38serv

+ -

تقرّ المجتمعات العصرية بمساهمة النقابات العمّالية في تحسين الظروف المعيشية المادية للموظفين والعمال، وهو ما ينطبق على نقابات قطاع التربية الوطنية في الجزائر. هذه النقابات، رغم “كثرة عددها”، ناضلت مدة عشرية كاملة لتحقيق تقدم محترم في الظروف الاجتماعية لموظفي القطاع الذين تمثلهم. لكن في هذه السنة 2016 تغيرت المعطيات وذلك في خضم أزمة مالية أيقظت الضمائر وكبحت شهيّة وسخاء الشعبويين. أزمة فرضت إجراءات صارمة في تسيير الميزانية العمومية وأجبرت السلطات العمومية على احترام المعايير الدولية في تسيير الموارد البشرية. ونتيجة لهذه الظروف أسديت تعليمات للوظيفة العمومية بإعادة النظر في وتيرة النمو “التوظيف الواسع” وذلك لضمان مردود جيد وبطريقة أكثر شفافية، فلم يبق ما “يحلب من ضرع البقرة الحلوب”. انتهت حقبة البحبوحة المالية التي أمّنت السلم الاجتماعي على حساب التسيير العقلاني وغالبا على حساب المنطق البديهي. فماذا ستفعل النقابات يا ترى؟جاءتنا بعض الإجابات عن هذا السؤال من مسؤولين نقابيين: إجابة أولى من نقابة الاتحاد الوطني لعمال التربية والتكوين (UNPEF) وثانية من النقابة الوطنية لعمال التربية (SNTE)، حيث يبدو أنهما اختارا القيام بسياسة حزبية دون البوح بذلك علنا، ذلك ما ظهر من خلال الاعتراف الذي يصعب إنكاره والذي أدلى به هذان المسؤولان في قناة تلفزيونية خاصة معروفة بعدائها لمجهودات الإصلاح المتّبعة من طرف وزارة التربية الوطنية منذ عامين. ما شاهدناه في هذه القناة التلفزيونية غني عن كل تعليق. كيف لا لما ترى مسؤولا نقابيا يتحدث بنظرة ثاقبة، نارية، موجها أصابع الاتهام، ومستعملا ألفاظا تهديدية وذلك للإدلاء بآراء مغرية وخطيرة على مسمع صحفي مبتهج بما كان يسمعه: إن الثوابت الوطنية – اللغة العربية والإسلام – تشكل خطا أحمر لا يجب تجاوزه. ولن نسمح للوزارة بتجاوز هذه القضية. فالأمر إذا واضح: إنهما يعيدان ويردّدان بالنقطة والفاصلة الخطاب القديم الذي رددته لمدة عدة عشريات شخصيات أيديولوجية جعلت من هذا التصور الضبابي سجلا تجاريا، كما أن هذه التهديدات على القناة التلفزيونية تطرح ثلاثة تساؤلات:ـ أولا: أتساءل لماذا لم يذكر المسؤولان النقابيان البعد الثالث للهوية الوطنية والمتمثل في الأمازيغية (لغة وطنية ورسمية)؟ هل هذه لعبة من ألعاب التفرقة والتهميش!؟ـ ثانيا: باتباعهما مسار أسئلة وأجوبة الصحفي التي تمحورت جلها حول “رغبة الوزارة في فرنسة البرامج بواسطة خبراء فرنسيين” فسح هذان المسؤولان النقابيان المجال للشك حتى يحوم حول القضية، تاركين الباب مفتوحا على مصراعيه حول احتمال صحة هذه الأكذوبة الشيطانية. والمؤسف هو أن هذين النقابيين كان بإمكانهما تفنيد هذه الادعاءات الخطيرة لمعرفتهما العميقة بحيثيات الملف.ـ وأخيرا، ومن خلال التهديد بمحاربة من يحاول اجتياز الخط الأحمر (وزارة التربية الوطنية هي المعنية طبعا)، فهما يلمّحان بطريقة غير مباشرة إلى فشل مؤسسات الدولة، إذ لا يحق لأحد عدا فخامة رئيس الجمهورية والمجلس الدستوري والقضاء تقييم وإصدار أحكام بعدم احترام قوانين الجمهورية، إذ أن هذه المؤسسات الثلاثة هي الوحيدة الضامنة لحماية الدستور. ويحق لنا أن نتساءل هنا: ألم يقم هذان النقابيان بتجاوز الخط الأحمر لمهامهما النقابية القانونية؟ إذ أن قانون العمل يدعوهما للالتزام بالأهداف المسجلة في قوانينهما الأساسية والمتمثلة في الدفاع عن الحقوق المادية والمعنوية لموظفي القطاع المنخرطين في صفوفهم.. لا أكثر ولا أقل.في الواقع إن الأزمة المالية موجودة ومستقرة لفترة قد تطول، وبذلك فهما يستثمران في قطاع آخر للمطالب، من خلال اقتحامهما لميدان لا يمكن التطرق له إلا من الجانب البيداغوجي أي كأساتذة لا كمنظمة نقابية. بالفعل، لا يوجد في القوانين الأساسية للنقابات ما يبرر محاولة فرضها لآرائها في ملفات جدّ تقنية لا يفهمها إلا ذوو الاختصاص، ويمكنهم بل ومن واجبهم المساهمة باقتراحاتهم في إطار منظم الذي يتمثل في قضية الحال في اللجنة الوطنية للمناهج وهي الجهاز الرسمي المكلف بإعداد البرامج. هذا المجلس الذي يتشكل من قرابة 100 عضو كلهم من قطاع التربية الوطنية ومن الجامعة وكلهم جزائريون وليسوا أجانب كما يدّعيه البعض. ادعاء، كذب وبهتان ملفق من طرف بعض عناوين الصحف والقنوات الخاصة. وأؤكد مرة أخرى أن كل أعضاء اللجنة الوطنية للمناهج جزائريون وليسوا من مزدوجي الجنسية. فبمساهمتهما في ترويج فكرة فرنسة البرامج التعليميةً قام هذان المسؤولان النقابيان بالمشاركة، ولو دون أن يشعرا بذلك، في زرع بذور الشك في احتمال صحة هذه الأكذوبة التي هي أهل لأن تُنسب إلى النازي الشهير جوبلز (Goebbels) في محاولة زعزعة أيديولوجية محضرة من طرف دوائر معادية لبلدنا. وأدعو في الأخير المواطن الجزائري عامة والمربي خاصة إلى التأمل في المبدأ القبيح الذي تعتمده الإيديولوجية النازية البربرية: “في وقت الحرب كل شيء حلال بما في ذلك الكذب والخيانة”.

مقال مؤرشف


هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.

تسجيل الدخول باقة الاشتراكات