قد يخطر في أذهان الكثيرين عدة أسئلة عن ماهية بورصة الجزائر ودورها على أرض الواقع، في ظل الأزمة الاقتصادية الخانقة التي تمر بها البلاد، موازاة مع انهيار أسعار البترول، خاصة أن الأسواق المالية في الجزائر لا تزال صغيرة وهشة. على عكس بعض العواصم التي فتحت أبواب بورصاتها للاستثمار الخارجي، في محاولة لترسيخ انفتاح اقتصادي يعطي مصداقية للخارج، إلا أن العدد الصغير للمؤسسات الاقتصادية الجزائرية التي تشكل بورصتها يعكس مدى ضعفها وصغر حلقتها، ففي وقت تعتبر البورصة في الخارج أداة تمويل، تقف بورصة الجزائر عاجزة عن دعم المشاريع الصغيرة.أُنشئت البورصة الجزائرية عام 1997، مع وجود أعضاء مؤسسين منقسمين على البنوك الوطنية والخاصة وكذا شركات التأمين، يضاف إليها عدد المساهمين برؤوس الأموال، وتعتبر بورصة الجزائر تجمعا للعديد من المؤسسات والمهنيين، كما تحتوي على لجنة تنظيم عمليات البورصة ومراقبتها وشركة تسيير بورصة القيم، وكذا شركة تسيير بورصة القيم والوسطاء في عملية البورصة، إلى جانب المؤتمن المركزي، أما عملية التداول فهي مبرمجة يومي الاثنين والأربعاء، وتنشط داخلها مجموعة شركات، أبرزها مؤسسة “الرويبة” وفندق “الأوراسي” و«أليانس” للتأمينات ومجمع “صيدال”.كما يعرف مفهوم بورصة الجزائر غموضا كبيرا كمعنى ومبنى لدى الجزائريين، فسوق المال بالنسبة للكثير منهم ليس سوى مبنى يقع وسط العاصمة لا غير، أما البعض الآخر فلا يعرف سوى أنها خامدة وليس لها دور فعال في الاقتصاد الوطني، وأنها مجرد صورة لا تنفع الاقتصاد ولا تضره، هذه الرؤية تأتي نتيجة غياب ثقافة البورصة في الجزائر، وغياب مثل هذا المصطلح عن البرامج، خاصة أن واقع بورصة الجزائر الخامد لا يحفز على الخوض في الموضوع.ما هي البورصة؟يرجع استخدام كلمة “بورصة” للدلالة على المكان أو العمليات المتعلقة بالأوراق المالية، إلى لقب تاجر بلجيكي يدعى “فان دي بورص” يمتلك فندقا في مدينة “بروج” البلجيكية، وكان هذا الفندق ملتقى التجار في هذه المدينة، وذلك خلال القرن 16 ميلادي.أما البورصة في معناها العام، فهي المكان الذي يتم فيه التعامل على حاصلات أو صكوك (أوراق مالية) تحت إشراف السلطة العام، وهي عبارة عن سوق مستمرة يتم العمل من خلالها على الأوراق المالية في أوقات العمل الرسمية، وتتميز عادة بأنها أسواق كاملة بالمعنى الاقتصادي.ومعنى الكمال هنا هو توافر معرفة البائعين والمشترين بأحوال السوق، وذلك بحكم الاتصال التام فيما بينهم، وتجانس الأوراق المالية المتعامل فيها تجانسا كاملا، وتوفر حرية البيع والشراء وقدرة المتعاملين في السوق على تحين الفرص الممكنة للاستفادة من تقلبات الأسعار الفعلية والمتوقعة.وتتحقق في البورصة المنافسةُ الحرة، حيث تتحدد الأسعار فيها وفقا لقانون العرض والطلب إلا عند الضرورة. وبحكم اجتماع المتعاملين في مكان واحد، فإن الاتصال يتحقق بينهم، ويؤدي هذا إلى وجود سعر واحد يكون مقياسا للأسعار داخل البورصة وخارجها.