"في الجزائر لا المخابرات ولا السلطة التنفيذية ملائكة"

+ -

يرى صهيب بن شيخ، المتخصص في المقارنة بين الأديان، ومستشار عميد مسجد باريس، أن ما يسميه “الدعششة في المجتمع الفرنسي” أضحت موضة، شبيهة بظاهرة اليسار المتطرف قبل عقود. ويعطي في هذه المقابلة مع “الخبر” رأيه في قراءة نصوص القرآن بمفاهيم متعددة، تأخذ في الحسبان ظروف البلد والشخص الذي يقيم فيه. وينتقد بشدة قيادة جمعية العلماء المسلمين، التي يعد والده أحد مؤسسيها، بحجة أنها لم تندد بممارسات “الدي أر أس” والسلطة السياسية.أنت تعيش بفرنسا، هل معاداة الإسلام والمسلمين تعاظمت بعد اعتداءات 13 نوفمبر 2015؟ الخوف من الإسلام لا من المسلمين، يزداد عقدا بعد عقد. في فرنسا يجري التعايش بين المسلمين والجيل الجديد من الفرنسيين بشكل عادي، فالفرنسي لا يخشى المسلم بعينه. وكتصور للدين الإسلامي، فهو عند الفرنسيين قتل وإجرام. هذا عند عموم الفرنسيين وليس الباحثين، والذنب ليس ذنبهم. فعند هؤلاء التدين الحالي للمسلمين يؤدي بصفة لا عقلانية إلى راديكالية قاتلة ومخيفة.من يتحمل مسؤولية هذه النظرة تجاه الإسلام؟ يتحملها المسلمون طبعا. هذه القراءات للدين الإسلامي، وحاشا الإسلام، هي التي أنتجت لنا بوكو حرام والقاعدة والنصرة وداعش، وهذه الجماعات تنهل من نفس المشرب والمصدر، بينما كان يفترض من المعاهد والجامعات المتخصصة في العلوم الشرعية، كالأزهر في مصر، هي من تبادر لشرح حقيقة الدين.هناك دعوات لإيجاد مرجعية إسلامية شبيهة بالبابا عند المسيحيين، تتولى اتخاذ شرح الدين والتعبير عن موقف موحد للمسلمين في أوقات الشدة، كما حدث بباريس وبروكسل مؤخرا. ما رأيك؟ ليس شرطا أن يكون شخصا، والأفضل أن يكون مؤسسة.هي موجودة في فرنسا. ألا يمكن أن يكون مسجد باريس والمجلس الفرنسي للديانة الإسلامية مرجعا ؟ يصيحان بصوتهما وقد يسمع وأحيانا لا يسمع. مسجد باريس مثلا جهاز تسييري، ليس على رأسه علماء ومثقفون.السلطة في فرنسا تتحدث عن “إسلام فرنسا”. هل هذا الطرح سليم برأيك؟ إن هي إلا أسماء وقراءات متعددة للإسلام، وعدم وجود كنيسة في الإسلام جعل هذا الدين يبنى على مفاهيم متعددة ولكن يبقى النص واحدا. فإن كنت يمنيا من صنعاء سأقرأ القرآن الكريمبتطلعات واهتمامات اليمني، وإن كنت فرنسيا أقرا نفس النص ولكن بانتظارات وملابسات وظروف الفرنسي. نص واحد وقراءات متعددة، هذه تسمى ثروةإذن نصوص القرآن التي تتحدث عن القصاص مثلا، تفهم بحسب الأقطار والأجناس؟ الإسلام يعيش أزمة فكرية، فكل الحركات الإصلاحية والتجديدية لم تستمر. هناك حداثة مبنية على أفكار فردية ولم تؤسس بعد مدرسة معينة لها أتباعها وشيوخها، ويعني هذا أننا في نفق. لقد ضيعنا النهج الإصلاحي الذي بدأه الأفغاني ومحمد عبده وأحمد خان ومير علي. هل يجوز لحديث نسب للنبي صلى الله عليه وسلم عقودا بعد موته عن طريق الآحاد، أن ينسخ عشرات الآيات التي تنادي بحرية المعتقد؟ القصد أننا نقرأ قرآننا بمفاهيم قديمة قدسناها. لا يجوز لجيل أن يفسر القرآن بصفة قطعية ونهائية للأجيال التي تأتي من بعده. القصد أن نأخذ من المفتي الذي لا يزال على قيد الحياة، لا الفتاوى التي صدرت عن شيوخ ماتوا منذ قرون.ما تفسيرك لظاهرة انخراط فرنسيين من أصول فرنسية في تنظيمات الإرهاب كداعش؟ تجد الفتاة المراهقة تنتقل في ظرف أيام من ثقب الأذن والوشم وشبه التعري، إلى النقاب والتعصب باسم الدين. إنها ظاهرة تحد مثل ظاهرة القمصان الحمر قديما. بمعنى من أراد أن يتحدى مجتمعه يزعجه براديكالية من الردايكاليات ومنها الإسلام، وهذا ما يحدث في فرنسا حاليا. في الأربعينات والخمسينات، كان من يريد تحدي المجتمع الفرنسي، يتحول إلى ستاليني تروتسكي ويقتل باسم اليسارية المتطرفة. الموضة أرادت اليوم أن تكون الراديكالية باسم الدعششة والسلفية الجهادية.كيف تنظر للجدل الذي يثار حول ما يسمى “إعادة الاعتبار لشكيب خليل” بعد اتهامه بالفساد؟ حقيقة لا أفهم ما يجري. سمعت عن أوامر باعتقال السيد خليل صدرت عن الجنرال توفيق لما كان على رأس المخابرات. وكأن القضاء تم توظيفه في هذه القضية. إحساسي أنه لا المخابرات ملائكة ولا السلطة التنفيذية ملائكة. في الجزائر يوجد غموض، لا نعرف من يحكم من. رسميا عبد العزيز بوتفليقة هو من يحكم، أما فعليا فلا علم لي.