38serv

+ -

رغم فشل اللقاء الذي جمع ممثلي الأساتذة المتعاقدين بوزيرة التربية، أول أمس، لاكتفاء هذه الأخيرة بمنحهم تطمينات حول تثمين الخبرة في مسابقة التوظيف دون الحديث عن الإدماج، إلا أن ما وقفت عليه “الخبر”، وهي تزور تجمّعهم في منطقة الهضبة ببودواو، يؤكد إصرارا على البقاء في المكان ومواصلة النضال إلى غاية افتكاك الإدماج الذي قطعوا من أجله مئات الكيلومترات رغم علامات الإرهاق والتعب التي غزت وجوه المحتجين. ما أشبه اليوم بالأمس، فالتنقل إلى حي الهضبة ببودواو ببومرداس، يعيد صور الاعتصام المفتوح الذي قام به زملاؤهم في 2011 ودام أكثر من 11 يوما، وكلل يومها بافتكاك قرار الإدماج. فعلى الرغم من أن مصير هؤلاء لا يزال مجهولا، إلا أن ما لمسناه، ونحن ندخل وسط صفوفهم المتراصة، إرادة وعزيمة كبيرين واتحادا أكبر منهم، شعاره “الإدماج ولا شيء غير الإدماج”.أول ما تقع عليه عين المار بالمكان هو البساطة التي يتميز بها الأساتذة المحتجون، لا تكلّف في هندامهم، وصل بهم الأمر إلى انتعال “بلايغ” البلاستيك في عز البرد، هناك من تورمت قدماه ولم يعد يقوى على لبس حذاء، وهناك من اهترأ حذاؤه لكثرة السير وغيرها من الأسباب التي جعلتهم ينسون مظهرهم ولا يفكرون إلا في شيء واحد، هو أن يشغلوا مناصب دائمة.تركوا النفس والنفيس والتحقوا بمسيرة الكرامةكنا نعتقد ونحن في طريقنا إلى بودواو أننا سنجد أساتذة من بجاية والبويرة وبومرداس، وهي الولايات التي انطلقت ومرت وتوقفت عندها مسيرة الكرامة، إلا أننا تفاجأنا بوجود 48 ولاية في المنطقة، لهجات وألوان مختلفة، ولكن قاسمهم المشترك النضال من أجل تحقيق حلم الإدماج، فما ذكره من تكلمنا معهم، أنهم تركوا أبناءهم خلفهم ولا يعرفون ماذا سيكون مصيرهم، وهنا ذكر أحدهم “إذا أنا رفضت الانضمام وآخر كذلك.. كيف نحقق الوحدة”، فالمسيرة بدأت بعدد محدود، ليرتفع يوما بعد يوم، ففي كل حي كانوا يمرون به يتبعهم العشرات، وقبل الوصول إلى البويرة كان العدد قد تجاوز الألف، وهو ما بث فيهم الطمأنينة وشجعهم على الاستمرار لتحقيق الهدف المنشود، رغم التعب والإرهاق الذي طالهم، وكان في كل مرة يفقد عددا من زملائهم القوة لمواصلة السير معهم، فيتركونهم في المستشفيات للعلاج، في الوقت الذي كان أغلبهم، حسب المحتجين، يلتحق فورا بمجرد تلقيه رعاية تزيل عنه آثار التعب، إلا أن هناك منهم من انتصر عليه الإرهاق، فقد أكد من قابلناهم أن عددا مهما من الأساتذة أصروا على البقاء، إلا أن حالتهم الصحية حالت دون ذلك، خاصة من يواجه منهم مشاكل صحية، ليحولوا إلى المستشفى، ورغم ذلك يتصلون بهم بشكل يومي ويحثونهم على الصمود ويقدمون وعودا بالعودة لهم بمجرد استقرار وضعهم الصحي. ونحن نتحدث عن المرضى التقينا بالأستاذة فلة جلال، التي شدت صورها المعروضة في شاشات التلفزيون الكثير من الأنظار، التي كانت ضمن أساتذة المسيرة وهي على كرسي متحرك، حيث أكدت لنا “أنا أصبت بكسر أثناء تعرضي للضرب من قبل أفراد الشرطة، عند اعتصامنا يوم 21 مارس بملحقة رويسو، وأبيت إلا أن أواصل النضال من أجل تحقيق حلم أكثر من 20 ألف متعاقد”.لماذا يريد الأساتذة المتعاقدون الإدماج؟