كما تتميز عمليات البورصة وأسعارها بالعلانية، حيث يتصل سمسار البائع وسمسار المشتري عن طريق النداء، وتدون الأسعار في لوحة معدة لذلك يطلع عليها الجميع، كما تقوم الشركات والجهات الاقتصادية ووسائل الإعلام بنشر كافة البيانات المتعلقة بالشركات وصكوكها وأرباحها ومراكزها المالية، وهو ما يحول دون خلق سعر غير واقعي. ولهذه الميزات الكثيرة أثرها الفعال في تنشيط حركة التعامل داخل البورصة وامتصاص أي هزات أو تقلبات تؤثر على السوق.مزايا الدخول في البورصةهناك عدة مزايا، على غرار رفع الأصول، السماح بمجيء أو دخول المستثمرين الاستراتيجيين ليصبحوا مشاركين في المؤسسة ومشاريعها، وهو ما سيحسن من كفاءة إدارة الشركات ويكسبها مصداقية نتيجة معاملاتها في جو من الشفافية والانفتاح على العالم الخارجي، وهذا ما سيعطي أريحية لشركائها وزبائنها وممونيها، كما من شأنه أن يجذب آخرين من نفس الفئة، إضافة إلى تحفيز الطبقة العاملة، خصوصا عندما تفتح شراكة فيصبح العامل شريكا ومساهما فيها، وكذا توفير سهولة وديناميكية في بنية رأس مال الشركة، وهو ما يحميها من الزوال نتيجة تصادم مصالح الشركاء، فضلا عن المزايا الجبائية التي تحصل عليها هذه المؤسسات، نتيجة تفضيلها للبورصة التي ما فتئت تساهم في إعطائها أفضلية عن مثيلاتها في القطاعات التنافسية.واقع بورصة الجزائريشرح التقرير الصادر عن بورصة الجزائر، وتحوز “الخبر” نسخة منه، واقع البورصة في الجزائر بالتفصيل في ظل الأزمة الاقتصادية التي تمر بها البلاد، فبورصة الجزائر تشهد حاليا نوع من الحركية، ورغم أن عدد الشركات المدرجة لا يتجاوز 4 شركات، فإن الإصدارات الجديدة التي أعلن عنها رسميا كإصدار أسهم شركة “بيوفارم”، وكذا شركة “عين الكبيرة للإسمنت” بولاية سطيف، ستعطي ديناميكية أكثر للسوق وترفع القيمة الرأسمالية من 15 مليار إلى 100 مليار دينار، ما يسمح بتطوير السوق وجعله أكثر مرونة وسيولة، كما أن إدراج هذه المؤسسات يكون بمثابة القاطرة المحركة للمؤسسات الأخرى، سواء في القطاع العام أو الخاص.من جهة أخرى، تواصل بورصة الجزائر، حسب خلية الاتصال على مستواها، حملاتها التحسيسية منذ 2013، وذلك بتنظيم عدة لقاءات مع العديد من المتعاملين الاقتصاديين على مستوى التراب الوطني، بلغ عددهم إلى حد الآن أكثر من ألف متعامل اقتصادي، وذلك عبر ملتقيات نظمت بمختلف ولايات الوطن، على غرار وهران وعنابة وسطيف والبليدة وغيرها من الولايات، إضافة إلى تنظيم نشاطات فتحت أبوابها أمام الجمهور العام وأخرى بالطلبة، إلى جانب تنظيم لقاءات مع مختلف جمعيات أرباب العمل، وكذا تنظيم أيام إعلامية موجهة للغرفة الوطنية لمحافظي المحاسبات بالاتحاد الوطني لأصحاب المشاريع العمومية بمختلف المعاهد والجامعات، كجامعات بومرداس وبجاية وتيزي وزو والمدية، وكذا المدرسة العليا للتكنولوجيا والمدرسة العليا للتجارة، إضافة إلى المدرسة العليا للأعمال، استعملت فيها كل الوسائل الحديثة والمتطورة للاتصال، من بينها الإنترنت وشبكة التواصل الاجتماعي.ويهدف ذلك، حسب مصدرنا، إلى نشر ثقافة البورصة في أوساط جميع شرائح المجتمع الجزائري، حيث تم في شهر مارس الجاري إطلاق تطبيق خاص على الهواتف المحمولة هو “بورصة الجزائر”، والذي يسمح بمتابعة أخبار البورصة وحركة الأسهم بكل سهولة، مع الحصول على إحصائيات تفصيلية حول كل سهم، ويمكن تحميله مجانا عبر الهواتف الذكية “آندرويد” وهاتف “آيفون” واللوحات الرقمية.