38serv

+ -

تباينت ارتدادات قضية “وثائق بنما” على الزعماء والسياسيين الذين وردت أسماؤهم فيها، فمنهم من أطاحت به كما هو حال رئيس وزراء إيسلندا، وهناك من تجري التحقيقات بشأنه للتأكد من صحة ما ورد فيها، ومنهم من واجهها عبر اعتبارها “مؤامرة” تستهدف دولا بعينها، وثمة من تجاهل تماما هذه القضية على المستوى الرسمي، وضمن هؤلاء يمكن إدراج الجزائر بممثلها الوحيد في القائمة، الوزير عبد السلام بوشوارب. لم تمر قضية “وثائق بنما” التي طفت على السطح فجأة، بردا وسلاما على العديد من زعماء العالم وسياسييه، رغم اختلاف التعامل معها بالنظر إلى طبيعة كل دولة ومدى تأثير الرأي العام والإعلام على نظام الحكم بها، ففي إيسلندا الدولة الإسكندنافية التي تتميز بقدر عال من الشفافية في تسيير الشأن العام، ما إن تفجرت القضية وورد اسم رئيس الوزراء بها حتى خرجت مظاهرات في الشارع مطالبة برحيله، وهو ما تحقق بعد يومين فقط لم يصمد فيهما. وبذلك، كان رئيس حكومة إيسلندا ديفيد سيغموندور غونلوغسون أول ضحية سياسية لفضائح “وثائق بنما” التي كشفت مخالفات مالية وعمليات تهرب ضريبي.وفي فرنسا، فتحت العدالة تحقيقا أوليا بتهمة “تبييض ملاذات ضريبية”، إثر كشف “وثائق بنما” عن أسماء فرنسيين، من رجال سياسة ورياضيين ورجال أعمال، وتدخل الرئيس فرانسوا هولاند في الإعلام متوقعا أن تجني خزينة الدولة منها “موارد ضريبية”. وقال هولاند إن “كل المعلومات التي ستسلم ستخضع لتحقيقات مصلحة الضرائب ولإجراءات قضائية”. وأضاف أن “كل التحقيقات ستجرى وكل الإجراءات ستنفذ وستجري محاكمات على الأرجح”. كما أشارت معلومات، أمس، إلى أن تونس أيضا فتحت تحقيقا قضائيا في القضية بعد ورود اسم أحد السياسيين فيها.أما الرئاسة الروسية، فتعاملت مع الوثائق من منطلق أنها مؤامرة تستهدفها بعد تدخلها في سوريا، وقال الناطق باسم “الكرملين”، ديمتري بيسكوف، إن “الرئيس بوتين وروسيا وبلادنا واستقرارنا والانتخابات المقبلة كلها الهدف الرئيسي وخصوصا من أجل زعزعة الوضع”. وأضاف بيسكوف: “أعلم أن هناك أسماء أخرى وردت في التحقيق لكن من الواضح أن الهدف الرئيسي لهذه الهجمات هو بلادنا ورئيسها”. وقد وردت معلومات في “أوراق بنما” تشير إلى أن “مساعدين للرئيس الروسي قاموا بتهريب أموال تزيد عن ملياري دولار بواسطة مصارف وشركات وهمية”.وفي السياق ذاته، شكك الوجه البارز في تيار أقصى اليسار الفرنسي، جون لوك ميلونشون، في مصداقية “وثائق بنما”، متسائلا باستغراب، في بيان له عقب نشر التحقيق: “كيف لا يوجد أقوياء أمريكا الشمالية في القائمة؟ أين مصداقية الصحافة؟ هل هي فعلا حرة؟”. وأبرز ميلونشون، وهو وزير سابق سنوات التسعينات، أن ذكر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في القائمة مقابل عدم ورود اسم أي أمريكي، يظهر أن هناك حقائق تخفي أخرى للأسف”. لكن جريدة “لوموند” التي كانت من بين المؤسسات الإعلامية المشاركة في التحقيق، فندت هذه المعلومة، وأشارت إلى أن ثمة 211 أمريكي موجودون في القائمة، في حين فتحت تونس تحقيقات في القضية بمعية باكستان. وبتجاهل تام، تعاملت دول الخليج مع قضية “أوراق بنما” التي ظهر فيها زعماء كبار في المنطقة مثل الملك السعودي سلمان بن عبد العزيز وولي العهد الأمير محمد بن نايف آل سعود، وحمد بن خليفة آل ثاني أمير قطر السابق وحمد بن جاسم رئيس وزرائه السابق وخليفة بن زايد آل نهيان، واكتفت وسائل إعلامها بالحديث عن الرياضيين أمثال ميسي وبلاتيني الذين وردوا في القائمة.أما في الجزائر، فقد آثرت السلطات الرسمية الصمت، بمن فيها الوزير عبد السلام بوشوارب الموجود على القائمة إثر تحويل مبلغ 700 ألف أورو إلى شركة تابعة له في بنما. وبعد أن أخذت القضية صدى إعلاميا واسعا، أصدرت الشركة التي كلفت بالتصرف لصالح الوزير بوشوارب، توضيحا تؤكد فيه أن مؤسسته أنشئت في شفافية تامة.وذكرت مؤسسة الدراسات والاستشارة في لوكسمبورغ في رسالة لها أن الشركة التي يمتلكها السيد بوشوارب عبد السلام، وزير الصناعة والمناجم، والمسماة “روايال أريفال كورب” أنشئت “بمبادرة” منها “من أجل تسيير أملاكه الشخصية ولكنها لم تنشط أبدا” ولا “تتوفر على أي حساب مصرفي”. أما القضاء الذي توقف، حسب المقربين من السلطة، عن تلقي الإيعاز، فإنه لم يتحرك للتحقيق في القضية التي يرجح أن لا تتم متابعتها. وجاءت هذه القضية لتتسبب في حرج لمحيط الرئيس بوتفليقة، الذي مسح “موس” قضايا الفساد، مؤخرا، في جهاز الاستخبارات السابق الذي كان وفق الرواية المتداولة “يفبرك” الملفات للإطارات. وبهذه الطريقة، جرت تبرئة الوزير السابق للطاقة شكيب خليل الذي عاد إلى الجزائر مؤخرا، رغم أن القضاء كان قد أصدر في حقه مذكرة توقيف دولية لم تتم متابعتها لأسباب لم يكشف عنها لحد الساعة. لكن المثير في قضية “أوراق بنما” أنها تجاوزت حدود الوطن إلى فضيحة دولية لا يمكن أن يكون جهاز الدياراس من لفقها، وفي حال لم يتحرك القضاء، يكون الإيعاز في هذه الحالة قد غير معسكره، وهو ما ينافي تماما مبدأ استقلالية العدالة ودولة القانون.  

مقال مؤرشف


هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.

تسجيل الدخول باقة الاشتراكات