤولين الجزائريين، ما يعني أن شكيب خليل وراء “تلغيم” القمة بين فالس وسلال. ويؤشر هذا الأمر أن مانويل فالس، الذي تواجه حكومته متاعب في الشارع الفرنسي الذي يعرف احتجاجات عارمة بسبب قانون العمل الجديد، لا ينظر بعين الرضا لهذا الأمر بعدما وجد نفسه أيضا يواجه متاعب جديدة مع وسائل إعلام بلاده التي قررت مقاطعة زيارته إلى الجزائر، وهو الذي كان يعول على هذه الزيارة لإعطاء جرعة أكسجين لشعبيته التي توجد في النازل بفعل رفض قانون العمل وأيضا بسبب عدم انخفاض معدلات البطالة، وهو شرط أساسي لترشح هولاند للانتخابات الرئاسية.وإذا كانت مقاطعة وسائل الإعلام الفرنسية وعدم تغطيتها لزيارة فالس، لن تخسر من ورائها الجزائر كثيرا إعلاميا حتى وإن كانت ستخسر سياسيا في عودة الفتور في علاقتها مع أهم شريك يعد مفتاح أوروبا، حسب الرئيس بوتفليقة نفسه، غير أن الأمر ليس كذلك بالنسبة لحكومة هولاند التي تنتظرها سنة انتخابية هامة لا تريد أن تتعكر بمثل هذه الحوادث مع الجزائر، خصوصا أن وسائل الإعلام تعد لاعبا أساسيا في أي معركة انتخابية. وتخشى حكومة اليسار أن تستغل هذه الأزمة “الإعلامية الدبلوماسية” التي لم تكشف عن كل تبعاتها ومآلاتها، من قبل أحزاب اليمين واليمين المتطرف لضرب “الحرارة” التي عرفتها العلاقات الجزائرية الفرنسية في عهد فرانسوا هولاند. كما لا يستبعد أن تكون هذه الأزمة الناشبة بين البلدين مؤشرا على تحول ما في الموقف الجزائري تحسبا للرئاسيات الفرنسية المقبلة، خصوصا بعدما شهدت زيارة مرشح اليمين وعمدة بوردو، ألان جوبي، إلى الجزائر نجاحا كبيرا، رأى فيه بعض المتتبعين رسالة مشفرة لهولاند.    

مقال مؤرشف


هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.

تسجيل الدخول باقة الاشتراكات