+ -

أمضت “الخبر” ليلة الخميس إلى الجمعة في “ميدان الإدماج” ببودواو، رفقة الأساتذة المتعاقدين المنفذين لاعتصام الكرامة، أساتذة رفضوا العودة إلى الديار دون افتكاك مطلب الإدماج، يبيتون في ظروف أقل ما يقال عنها إنها مهينة على أرصفة شوارع بودواو، ويستيقظون على أمل بزوغ فجر يوم جديد يحمل معه أخبار الإدماج.. على ضوء الأعمدة الكهربائية وعلى أرصفة شوارع بودواو، تتجلى للعيان صورة مأساة اسمها “اعتصام الكرامة للأساتذة المتعاقدين”، وفي درجة برودة قارسة توخز العظام، وتحت غطاء من البلاستيك الذي تبرع الأساتذة لشرائه لحمايتهم من سقوط الأمطار والندى.دفء الأجواء ينسي المعتصمين برودة الطقسيستقبلنا المنسق الوطني للأساتذة المتعاقدين، بشير سعيدي، في ميدان الإدماج ليروي لنا مستجدات القضية والشخصيات المتضامنة مع القضية وتعاملهم معها. ويقول في هذا الشأن إنهم سجلوا زيارة عدة شخصيات سياسية وحزبية ورؤساء جمعيات وحركات المجتمع المدني، وقد أبدوا دعما و«مساندة كبيرين لقضيتنا، ونحن بالمناسبة نرحب بكل من يساندنا، لكن نرفض كل من يمارس السياسة بقضيتنا”. وعن الأوضاع التي يعيشها المعتصمون في الميدان، يصف المنسق الوطني للأساتذة وضعهم بأنه أبشع من حياة اللاجئين الفارين من الحرب.يتركنا بشير في الميدان بعد أن أبلغنا أن اللجنة الوطنية للأساتذة المتعاقدين كلفت عدة أساتذة بترؤس لجان لتنظيم الحياة العامة في الميدان، ومن بين اللجان التي تم استحداثها على غرار تلك التي كانت موجودة أثناء مسيرة الكرامة، تم تكليف عدد من الأساتذة بالحراسة، وكلفت أستاذات بترؤس لجان الإطعام، ولجان النظافة والتنظيم، ولجان الاستقبال والتوجيه، ولجنة الصحة ومتابعة أحوال الأساتذة المضربين عن الطعام.تضامن في أبهى صورهالساعة تشير إلى التاسعة ليلا وإطعام الأساتذة متواصل، تقول الأساتذة المكلفة بالإطعام، غاسول رقية رفيقة، من بلدية بئر الجير بوهران، وهي أستاذة متعاقدة في مادة العلوم الطبيعية في متوسطة ببئر الجير منذ سنة 2008، إنها رافقت زملاءها منذ أول احتجاج أمام وزارة التربية، وشاركت في المسيرة من بجاية و«أنا الآن معتصمة مع عائلتي الثانية”، تقول رفيقة، وبالرغم من المعاناة التي لا توصف في هذا الرصيف، “إلا أن سعادتي بخدمة الأساتذة المتعاقدين المعتصمين كبيرة”. وعن مصادر إطعام المعتصمين، تقول رفيقة: “مواطنو بودواو لم يتركونا منذ أن وطأت أقدامنا البلدية، لقينا منهم ما يجعلنا نؤمن أن الدنيا مازلت بخير، يحضرون لنا الأكل في كل الأوقات من فطور الصباح إلى وجبة العشاء، لقد احتضنونا إلى درجة أننا لا نحس أننا غرباء عنهم، لقد أصبحنا أفرادا من عائلاتهم”. تبتسم وتقول: “ربما بعد أن ننال مطلب الإدماج لن أعود إلى وهران وسأبقى هنا وسط أهل الجود والكرم”. اسم رفيقة على لسان كل أستاذ وأساتذة، فهي مكلفة بتجهيز فراش الأستاذات كذلك. وعن الأفرشة تقول رفيقة: “لقد أمضينا ليلة بيضاء الأربعاء إلى الخميس، حيث تبللت الأفرشة بسبب التساقط الكبير للأمطار التي كانت مصحوبة بالرياح التي مزقت الغطاء البلاستيكي الذي كنا نحتمي به”.لجان للحراسة وضمان لأمن المعتصمين ليلاوأثناء حديثنا مع رفيقة انضم إلينا الأستاذ المتعاقد مصران علي من امشدالة بالبويرة، 30 سنة من العمر، وهو أستاذ تربية بدنية مكلف بالحراسة. يقول علي إن الخيمة مقسمة إلى ثلاثة أجزاء، يتم عزل الأستاذات في مكان بعيد عن الأساتذة، يضمن الحراسة 6 أساتذة من منتصف الليل إلى الخامسة صباحا، فيما يبدأ الفريق الآخر الحراسة من الخامسة إلى السابعة صباحا، وبينما يتواصل حديثنا مع علي وكانت عقارب الساعة تشير إلى الحادية عشرة ليلا، يظهر مشهد التضامن مع الأساتذة المعتصمين من طرف سكان بودواو في أبهى صوره. طفلان لا يتجاوز سنهما الـ8 سنوات يحملان إبريقين من الشاي الدافئ، يوزعانه على المعتصمين، وبعد كل كأس يتم صبه ينال الطفلان قبلة وشكر وثناء. إنها الحادية عشرة والنصف ليلا، الحركة مازالت دؤوبة حول ميدان الإدماج، بينما بقيت عربات الشرطة والدرك والحماية المدنية مرابطة في المكان وعناصر الأمن بالزيين المدني والعسكري تراقب كل كبيرة وصغيرة في الميدان.سكان يفتحون بيوتهم للمعتصمينفي هذه الأثناء يعود المنسق الوطني للاطمئنان على الأساتذة المعتصمين، وتتواصل الأحاديث الخافتة بين الأساتذة والأساتذة، وبين الأساتذة وأصدقائهم من سكان بودواو.يقول أحد الشباب وجدناه بين الأساتذة المتعاقدين تحت الغطاء البلاستيكي في ميدان الإدماج، وهو زميل في الجامعة لأستاذ متعاقد من منطقة الأخضرية بالبويرة، إن سكان الحي فتحوا بيوتهم للأساتذة المتعاقدين. ومن أوجه التضامن، يقول محدثنا، أن نزيلة أحد الشاليات يقع بجانب ميدان الإدماج تترك باب الشالي مفتوح للأستاذات المتعاقدات لقضاء حوائجهن. وبينما يتواصل حديثنا مع الأساتذة المتعاقدين، تبدأ الحركة حول الميدان تخف شيئا فشيئا، لينزوي البعض للدردشة عبر الفايسبوك أو الحديث بالهاتف، بينما يتسامر آخرون، فيما تتوقف الأحاديث في خيمة الأستاذات اللاتي أنهكهن التعب. الواحدة صباحا، الكل نائم إلى غاية أذان الفجر وبزوغ فجر يوم الجمعة، وبروز يوم جديد من التضامن لسكان بودواو الذين يحضرون للأساتذة فطور الصباح، إنها السابعة صباحا، وهو موعد جمع الأفرشة وبداية يوم آخر من الاعتصام.

مقال مؤرشف


هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.

تسجيل الدخول باقة الاشتراكات