كل هذه اللقاءات تهدف، حسب خلية الاتصال ببورصة الجزائر، إلى ترقية بورصة الجزائريين بين الجامعيين والاقتصاديين والجمهور العام، والتركيز على دورها في تمويل الاقتصاد الوطني، وكذلك الارتقاء بها على المستوى المغاربي والدولي بصفة عامة. “بيوفارم” والبورصةتعد الجزائر أكبر سوق للأدوية في إفريقيا قبل جنوب إفريقيا بحجم سنوي قدره 4.6 مليار دولار أمريكي، حسب التقارير القطاعية الصادرة سنة 2015، ويشير المصدر ذاته إلى أن مبيعات الأدوية في الجزائر تقدر بـ116.3 دولار للفرد الواحد عام 2014، حيث يمثل الإنفاق الصيدلاني حاليا نحو 2.23% من الناتج المحلي الإجمالي الاسمي في الجزائر، و34% من الإنفاق على الرعاية الصحية. وتتمثل الشركة المساهمة “بيوفارم” في مجمع متكامل يعمل في مجال تطوير وإنتاج الأدوية وتوزيعها على الصيدليات والإعلام الطبي والخدمات اللوجستية، حيث حقق المجمع سنة 2014 رقم أعمال بلغ 49 مليار دينار، وهو ما يمثل 13% من حجم سوق الأدوية، وفي نفس السنة حقق المجمع ناتجا خاما موحدا قيمته 3.8 مليار دينار، أي ما يعادل ربحا صافيا بقيمة 151 دينار لكل سهم، توزع “بيوفارم” نحو 514 دواء، من بينها 59 نوعا مصنَّعا في الجزائر، وتشرف على إنتاج وتوزيع أكثر من دواء واحد من أصل 10 أدوية موجودة في الصيدليات، حسب إحصائيات “بيزنيس مونيتور”. وخلال الثلاثي الأول من سنة 2015، سلمت الوكالة الفرنسية الوطنية لتأمين الأدوية والمنتجات الصحية شهادة مطابقة للممارسات الجيدة في الإنتاج لإحدى خطوط الإنتاج التابعة لشركة “بيوفارم”. وباشر المجمع الصيدلاني الجزائري “بيوفارم” عملية اكتتاب لعرض عمومي خاص، يتمثل في بيع أسهم المجمع لفترة تمتد من 13 مارس إلى 7 أفريل 2016، بعد أن حددت فترة الاكتتاب الأصلية من 13 إلى 23 مارس من السنة نفسها. كما يمكن للمستثمرين المهتمين الاكتتاب لدى الوسطاء في عمليات البورصة المشكلين لمجموعة الاكتتاب برئاسة البنك الخارجي الجزائري، ويتمثل الوسطاء في عمليات البورصة في كل من البنك الخارجي الجزائري وبنك الفلاحة والتنمية الريفية وبنك التنمية المحلية، إضافة إلى البنك الوطني الجزائري والبنك الوطني الباريسي “باريبا الجزائر”، والصندوق الوطني للتوفير والاحتياط، وبنك “سوسيتي جنرال” وشركة “تال ماركت” وكذا القرض الشعبي الجزائري.وتأتي هذه العملية بعدما أعطت لجنة تنظيم ومراقبة عمليات البورصة في ديسمبر 2015 موافقتها بشأن دخول المؤسسة المتخصصة في إنتاج المواد الصيدلانية “بيوفارم” بورصة الجزائر، ويمثل دخولها عرضا عموميا لبيع أسهم تمثل نسبة 20% من رأس مال المؤسسة، أي نحو 5.1 مليار سهم بقيمة إجمالية قدرها 6.25 مليار دينار، وتم تحديد ثمن السهم الواحد بقيمة 1.2 دينار، بالنسبة للجمهور العام و1.1 دينار، بالنسبة للأجراء.ويبلغ رأس المال الاجتماعي لمؤسسة “بيوفارم” نحو 5.1 دينار، يتمثل في 25.5 مليار سهم عادي، وتمثل القيمة الاسمية للسهم 200 دينار، وسيتم إدراج أسهم المؤسسة بالبورصة بعد انقضاء العملية طبقا للإجراءات المحددة في قانون البورصة.
مقال مؤرشف
هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.
تسجيل الدخول باقة الاشتراكات