سؤال يطرحه الجميع، خاصة من هم خارج قطاع التربية، وحتى المواطنون البسطاء، فكان جواب هذا السؤال عند جموع المحتجين، “التعاقد حوّلنا إلى عبيد، وحان الوقت لنتحرر من العبودية”، لم يكن أستاذ يتدخل وهو يشرح عيوب التعاقد دون أن ترى في عينيه دموعا أمسكها الكبرياء أن تسقط، رغم أنها تغلبت على البعض منهم ونزلت علّها تطفئ النار التي أوقدها الظلم طيلة سنوات التعاقد. تذكر أستاذة من ولاية عنابة تركت أبناءها الثلاثة والتحقت بزملائها في بجاية، ومشت معهم عشرات الكيلومترات سيرا على الأقدام، أنها سئمت من التعاقد، لأنه حوّل حياتها إلى جحيم، كيف لا وهي التي لم تملك حق الفرح بمواليدها الثلاثة، لم يتركوا جسدها يرتاح من وجع الولادة، ولم يتركوا حضنها يضم صغيرها على الأقل بشكل دائم طيلة ثلاثة أشهر كباقي العاملات، ناهيك عن عقد عمل هش يمكن أن يفسخ في أي لحظة إذا أراد المدير ذلك، فإذا كان بعض المديرين، حسبها، يملكون الحس الإنساني ويتضامنون مع وضعياتهم، فالأغلبية يستغلون هذا العقد لتكليفهم بمهام لا تمت لمهمة التعليم بصلة.  وهنا ذكرت زميلة لها بولاية بومرداس: “أنا وجدت نفسي أقوم بمهام في الإدارة لا أتقاضى عليها مالا، وليس لي الحق برفضها”، ليقاطعها أستاذ آخر من نفس الولاية يدرّس في الطور الثانوي: “الأستاذ المتعاقد ليس محروما ماديا فحسب، بل هو محطم نفسيا”، كيف لا وهو يعيش “التمييز” في مؤسسة واحدة مع زملائه الأساتذة، وهنا أشار إلى أنه عند تسلمه جدول التوقيت، أعجب توقيته زميله الأستاذ المرسّم وطلب من المدير أن يستبدله له، وكان له ذلك، ولم يكن له الحق في الاحتجاج، ولو فعل لفسخ عقده في الحين، خاصة وأن القانون يمنح للمدير الحق في فسخ العقد في أي وقت، وهو ما جعل الكثير من المديرين يهددون بتوقيفهم في أي لحظة إذا لم ينفذوا أوامرهم.أما تأخر الأجور فحدث ولا حرج، هناك من قال لنا إنه لم يستلمها منذ سنة، وآخر سنتين، وهناك من لم يتقاضاها منذ أربع سنوات كاملة، والأجر لا يزيد عن 20 ألف دينار، فأجورهم أقل من الأستاذ المتربص، رغم أن معظمهم لهم خبرة سنوات طويلة ويعملون في مناطق نائية لا تتوفر حتى على النقل، ولا يستفيدون من منحة المردودية، ناهيك عن حرمانهم من حق التأمين والحق في التقاعد وحق أربع ساعات في الأسبوع التي يستفيد منها الأستاذ المرسّم لإكمال دراسته. تنصيب الخيم لمواجهة تقلبات الجو وتضامن المواطنين يصنع الحدثلم تمر الأمطار التي تساقطت، أمس، ببودواو دون أن يجد الأساتذة المتعاقدون الحل لمواجهتها، فالحاجة أم الاختراع، كما يقال، وتمكن الأساتذة بحنكتهم من تنصيب خيم بلاستيكية اتقاء للبلل، بينما عمد البعض إلى افتراش أنواع الأغطية التي منحها لهم سكان المنطقة لأخذ قسط من الراحة بعد أيام طويلة قضوها دون نوم، وهنا أشاد المحتجون بالتضامن الواسع الذي وجدوه من المواطنين منذ انطلاق المسيرة في ولاية بجاية، فلم يتأخروا بدعمهم بالأكل والشرب والملبس والأفرشة، وبعد دخولهم في إضراب عن الطعام، فضل سكان بودواو منحهم الأغطية والأفرشة، خاصة مع تساقط الأمطار، في الوقت الذي أكد المتضامنون معهم استمرار مد يد العون لهم إلى غاية تحقيق غايتهم التي خرجوا من أجلها.تركناهم وكانوا بين لحظة وأخرى يجددون هتافاتهم “لا رجوع لا خضوع الإدماج حق مشروع”، وكلهم أمل أن يشعر رئيس الجمهورية بمعاناتهم، فيمنحهم تأشيرة الإدماج للعودة إلى أحضان العائلة قبل الحصول على حقهم في منصب شغل محترم.

مقال مؤرشف


هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.

تسجيل الدخول باقة الاشتراكات