"المسيرة الكبرى" للأساتذة المتعاقدين

+ -

تدخل مسيرة الأساتذة المتعاقدين التاريخ من أبوابه الواسعة، من خلال عقدهم العزم على قطع المسافة التي تفصلهم بين المدينة المتمردة بجاية وقصر الوزيرة “المتعنتة” بن غبريت مشيا على الأقدام. المسافة 240 كلم، وقد قطعوا منها 70 كلم والبقية يعدون لها العدة وتحقيقها “لن يكون بالمهمة المستحيلة”.

في طريق بجاية - تازمالت على مسافة 70 كلم، صور جميلة من صنع الطبيعة تسر الناظرين وتنسي المتاعب وتفتح الأبواب على مصراعيها لسلطان الخيال، وعلى حافتي الطريق حقول كساها الاخضرار الذي أطلق العنان لمملكة الألوان لتقدم أجمل ما تجود به الطبيعة من سحر خلاب ومناظر لا يستمتع برؤيتها إلا من قرر أن يمر عليها بقدميه.وسط هذه الحقول وفي طريق معبدة بالزفت الأسود، تزحف جموع بشرية تزيد للمظهر جمالا من صنع رجال ونساء مرتدين مآزر بيضاء تنافس نصاعة الثلوج التي كست قمم جبال توجة وأكفادو وسيدي عيش.وبالنسبة للكثير من السائرين ذكورا وإناثا، المسافة من بجاية إلى القصر تم قطعها في أجواء المرح والفرح، خاصة أن التعب لم ينل منهم الكثير وحتى الإزعاج الكبير الذي ألحقوه بمستعملي الطريق من أصحاب السيارات، حيث إنهم لم يتوقفوا عن استقبال آيات التشجيع ومواصلة النضال إلى غاية “انتزاع الحق الذي تأبى الوزارة منحه”.وبلغت درجة التعاطف والتضامن ذروتها لما بلغ السائرون مدينة القصر بعد قطع 25 كلم في ظرف سبع ساعات كاملة، حيث استقبلتهم مجموعات من الشباب والحركة الجمعوية بحفاوة كبيرة، ورافقوهم إلى غاية متقنة القصر، حيث تقرر أن يبيتوا أول ليلة لهم، ولم تبخل الحركة الجمعوية بما لديها من ماء وغذاء لوضعه تحت تصرف المكافحين من أجل الإدماج. “الخبر” وفي صبيحة اليوم الثاني، التحقت بالمسيرة بمتقنة القصر لترافقهم في رحلة بلوغ محطة سيدي عيش وإغزر أمقران وتعيش معهم ساعات كاملة بكل خصوصياتها، حيث بعد الكيلومتر الأربعين بدأ التعب ينال من بعض الرجال، لتبدأ الصور المؤلمة تتوغل في نفوس المؤطرين، سقط أيمن أرضا ومغشيا عليه، وفي غياب التأطير الطبي تحول المؤطرون إلى أطباء يقدمون الإسعافات الأولية لزملائهم. وتوقف البعض عند حادث سقوط أيمن، لكن المنظمين طالبوهم بمواصلة السير، وعند وصول أول السائرين إقليم بلدية فناية كان المتخلفون وراءهم بحوالي كيلومترين، وهنا سقطت أول سائرة مغشيا عليها، ليلتف حولها زملاؤها الذين رشوها بالماء واستعانت صديقاتها بالعطور لتعيد إليها وعيها، هي لحظات وكأن شيئا لم يحدث وتحولت المغشي عليها إلى مؤطرة للمسيرة من جديد.فاطمة من سطيف قالت إن مهمتها هي تذكير زملائها برفع اللافتات عند مداخل المدن أو خلال تزاحم الفضوليين لأخذ صور لهم، وتدعوهم إلى رص الصفوف في وسط الشوارع لتفادي إزعاج المارة. كانت الساعة تشير إلى الواحدة زوالا، لما دعت فاطمة زملاءها لأخذ قسط من الراحة وتناول وجبة الفطور. وهي تتناول وجبتها، قالت إن العزيمة بمواصلة المسيرة تعظم بقدر قطع كيلومترات جديدة وإن شهية المواصلة تزيد مع استحضار سبب تنظيمها، ووصول خبر استدعاء الوزارة للمنسق الوطني وعدد من الأساتذة لم يدخل الفرحة في قلوب الجماعة التي كانت على علم بالقضية لما قالت فاطمة إن أخبار هؤلاء لا تفرح أبدا.وما زاد من قوة وعزيمة السائرين تواجد زميل سابق في قطاع التربية ضمن المسيرة والذي يرافقهم كبرلماني، إنه السيد خالد تازاغارت الذي رغم التعب تسلح “بسيف النيف الجزائري” ليظهر للعيان وكأنه “مازالو على ديدانو”، كما أعطى وجود صحفيين ونقابيين ضمن أجزاء من المسيرة دفعا قويا للسائرين، كما تحول منخرطون من نقابة “السناباب” إلى مؤطرين للمسيرة، من خلال توجيه الدعوات للتضامن معهم.حتى المساجد المتواجدة على حافة الطريق الوطني رقم 26 تركت أبوابها مفتوحة في كل وقت لتمكين المصلين والمصليات من أداء الصلاة، وقبل المغادرة يتلقون دعاوى التوفيق والسداد.وبإغزر أمقران، وقف الناس يوزعون الماء والحلويات على السائرين في سيناريو أشبه بسباق الدراجات. دقائق قليلة تفصل مقدمة المسيرة عن ثانوية حفصة أم المؤمنين بمدينة أقبو التي فتحت أبوابها للأساتذة، ليتم توجيههم إلى المطعم لتناول الوجبة التي تكرم بها الهلال الأحمر الجزائري والحركة الجمعوية. التعب ومشقة الطريق ومرض البعض من السائرين لم تمنع من تحول جزء كبير من الليل إلى سهرة مفتوحة لتبادل النقاش حول مسائل نقابية وتربوية، وكل أستاذ يروي هموما عاشها وهو في الأقسام وأخرى أقسى منها يعيشها في طريق العاصمة. وما زاد من حدة النقاش الترفيهي، هو تأكد الجميع أن النساء أكثر تحملا لمشقة السير عن الرجال.الساعة منتصف الليل قبل دقائق، لما أعطيت الأوامر التنظيمية بخلود الجميع إلى النوم ومغادرة المرافقين المؤسسة ودعواتهم أن يكون الصبح المقبل حاملا لأخبار مفرحة تنهي آلام معلمين عانوا من ويلات كثيرة.

مقال مؤرشف


هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.

تسجيل الدخول باقة الاشتراكات