أبدت جمعية العلماء المسلمين الجزائريين استياء مما وصفته التعدي على الثوابت كالدين واللغة. هل ترى أن الثوابت مهددة في الجزائر؟ أصارحك بثلاثة أشياء تحز في نفسي. الأولى توظيف أبهة تاريخية في الجزائر وتاريخ الإسلام وهي جمعية العلماء المسلمين الجزائريين. هذا التوظيف يأتي من الجماعة الموجودة حاليا في الجمعية.تقصد رئيسها الشيخ عبد الرزاق ڤسوم.. أنت تستهدفه.. ما أقصده أنه لا يحق لأية جهة أن تحتكر لنفسها هذا الإرث الذي يبني تاريخ جميع الجزائريين. تصور لو أن 4 أو 5 من الناس سموا أنفسهم حزب الشعب الجزائري وادعوا أنهم يحتكرون الوطنية اليسارية. ومن خلال هذا الادعاء والمنبر المزيف، يهاجمون من أرادوا ويصفون حساباتهم مع من أرادوا. لو كان عبد الحميد بن باديس، رحمه الله ورضي عنه، حيا لنادى بإخراج التربية والتعليم في الجزائر من مأزقهما المأساوي.الرجال الذين أسسوا جمعية العلماء المسلمين يضعون أنفسهم في إطار إصلاحي وتجديدي ومستنير، فهم أول من نادى بتعليم البنين والبنات وأكدوا على البنات. وهم أول من نادوا بالتزود بالعلوم الدنيوية، ففرنسا لم تغلبنا دينيا ولم تحتلنا فقهيا بل احتلتنا بتمكنها من الحضارة والعلوم الدنيوية.ولكن يا سيد بن شيخ، الجمعية بموقفها لم تخرج عن الإطار التاريخي الذي كان الدافع لإطلاقها في ثلاثينات القرن الماضي. أنت ما تعيب عليها بالتحديد؟ قلت لك إن الجمعية أصبحت منبرا يستعمله البحث. وهي في الحقيقة ليست استمرارا للجمعية التاريخية وإنما جماعة أرادت إحياء الجمعية، وبدأت بالشيخ عبد الرحمن شيبان رحمه الله. في كل هذا أريد القول: لو كان الشيخ بن باديس حيا لقال لا للظلم ولا لتغول السلطة التنفيذية على بقية السلط، ولقال لا لتجسس المخابرات على الجزائريين. من يريد الاقتداء ببن باديس يدعو إلى الدولة الحديثة التي يطمئن فيها المواطنون على أنفسهم تحت حمايتها.أفهم من كلامك أنك تنادي بحل جمعية العلماء المسلمين.. أنا أعتقد أن للجمعية مكانة عظيمة ومؤثرة في كل جزائري، إذن لا ينبغي أن تستعمل اليوم كمنبر. ولكن افسح لي المجال لأكمل شرح مآخذي الثلاثة على قادة الجمعية. المأخذ الثاني يوجه إلى السيد ڤسوم الذي أحترمه وأعرفه شخصيا، لأنه كان أحد مساعدي والدي رحمه الله، ووالدي كان عضوا بارزا في جمعية علماء المسلمين الحقيقية التاريخية، وكان أيضا مساعدا له في مسجد باريس. السيد ڤسوم دفع أبناءه إلى تعلم اللغات والمعارف الدنيوية في أمريكا وأوروبا، وبعض التآليف التي أصدرها بعض أبنائه كانت بالإنجليزية. أشم رائحة الاستعمال والتوظيف واحتكار المنابر التاريخية.بالنسبة للمأخذ الثالث، أتساءل: هل يرضى أي عاقل صاحب حس سليم وفهم مستقيم بمستوى التعليم في الجزائر، الذي يتأخر سنة بعد سنة. فإذا ما حاولت إرادات حية وضمائر يقظة أن تقوم بشيء إيجابي نخوفها باسم الأمة والدين والثوابت. ثم ما معنى الثوابت؟ أنا والله لا أعرف ما هي الثوابت.من يسمعك تتحدث بهذه الطريقة، يفهم أنك تدعو إلى فرنسة التعليم في الجزائر.. بالعكس، فالقائمون على وزارة التربية يسعون إلى تأهيل الأساتذة الذين يدرسون العربية، ويريدون إضافة الفرنسية، وأنا شخصيا آمل في إضافة كل اللغات الحية. والفرنسية لا تنافس العربية، ومن تعلم لغة ثانية لا يمكن أن ينسى لغته الأصلية.الإنجليزية هي اللغة العالمية اليوم. لماذا لا تدعو إلى تدريسها بدل الفرنسية؟ هذا كلام ديماغوجي. الفرنسية مكسب وهي لغة ثانية في الجزائر، والباحثون مضطرون للاستعانة بها في مشاريعهم ولا ينكر هذا إلا جاحد. إذن لماذا هذه العقدة تجاه اللغة الفرنسية؟ وأنا لا أرى في تقوية الفرنسية إضعافا للعربية، وأدعم تدريس الإنجليزية في الجزائر من دون أن يكون لها تأثير على العربية ولا الفرنسية، إذ حتى الفرنسيين مستاؤون من تأخر لغتهم قياسا إلى تعاظم انتشار الإنجليزية. فآخر البحوث وآخر المناهج موجودة بالإنجليزية، ولن تكون متاحة بالفرنسية قبل 10 سنوات.                                                            

مقال مؤرشف


هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.

تسجيل الدخول باقة الاشتراكات